(١)
أطفال سوريا يموتون في الملاجئ من البرد.
محررو صحيفة شارلي إبدو ماتوا في قاعة مكيفة وعلى مكاتبهم الأنيقة.
لا فرق بين موت وموت.. الفرق يكمن في الحياة.
أطفال سوريا ماتوا في لعبة لم يفهموها، وحرب قذرة لم يستوعبوا أسبابها، ولم يكن لهم موقف تجاهها.
محررو الصحيفة الفرنسية ماتوا لأن لديهم موقفًا، وأصروا على نشره رغم خطورته واستفزازه لأكثر من مليار مسلم حول العالم، منهم: ٦ ملايين يعيشون في فرنسا.
أطفال سوريا تجمدوا في العراء والعالم يتفرّج على جثثهم في خبر سريع لا يحظى بأكثر من دقيقة من وقت البث.
محررو الصحيفة سيطروا على ساعات البث بالكامل، وزعماء العالم "الأول" يتسابقون للإدلاء بتصريحاتهم الشاجبة المستنكرة.. يقولونها بحزن شديد ومرارة، وبلغة قوية أحيانًا.
أوباما وقف دقيقة صمت لضحايا الصحيفة... ولم يقف ولو لثوانٍ من أجل أطفال سوريا.
بوتين أدان ما حدث ووصفه بالجريمة الشنعاء... طبعًا يتحدث عن ما جرى في الصحيفة... أما ما جرى لأطفال سوريا فالعالم كله يعلم أنه شريك فيه: كيف تكون إنسانيًا في جهة وقاتلاً في الجهة الأخرى؟!!
لا فرق بين موت وموت.. الفرق يكمن في الحياة.
(٢)
العاملون في الصحيفة الفرنسية:
قام بقتلهم إرهابيون متوترون متطرفون.
أطفال سوريا:
قام بقتلهم دول وأنظمة وأجهزة استخباراتية وجماعات شارك بصناعتها مؤسسات ودول يديرها أناس عقلاء... وفي الأخير، يُتهم البرد بقتلهم!
لا فرق بين موت وموت.. الفرق يكمن في الحياة.
(٣)
في نفس هذا الأسبوع:
قتلى على الحدود السعودية الشمالية.
قتلى في انفجار في العراق.
عشرات القتلى في صنعاء.
قتلى في سوريا ولبنان وليبيا ومصر وفلسطين واليمن.
إبادات هنا وهناك وعلى امتداد خارطتنا الدموية.
و.. قتلى في باريس.
لا فرق بين موت وموت، ولكن.. هل هنالك فرق بين قتيل وقتيل؟!.. أحيانًا: نعم!
(٤)
هذا الغرب العظيم الرائع الذي قدّم للبشرية الكثير من المنجزات والابتكارات الرائعة: إنسانيته فيها خلل!
يحزن في الوقت الذي يختاره، ويذرف دموعه على مشهد واحد وينسى بقية المشاهد.
هذا "الغرب" يتسمّر أمام الشاشة ليتابع بقلق عملية إنقاذ قطة صغيرة علقت في أعلى الشجرة، وبالكاد تكمل المذيعة الخبر لشدة حزنها... وفي الخبر التالي تقول دون أن يهتز لها طرف: إن ثلة من جنود الغرب أبادوا قرية كاملة في أفغانستان لـ(شكهم) بوجود "إرهابي" في حفل زواج في تلك القرية!
أنا لا أصدق هذه الإنسانية التي يهزها موت قطة ولا تهتز لإبادة قرية كاملة.
لا أصدق الحزن الذي لم يحزن بسبب سقوط أسقف البيوت على رؤوس أطفال غزة طوال شهر كامل.
فتّش أيها "الغرب" الجميل بقوائم قتلاك، وقارن بينها وبين قتلى الشرق... سيفزعك الفرق في عدد الجثث التي تتركها وراءك!
كان، وما يزال، يأتي إليك "الشرق" - في الغالب - بحثًا عن العمل الشريف والمعرفة والحياة الآمنة.. وتمنحها له.
وكنت تأتي إليه - في الغالب - قاتلاً ومحتلاً وسارقًا لثرواته.
كم قتلت منه خلال القرون الخمسة الماضية؟
هل ساورك الشك أنني في هذه اللحظة أبرر للقتل؟.. لا.. أنا أكره القتلة أيا كانت هوياتهم وأفكارهم التي تحركهم.. أكره القاتل عندما يأتي على شكل إرهابي تجره أفكاره المتطرفة وغضبه المتراكم،أو جندي غربي تجره حاملة طائرات عبرت المحيطات لترسل جيشًا مدججًا بأحدث آلات القتل... لا أبرر، أنا أريد أن أنبهك للمشهد الذي تعيش داخله ولا تراه بكامل زواياه.. أنبهك لإنسانيتك المنافقة تلك التي تحزن لجريمة قتل هنا وتشارك هناك بملايين الجرائم القاتلة... لم أعد أهتم لقتلاك، فقتلى الشرق في كافة الزوايا، وأنت كما تعلم شريك في كل ما يحدث : ساندت الكثير من الدكتاتوريات والأنظمة المستبدة، يوجد في كل بيت قتيل بسبب أسلحتك الفتاكة، شاركت في نهب كل ما يملك الآخر، لديك - رغم كل ما تدّعيه من نبذ للعنصرية - تلك النظرة التي ترى الآخر أقل!
(٥)
خذها مني أيها "الغرب" المذهل الفنان المبدع المبتكر الملوّن المتلون:
كل نار تشعلها في هذا العالم سيصلك لهيبها ولو بعد حين!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق