30 مارس 2018

سيد أمين يكتب: محنة الصحفي المحايد في مصر

الجمعة 30 مارس 2018 21:15
 الصحفيون المصريون عامة والمحايدون منهم خاصة يعيشون في مصر الآن أجواء مأساوية بكل معني الكلمة، فقد أغلقت أبواب الصحف المعارضة، أو بالأحرى الموضوعية، بالضبة والمفتاح، واقتصرت مهمة الصحفي على مجرد ترديد بيانات ومنشورات أمنية غالبا ما يكون هو نفسه غير مقتنع بمحتواها، ناهيك عن أنه يتوجب عليه أن يقنع الناس بها.
ولأن الحياد الإعلامي الايجابي وعرض الحقيقة في مصر الآن جريمة بكل معنى الكلمة يتم تصنيف مرتكبها بأنه خائن للوطن وممول من الخارج، فقد توجب على على هذا الصحفي في البداية أن يلتزم الصمت تماما ولا يتعاطى السياسة حتى في بيته، ليس خوفا من الاعتقال والحبس الطويل بقضايا جنائية ملفقة فحسب، بل خوفا من أن يموت هو ومن يعول جوعا بسبب عدم وجود مكان يقبل به للعمل فيه حتى لو لأعمال إدارية، لأن صاحب العمل يخشى أنه بتوفير فرصة عمل له يجلب المشكلات الأمنية لنفسه هذا إن كان هو صاحب القرار في أن يقبله في العمل أم لا، خاصة أن غالبية المؤسسات الصحفية والإعلامية مملوكة لشركات تابعة لجهات أمنية تعاقب الناس ليس على ما يكتبون بل على ما يضمرون من أفكار ومعتقدات.
كما أن حالة الصمت المطلوبة يجب ألا تقتصر على ممارسته الصحافة والإعلام وهو حقل عمل الصحفي، ولكن تمتد إلى الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي والأحاديث مع الرفاق والأصدقاء وفي الجلسات العامة والخاصة أيضا.
ولتقدير صعوبة الأمر لك أن تتخيل أن يتوقف الحداد عن الحدادة والنجار عن النجارة والمحامى عن المحاماة والطبيب عن الطب. فمن أين يكسب قوت يومه؟
ولعل الكثير من الصحفيين المصريين سيؤيدونني لو قلت إن كثيرا منهم لديهم الأن أزمة اجتماعية كبيرة جراء فقدان موارد رزقهم بسبب تمسكهم بحرية التعبير، ويتعرضون لضغوط أسرية قاسية تطالبهم بمسايرة موجه "التطبيل" للسلطة.
صراع نفسي
ولأن المعركة في الأساس تدور حول حرية الرأي والتعبير والفكر والاعتقاد، تطور الأمر فلم يعد الصمت يكفي لتوفير الأمان للصحفي المعارض للسلطة، فيدها تطاله بالعقاب بناء على ما كتب من قبل، بل يجب أن يجتاز تلك المرحلة إلى مرحلة أن ينضم لجوقة مرددي البيانات الأمنية ويقنع نفسه بما فشلوا هم في إقناع أنفسهم به.
والحقيقة أنه من الشائع الآن بين الصحفيين المصريين معاناتهم أمراضا تشبه انفصام الشخصية، يكتبون عكس ما يعتقدون تماما، ويرددون بانكسار بالغ كأي عامل "تراحيل"- مع وافر الاحترام - ذلك بأنه حفاظا على لقمة العيش في بلد يعاني الناس فيه أزمة اقتصادية متفاقمة، ولذلك يكون المحظوظ منهم هو من يعمل في مجالات بعيدة عن الحقل السياسي كالرياضة والفنون والأسرة والطفل وغيرها، بل إن الصحفيين يتنافسون عليها من أجل تخفيف حدة الصراع النفسي الداخلي، رغم أن الإعلام الدعائي لم يتوانى عن إدخال الدعاية السياسة في تلك المجالات حتى في الطبيخ. 
الكتابة الجادة
ولم يعد خافيا على أحد أن الكتابة الجادة الأمينة في مصر الآن هي بمثابة نقش على البارود، والكاتب الجاد هو ذلك الراقص على حقل من الألغام وسيكون محظوظا جدا أن رقص بحرية لمدة ساعة واحدة ولم ينفجر فيه اللغم ويقضي على حياته أو يبقيه قعيدا ما تبقي من عمره.
ومأزق الصحفي والكاتب المحترف عامة أن سمعته تتلخص في حياديته، وتجود بقدر صلابته وثباته على مبادئه وابتعاده عن السلطة، وحينما يتنازل عن تلك الصفات تحت أي ضغط يفقد كل احترامه لنفسه قبل أن يفقد احترام قرائه كما انه يصعب عليه عادة أن يتكيف مع أفكار ورؤى السلطة لا سيما لو كانت فاشية.
لقد كان سجل مصر في الحريات الصحفية والفكرية دائما مأزوما، إلا أنه الآن تجاوز تلك التوصيفات تماما، لأنه أمسى سجلا مجرًما يستبيح دم وعرض ومال من يشذ عن المقرر الرسمي، فتواري الإعلامي وحل محله الإعلاني.
ورغم أن الإعلام في الدنيا برمتها إلا ما ندر يتجه إلى الحرية المطلقة فإن المهنة لدينا أصبحت مرشحة للزوال بسبب هيمنة الرقيب عليها وقيامه بدور الناشر والكاتب والإعلامي والصحفي والمفكر الوحيد الذي ينبغي على الجميع أن يردد صدى صوته.
إن استمرت الحال على ما هي عليه في مصر فمهنة الصحفي مرشحة للزوال، ليحل محلها نافخ الكير وحامل الأسفار.
فليس مهمة المخبر الصحفي ذاتها مهمة مخبر الشرطة.

اقرأ المقال كاملا هنـــــــــــا

22 مارس 2018

محمد سيف الدولة يكتب: خرائط الغضب فى مصر

تناولنا فى مقال سابق بعنوان "انتخابات بالاكراه"، حزمة السياسات التى أدت الى تأميم الحياة السياسية والانفراد بالسلطة الى ما شاء الله، واليوم سنتناول جانباً آخر من المشهد: سنلجأ فيه الى ابسط قواعد المنطق والتحليل الموضوعى، لعمل حصر بالمتضررين من حكم السيد عبد الفتاح السيسى والرافضين، لأسباب وطنية أو طبقية واقتصادية أو دستورية أو حقوقية، للكثير من سياساته وقراراته على امتداد السنوات الأربع الماضية، والذين يشكلون معا ما يمكن ان نطلق عليه خرائط الغضب فى مصر:
1) عشرات الملايين من الفقراء الذين ازدادوا فقرا بعد قراراته الاقتصادية بتنفيذ تعليمات وروشتات صندوق النقد الدولى بتعويم الجنيه وتخفيض قيمته الى أكثر من النصف مع الغاء الدعم ورفع الاسعار.
2) ومعهم بالطبع عشرات الملايين الأخرى من الطبقات المتوسطة الذين تدهورت مستويات معيشتهم وانكمشت مدخراتهم لأكثر من النصف تقريبا لذات الاسباب، وانتقل العديد منهم الى مرتبة الفقراء.
3) غالبية الملايين الذين شاركوا فى ثورة يناير، ثم رأوا السيسى ونظامه يعاديها ويجهضها ويقضى على مكتسباتها ويصادر حرياتها ويطارد كل من شارك فيها ويكمم أفواههم.
4) غالبية الملايين الذين ذاقوا طعم الحرية والانتخابات الحقيقية النزيهة لأول مرة فى حياتهم، ووقفوا بالساعات فى طوابير الاقتراع بعد ثورة يناير، ثم شاهدوا ما آلت اليه الأمور اليوم، من العودة الى عصور الـ 99 %.
5) كل المؤمنين بالحق فى التظاهر بعد أن تم حظره وتجريمه. وكذلك غالبية الملايين الذين افترشوا ميدان التحرير وباقى شوارع وميادين مصر، بعد أن أُغلقت امامهم وحرمت عليهم.
6) ملايين المصريين الوطنيين الذين رفضوا التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير المصريتين لمملكة آل سعود، والسير فى ركابها.
7) كل من يرفض اخلاء الحدود الدولية وشمال سيناء وتهجير سكانها، لإقامه المنطقة العازلة التى كانت اسرائيل تطلبها منذ سنوات طويلة وكان مبارك يرفضها، وعلى رأسهم بالطبع أهالي شمال سيناء الذين تم تهجيرهم من مساكنهم لاقامة هذه المنطقة.
8) كل من يحرص على احترام الدستور والقانون وعلى قيم العدل والفصل بين السلطات، والرقابة القضائية والبرلمانية على السلطة التنفيذية، الذين تأذوا بشدة مما يروه من انتهاك يومى لمواد الدستور وتجميد لأحكامه ونصوصه، وما يشاهدوه من الضرب عرض الحائط بأحكام المحكمة الادارية العليا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.
9) كل الذين كانوا يحلمون ببرلمان حقيقى يعبر عن جموع المصريين ويحمى مصالحهم ويحافظ على حرياتهم وحقوقهم فى مواجهة تغول السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية.
10) وكذلك كل الرافضين لهيمنته على السلطة القضائية وتسييس احكام القضاء وأحكام الادانة والاعدام بالجملة والحبس الاحتياطى الى ما شاء الله بالمخالفة لأحكام القانون. وعلى رأسهم غالبية القضاة، الذين يتألمون فى صمت من تدخل السلطة التنفيذية فى شئونهم والضغط عليهم وتجريدهم من حقهم فى اختيار رؤساء هيئاتهم ليتم تعيينهم بقرارات يصدرها رئيس الجمهورية.
11) ملايين من طلبة الجامعات الذين حُرم عليهم العمل السياسى، لتعود الجامعة لتكون سجنا كبيرا تحت ادارة ورقابة وهيمنة الاجهزة الامنية، ومعهم ألاف الاساتذة والعاملين فى هيئات التدريس الذين إُنتزع منهم حقهم فى انتخاب عمداء كلياتهم ورؤساء جامعاتهم التى عادت مرة أخرى لتكون بالتعيين.
12) كل الاقتصاديين الوطنيين الذين يرفضون اغراق مصر فى الماكينات الجهنمية للقروض والديون الخارجية وفوائدها، مما يفقد مصر ما تبقى من استقلالها ويثقل كاهل الاجيال الحالية والقادمة بأعباء لا قبل لهم بها.
13) وكذلك كل رجال الاعمال الذين يعانون من اقتحامه لقطاعات الانتاج والأعمال ومنافستهم فى ارزاقهم ومجال أنشطتهم والاستحواذ والاحتكار والسيطرة على الاسواق المصرية، لأهداف ربحية رأسمالية بحتة وليس من منظور الاشراف والتنظيم والحراسة وفقا لدور الدولة فى النموذج الرأسمالي، أو حتى من منظور الادارة والتخطيط وفقا لنموذج التنمية الاشتراكي. 
14) كل المفكرين والشخصيات العامة المستقلة التى نأت بنفسها طول عمرها عن مهادنة اى سلطة ونفاق أى رئيس، الذين يشاهدون اليوم اعادة الانتاج الفجة لأنظمة الفرعون والزعيم الأوحد.
15) كل المثقفين الذين يتأذون بعد كل خطاب او كلمة يلقيها، من مستوى الافكار وتهافت المنطق وضعف اللغة وفقر المفردات وكارثية الارتجالات.
16) كل من يعلم قيمة مصر وقدرها، الذين تأذت كرامتهم الوطنية بشدة حين سمعوا الكلمات المهينة لمكانة مصر فى تصريحاته مع الرئيس الامريكى او الرئيس الفرنسى. وكل من شاهد صورته وهو يقف مع الواقفين خلف الرئيس الامريكى الجالس وحده، وكأنه واحدا من حاشية البيت الابيض.
17) كل من يدرك مكانة مصر وريادتها العربية، حين شاهد فضيحة سحب بعثتها الدبلوماسية لقرار ادانة المستوطنات الاسرائيلية من مجلس الامن بناء على تعليمات السيسى بعد مكالمة تليفونية مع ترامب. وكذلك كل الذين امتعضوا من خطابه الأخير فى الأمم المتحدة، حين أشاد بنتنياهو بأنه رجل سلام، بينما شوه الفلسطينيين وطالبهم بإثبات مصداقيتهم فى الرغبة فى السلام وكأنهم هم الجناة وليسوا الضحايا. وكذلك كل من يكره اسرائيل ويحب فلسطين، ويرفض التنسيق والتحالف المصرى الاسرائيلى ويرفض لقاءاته السرية مع نتنياهو. وكذلك كل الذين شاركوا فى اغلاق مقر السفارة الاسرائيلية فى 9/9/2011، بعد أن رأوا السيسى يعيد فتحها فى ذات يوم اغلاقها فى 9/9/2015، فى مكايدة مصرية رسمية مع اسرائيل ضد ثورة مصر وشبابها.
18) كل الغاضبين من قرار ترامب بأن القدس عاصمة لاسرائيل، الذين يشكون فى وجود تواطؤ رسمى مصرى سعودى خليجى مع الادارة الامريكية لتمرير هذا القرار وامتصاص وتصفية الغضب الشعبى العربى فى مواجهته.
19) كل المؤمنين بقيم المساواة والتواضع وهم يشاهدونه يتفاخر بنفسه وبعبقريته وبفلسفته وتميزه عن باقى خلق الله، وكذلك كل المحبين للصدق والصادقين، حين يسمعونه يعيد ويكرر ادعاءات لا تمت للحقيقة بصلة.
20) وعلى المستوى السياسى، غالبية عناصر التيار الليبرالى وكل الأحرار المؤمنين والمدافعين عن حقوق الانسان وحرياته بعد ان شاهدوا العدوان اليومى عليها.
21) غالبية عناصر التيار الاشتراكى وكل المدافعين عن حقوق الفقراء والمطالبين بالعدالة الاجتماعية بعد ان شاهدوا الاستسلام الكامل لشروط الرأسمالية العالمية وممثليها من صندوق النقد والبنك الدوليين وتنفيذ اجندتهم الاقتصادية المدمرة فى مصر، كما شاهدوا الانحياز المطلق الى الطبقات الاكثر غنى فى مصر من خلال الاستثمار فى مشروعات مثل العاصمة الجديدة.
22) غالبية عناصر التيار القومى وكل الوطنيين بعد ان شاهدوا عمق العلاقات بينه وبين اسرائيل ونتنياهو ومشاركته فى حصار غزة ومباركته لصفقة القرن التى تسعى لتصفية القضية الفلسطينية ومبايعته على بياض للرئيس الامريكى العنصرى دونالد ترامب.
23) غالبية عناصر التيار الاسلامى الذين يشاهدون محاولاته الحثيثة لاجتثاثهم من الحياة السياسية تماما، بالحظر والاعتقال واحكام المؤبد والاعدام بالجملة.
24) غالبية جبهة 30 يونيو من القوى والشخصيات التى شاركت فى ثورة يناير، بعد أن غدر بهم، وقام بإقصائهم وحصارهم وتشويهم ومطاردة واعتقال شبابهم.
25) مئات الآلاف من عائلات وأصدقاء وزملاء وجيران المعتقلين وضحايا قمع المظاهرات التى بلغت اعدادهم عشرات الآلاف.
26) كل الكارهين لأعمال البلطجة والدولة البوليسية، حين يشاهدون هجمات البلطجية و"المواطنين الشرفاء" والاعتداءات الاجرامية على شباب الثورة ورموزها كما حدث لشيماء الصباغ وهشام جنينية وغيرهم الكثير.
27) كل المفكرين والمتخصصين والوطنيين والخبراء الحقيقيين، حين يتم حظرهم من الكتابة الصحفية والظهور الاعلامى ومخاطبة الراي العام المصرى وتنويره، لحساب حزمة من أردأ وأجهل العناصر الاعلامية الأمنية. وكذلك كل الذين يحترمون عقولهم، حين يرون مدى التدنى والابتذال قى الخطاب الاعلامى والسياسى الموحد والموجه للدولة.
28) كل الرافضين لتوظيف مؤسسات الدولة الدينية وقياداتها فى الازهر ووزارة الأوقاف ودار الافتاء وفى الكنيسة للترويج للسيسى ونظامه.
29) كل الكارهين للإرهاب والإرهابيين، الذين يرون كيف يصنع السيسى بسياساته واستبداده وإجراءاته القمعية حاضنة شعبية للإرهاب.
30) كل الرافضين للعنصرية الغربية التى تعادى الاسلام والمسلمين حين يرونه يردد مقولاتهم العنصرية ويتبنى خطابهم ويتهم 1.7 مليار مسلم بالارهاب علنا فى أحد خطبه بمناسبة المولد النبوى الشريف، ويُلحق مصر بالأحلاف الامريكية الاستعمارية الجديدة تحت ذريعة مكافحة الارهاب.
***
اذا كان ذلك كذلك، فمن اذن كل هؤلاء القوم الذين نشاهدهم كل يوم فى البرلمان وفى الصحف والفضائيات، وفى مؤتمراته التى لا تنتهى، ومن اين جاءت كل هذه التفويضات التى تقدر بعشرات الالاف؟
انهم ببساطة كبار رجال الدولة والعاملون بها وقيادات الاجهزة الامنية وعناصرها ومخبريها وشبكات المصالح المرتبطة بهم، بالإضافة بالطبع الى كل الموظفين الخائفين من اغضاب السلطة أو السائرين فى ركابها طمعا فى عطية او اتقاء لشرها.
هؤلاء موجودون فى كل عصر وفى كل نظام، يدينون بالولاء لكل من يعتلي الكرسى، فان ذهب، غيروا ولاءهم للوافد الجديد فورا، وتسابقوا وتصارعوا على الفوز برضاه وعطاياه.
هؤلاء ليسوا الا قلة قليلة لا تجد لها أثر حين تنتفض الشعوب وتثور، حينها يهرولون الى الجحور، أتتذكرون الحزب الوطنى الديمقراطى.
*****
القاهرة فى 22 مارس 2018

15 مارس 2018

سيد أمين يكتب: صُنّاع الانقسام

من المعلوم أن أجواءً سلبية من التشكيك والتخوين سادت -ولا تزال- بين قوى ثورة يناير/كانون الثاني المصرية، وأوصلت المصريين إلى الجحيم الذي يعيشون فيه، وصار نجاح تلك الثورة مرهوناً بزوال هذه الأجواء التي وصلت أقصى مداها بعد الانقلاب العسكري؛ حيث اتسع رتق الانقسام بفعل التداخل المؤثر الذي أحدثته الثورة المضادة في الثورة، ووقفت فوق ميادينها وبنفس شخوصها للأسف.
وراح كل فصيل يُلقي بالمسؤولية على الآخر مستخدماً منطلقاته الدعائية الخاصة، وإن طال التيار الإسلامي واقعياً القسط الأكبر من دعايتها السوداء -خاصة أن وسائل إعلام السلطة ورجال أعمالها هي من كانت تؤدي تلك الوظيفة- وارتبطت به على سبيل المثال تهمة الانتهازية التي أوجزتها عبارة "باعونا في محمد محمود"، وهي التي تحولت إلى مزحة مبتذلة من فرط استخدامها من قِبل كل شارد ووارد، يبرر صمته، وخوفه، ونضوب إنسانيته، أمام الجرائم التي ارتكبت بحق هذا التيار الذي لا يعرف لطريق المكايدة السياسية التي تشيع في مثل هذه الأجواء سبيلاً.
وهى التهمة التي صارت أيضاً تعبّر عن مظلومية الإخوان وليس ظلمهم، خاصة مع حالة القمع الوحشي التي يتعرضون لها، وصمت الآخرين المطبق، وأحياناً تأييدهم لهذا القمع، بل وإيعازهم به.
ولعلنا لا نجافي الحقيقة أو نمسي من "مطيبي الخواطر" إن قُلنا إن كل قوى الثورة شاركت في تأجيج الانقسام المجتمعي بشكل أو بآخر، بقصد أحياناً أو بسوء قصد غالباً، ورغم ذلك نجزم أن تلك القوى لم تكن هي من خلقت الانقسام، وذلك لسبب منطقي وهو أنه كان موجوداً أصلاً في المجتمع قبل نشأة تلك القوى، بل وفي أكثر فترات التاريخ الحديث انسجاماً.

الانقسام والتنوع

وقبل الخوض في تاريخ الانقسام، يجب الإشارة إلى أن ثمة فارقاً كبيراً بين الانقسام والتنوع، فالتنوع هو عامل "تكامل" مهم من عوامل النجاح الاجتماعي والاقتصادي للدول، ويؤتي ثماره متى توافرت الإدارة الديمقراطية الحكيمة التي تساوي بين حقوق الناس، وتحترم اختلافهم الفكري والعِرقي والمذهبي والديني، ولنا في الهند مثل واضح.
أما لو كانت الإدارة استبدادية، لم تصعد الحكم بطريق ديمقراطي، فإنها تتمسك بقوة بسياسة تحويل هذا التنوع إلى انقسام، بما يضمن لها ولاءً مطلقاً من قِبَل فصيل ما من الفصائل، تحتمي به متى ضاقت عليها الدوائر، وتضحي به متى لزمت التنازلات، وتبرهن عليه إعلامياً، وتحتفظ باستمرار ولائه عبر سياسة إطلاق الفزاعات، ونشر أجواء الخوف والتشكيك، وإقامة سواتر الدخان التي تحجب الرؤية الكاملة عن الجميع، ما يمكنها من ملء الفراغات بنفسها بما يجافي الحقيقة، ولنا في المشهد المصري مثال واضح.

انقسام طائفي

لعله من البديهي والمعلوم أن تكون "فرّق تسُد" هي السياسة المعتمدة لقوى الاستعمار لأسباب كلنا يعرفها، ولذلك سعى البريطانيون إلى إحداث تلك الفرقة بين المسلمين والمسيحيين، والتي بدأت باختيار الخديو، بإيعاز من الإنكليز، لبطرس باشا نيروز غالي -جد عائلة بطرس غالي الحالية- ليكون رئيساً للوزراء عام 1908، وكان ذلك أمراً مستحدثاً على الناس آنذاك أن يتولى حكمهم مسيحي، بينما هم يتبعون وجدانياً دولة الخلافة العثمانية، ولكن لأن ذلك لا يمنعه الإسلام فقبلوه.
لكن ما رفضوه هو أن "بطرس غالي باشا" راح بإملاء من الإنكليز يعين قِساً اسكتلنديا يسمى "دانلوب" وزيراً للتعليم "المعارف"، فأصدر قانونا سمّوه باسمه يحارب اللغة العربية، والأزهر، وعلوم الدين تحديداً، ويسعى لتغريب التعليم عبر جعله بالإنكليزية، وقصره على طبقة "الأفندية" وما فوقهم، وهم الذين يمكن الاستعانة بهم لإدارة المستعمرة الإنكليزية.
وكان رأي دانلوب الصريح أنه "متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يندرج في سبيل الحضارة".
المهم أن المصريين قتلوا بطرس غالي في 1910، وأسقطوا "دانلوب" وقانونه، ولكن بقي الانقسام مستعراً حتى ثورة 1919 التي قامت في الأساس لجبره والتئامه، وينبغي الإشارة إلى أن قانون تعليم "دانلوب" هو ذاته ما يطبق في مصر الآن.

الانقسام السياسي

جددت اتفاقية "كامب ديفيد" عام 1979 الانقسام مجدداً في المجتمع المصري وعمقته على كافة الأصعدة، بين المسلمين والمسيحيين مجدداً؛ حيث أيّد كثير من المسيحيين -غير الرسميين- الاتفاقية ليس حباً فيها فحسب، ولكن أيضاً نكايةً في التيار الإسلامي الذي رفضها بقوة، وأيضاً رغبة في تبريد خلافتهم المستعرة مع الرئيس بسبب أحداث الزاوية الحمراء، بينما كان غالبية المسلمين يرفضونها.
وبين الفقراء والأغنياء؛ حيث أدت سياسة الانفتاح الاقتصادي، وهي أحد تداعيات تفاهمات "كامب ديفيد" إلى إحداث خلخلة كبيرة وإعادة تسكين لطبقات المجتمع.
وطال الانقسام الذي خلفته "الاتفاقية المشؤومة" كل الحيز الثقافي والسياسي والاجتماعي والديني في مصر، وقسمت الناس بين مطبّعين وغير مطبّعين، وما زال تأثيرها التخريبي في المجتمع فعالاً، ويحاول "السيسي" حسمه لصالح "التطبيع"، وأعتقد أنه سيفشل.

انقسام جغرافي

وجّهت إلى نظام مبارك اتهامات واضحة بأنه قسم الناس على أساس جغرافي ومناطقي، وأن مبلغ عنايته كانت بالدلتا دون سواها، فيما أهمل الصعيد وسيناء والوادي، وهو نفسه اعترف بذلك في أواخر عهده.
نظام مبارك فتح الباب لأبناء محافظات الدلتا لا سيما "المنوفية" للترقّي في دواوين الدولة، فكان منهم معظم رجالات الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، وبالطبع اختار منهم أيضاً معظم قيادات الحكم، الوزراء، والمحافظين، ورؤساء المدن وغيرهم.
وخلق ذلك التمييز شعوراً بالغبن لدى أبناء الصعيد، خاصة حينما أذكته الدراما والإعلام وبررته.
وكان موقف نظام مبارك من القضية "العراقية" مثار انقسام جديد واضح وعميق في المجتمع المصري.
ومن الانقسام الجغرافي أيضاً، ما حدث في عهد المجلس العسكري بعد مذبحة استاد بورسعيد الشهيرة؛ حيث راح الإعلام الرسمي يذكي ويساند الهجوم على أهل بورسعيد.

الانقسام الأيديولوجي

الانقسام الفكري موجود على الدوام كـ"تنوع"، لكن أن تدعم الدولة فكراً دون فكر فهذا هو ما يخلق الانقسام.
فقد حرض السادات على "الاشتراكيين" و"الشيوعيين" و"الناصريين" في بادئ الأمر حتى طال تحريضه كل القوى الفكرية بما فيها حلفاؤه القدامى "الإسلاميون".
وحرض مبارك على فصيل من "الإسلاميين" في تسعينيات القرن الماضي وارتكب به مجازر، إلا أن الجديد في نظام السيسي أنه قد حارب فكراً، بل ديناً بأكمله في صورة تحريض على فصيل "إسلامي".
أخطأ ثوار يناير حينما انساقوا وراء خدعة تقسيم المجتمع إلى فلول وثوار، وهي خدعة أريد بها إيهامهم بنجاح ثورتهم من جانب، والتكريس للانقسام الذي يمكن رده في مشهد قادم إليهم فيجعلهم شيعاً وطوائف وهو ما حدث بالفعل.
صنع العسكر كل ما من شأنه تعزيز الانقسام، بدءاً من التعديلات الدستورية التي ثبت أن الهدف من ورائها كان فقط صناعة الانقسام، والتهويل من نتائجه، ثم حولوا الانتخابات البرلمانية إلى انقسام جديد، وكذلك تمت صناعة انقسام حول لجنة إعداد الدستور، وتوالت مهمة صناعة الانقسام حول كل قرار يتخذه الرئيس مهما قلّ تأثيره، وتم تعزيز ذلك بصناعة مشهد "30 يونيو/حزيران"، ثم الانقلاب، ثم التفويض وهو إحدى أبرز مراحل صناعة الانقسام قساوة، ثم فض رابعة وما تلاها وسبقها من مجازر، حتى حظر الإخوان، وما تلا ذلك من تشويه وشيطنة وذبح، واعتبار ذلك من أعمال الوطنية.
بدأ السيسي خطوات صناعة الانقسام في مصر من خلال إثارة أجواء التشكيك من الآخر، وإطلاق الشائعات، والتحذير من المخاطر، وكشف التحالفات السرية الكاذبة، تدعمه في ذلك ماكينة دعائية جبارة جرى تدشينها على عجالة، انطلقت من ميدان الثورة لصناعة الالتباس، وإحكام الشَّرَك حول الثوار.

حرف المفاهيم

وكان حرف المفاهيم عن طبيعتها واحدة من أدوات تلك الصناعة، فالصراع الحزبي الطبيعي على كسب الشارع يسمونه "استحواذاً"، وإذا أحرق أناس مقراً للإخوان فإنه عمل ثوري، ولكن إذا اقترب "إخواني" من سور حزب الوفد مثلاً بسوء فهو عمل "إرهابي".
وإذا وصفت إخوانياً بأنه "خروف" فهذا حق في التعبير يجب أن يصان، وإذا وصف إخواني أحد معارضيه بأنه مأجور أو بلطجي فهو يتجنى عليه، وبذلك يخرج عن القانون، ثم اتسع رتق التفريق رسمياً وإعلامياً إلى حق الحياة نفسها؛ ليتم تعظيم حق الحياة لمن يؤيد نظام الانقلاب بينما تتم الاستهانة به عند من يعارضه.
ورغم أنه من حق الحزب الفائز بالانتخابات تشكيل الحكومة وشغل كافة المناصب الإدارية للبلد، فإنه كان يتم رمي محاولة حزب الحرية والعدالة أن يمارس حقه الطبيعي في الحكم تنفيذاً لنتائج الانتخابات بتهمة "الأخونة".

08 مارس 2018

حمل كتاب شمعون بيريس "الشرق الأوسط الجديد"


ترجمة محمد حلمي عبد الحافظ
كثيرون الذين سينخدعون وللوهلة الأولى بموضوعية بيريز ومنطقه وهو يتحدث في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" عن فشل الحروب وأهمية السلام، غير أنه سرعان ما يكشف القارئ الواعي أن هذا السياسي الإسرائيلي المخضرم إنما يدس السم بالعسل وأن دعوته الظاهرية للسلام لا تخفي الإستراتيجية التوسعية التي التزم بها قادة إسرائيل والحركة الصهيونية حتى من قبل قيام دولتهم على أرض فلسطين، وهي استراتيجية تعبر عن قناعة راسخة موجودة في عقول قادة حزبي العمل والليكود في نفس الوقت، قناعة تقوم على ضرورة استمرار-الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة وإن اختلفت الوسيلة، وتغيرت من دبابة إلى بضاعة متقنة الإنتاج. غير أن الكتاب لا يخلو في الوقت ذاته من اعترافات أجبر بيريز على تدوينها ليس أقلها أن الحروب التي خاضتها إسرائيل لم تستطع أن تضمن لها النصر النهائي أو حتى الأمن. كما ويعترف بيريز مكرها أن الانتفاضة كانت الذخيرة الحية والنضال الحاد الذي أكد فشل الأمر الواقع الذي صمم لغرض فرض نظرية الأمن الإسرائيلية. كتاب بيريز يجب أن يقرأ من زاوية عليها الحذر والتمعن وقراءة ما بين السطور. فالمؤلف عدو ماكر وخطير.
تنبع أهمية كتاب الشرق الأوسط الجديد من كون مؤلفه يعتبر مهندساً للسلام من ناحية وواحداً من أهم صانعي القرار السياسي في تاريخ إسرائيل، قدّم بيريز كتابه كأسلوب جديد في التفكير للوصول للأمن والإستقرار، والذي يتطلب من دول المنطقة ككل تحالفات سياسية ونظام أمني وترتيبات إقليمية مشتركة، ربما كمشروع بديل للجامعة العربية، وتحدث عن فشل الحروب وأهمية السلام، وبرر الحروب فقط لضمان الأمن والإستقرار، وليس للتحكم بالآخرين، وأنه يتوجب تحقيق السعادة والرخاء لكافة شعوب المنطقة، مما يفرض علينا سوق شرق أوسطي، ينتمي إلى مكان دون زمان أو تاريخ، في علاقة تعاقدية بين دول الشرق الأوسط فقط، وفي مواجهة مد الأصولية الدينية والارهاب والبطالة .
شمعون بيريز ولد في بولندا 1923، هاجرت عائلته إلى فلسطين عام 1934 أيام الإنتداب البريطاني وإستقرت في مدينة تل أبيب، إنضم إلى قيادة منظمة الهجاناه 1947، وكان مسئولاً عن شراء العتاد والموارد البشرية، عمل كدبلوماسي في وزارة الدّفاع الإسرائيلية، وتدرج حتى أصبح المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، ونجح في بناء المفاعل النووي الإسرائيلي مفاعل ديمونة، ونظم مع فرنسا العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وهو ضابط الموساد الإسرائيلي المكلف بتدريب الجاسوس المصري أحمد الهوان ما بين عامي 1967 و1977، حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1994 وإقتسم الجائزة مع كل من ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، كان رئيساً لحزب العمل، ثم إنتقل إلى حزب كاديما، تولى رئاسة وزراء إسرائيل على فترتين، الفترة الأولى من 1984 إلى 1986، والفترة الثانية من 1995 إلى 1996، ورئيس دولة إسرائيل من 2007 حتى الآن، وأهم كتبه الخطوة القادمة 1965 ، و الشرق الأوسط الجديد 1993 ، و معركة السلام 1995 .

07 مارس 2018

محمد سيف الدولة يكتب: التطبيع بين الثورة والثورة المضادة

Seif_eldawla@hotmail.com
الذين دأبوا على تشويه الثورة المصرية باتهامها كذبا بما يسمى "بالربيع العبرى"، آن الآوان لهم أن يبتلعوا ألسنتهم ويبحثوا لهم عن كذبة أخرى يشوهون بها ثورة يناير غير حكاية " العبرى" تلك.
فإن اى مقارنة او كشف حساب بسيط و منصف، سيكشف الى مدى كانت الثورة المصرية معادية لاسرائيل ومناهضة للتطبيع ومناصرة لفلسطين، وفى المقابل كيف جاءت الثورة المضادة معادية لفلسطين راعية للتطبيع متحالفة مع (اسرائيل).
·فمظاهرات الثورة المصرية هى التى اغلقت مقر السفارة "الاسرائيلية" فى مصر لأول مرة منذ 32 عاما، غضبا من قيام قوات الاحتلال بقتل عسكريين مصريين على الحدود فى اغسطس 2011.
بينما كان عبد الفتاح السيسى هو الذى قام بفتح مقر جديد للسفارة بعد اربع سنوات وفى ذات اليوم الذى اغلقت فيه فى 9/9/2015 فى مكايدة مصرية رسمية اسرائيلية مشتركة للثورة وشبابها.
***
·والثورة المصرية هى التى ارغمت (اسرائيل) على ايقاف اعتداءاتها على غزة مرتين، الاولى فى ابريل 2011 والثانية فى نوفمبر 2012. بعد أن كانت تعربد وتقتل مئات من الفلسطنيين بلا عقاب أو حساب مثلما حدث فى عدوانها على غزة 2008/2009 الذى اسقط 1500 شهيد، ثم عدوانها فى صيف 2014 الذى اسقط 2000 شهيد .
***
·والثورة المصرية هى التى كسرت الحصار على قطاع غزة، وفتحت معبر رفح الذى شاهد زيارة آلاف المصريين الى فلسطين لاول مرة فى حياتهم .
بينما مبارك قبل الثورة والسيسى بعدها هما اللذان أحكما الحصار على القطاع وأغلقا المعبر، بل و زاد الأخير بقيامه  بتدمير الانفاق التى رفض مبارك نفسه تدميرها.
***
·والثورة المصرية هى التى انهت وأبطلت عقود وصفقات تصدير الغاز المصرى لاسرائيل، بل وقدمت مبارك للمحاكمة بسببها، اما الثورة المضادة فهى التى وقعت صفقة جديدة لاستيراد الغاز الاسرائيلى.
***
·والثورة المصرية هى التى تصدت لرفض قرض صندوق النقد الدولى، الذى اعلن حينها انه لن يوافق على القرض الا بعد ان يتأكد من القبول الشعبى له، بينما مصر السيسى هى التى اخذت القرض مقابل الخضوع لشروط وتعليمات وروشتات الصندوق وما ترتب عليها من نتائج كارثية لجموع المصريين.
***
·كما أنه بعد اجهاض الثورة، بدأ الحديث عن صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية ودمج اسرائيل فى المنطقة وتأسيس تحالفات عربية اسرائيلية برعاية امريكية ضد ايران، وتفاخر نتنياهو فى كل مناسبة بان الدول العربية اصبحت تنظر لاسرائيل كحليف وليس كعدو، وتجرأت أمريكا لأول مرة على اعلان القدس عاصمة لاسرائيل الذى لو كان قد صدر فى سنوات الثورة المصرية لإنفجر الشارع المصرى فى وجه كل ما هو امريكى.
***
· وفى ظل الثورة المضادة دنس نتنياهو التراب المصرى سرا، وقابله السيسى سرا ايضا فى العقبة بالاردن، وبدأ الترويج لأحاديث السلام الدافئ والسلام الرائع والسلام المستقر فى وجدان المصريين، وتم اخلاء المناطق الحدودية من السكان لإقامة المنطقة العازلة التى كانت تطلبها (اسرائيل) منذ سنوات طويلة وكان مبارك يرفضها على الدوام.
***
·وفى ظل الثورة المصرية تعالت الاصوات التى تطالب بتحرير مصر من القيود المفروضة عليها فى سيناء بموجب الترتيبات الامنية فى اتفاقيات كامب ديفيد، بينما فى ظل الثورة المضادة تعمق التنسيق الامنى المصرى الاسرائيلى الى درجة غير مسبوقة، بل وتم تكبيل مصر بقيد جديد سيزيد من التحديات والمخاطر التى تهدد الامن القومى المصرى، بعد التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير الاستراتيجتين للسعودية فى اطار الرعاية المصرية لعملية تطبيع سعودى اسرائيلى من بوابة الترتيبات الامنية المنصوص عليها فى المعاهدة المصرية الاسرائيلية.
***
· لقد كانت الحقوق والحريات الواسعة التى انتزعها الشعب المصرى فى ثورة يناير حائط صد منيع ضد اى اتفاقيات او صفقات او تنازلات تدور فى الكواليس، فلقد كان كل الامور تدور على الهواء رغم انف الجميع.
· وكان الحق فى التظاهر الذى انتزعته الثورة بدماء شهدائها قادرا على ارغام اى حكومة او اى سلطة او اى رئيس ان يفكر الف مرة قبل ان يتخذ قرارا يمس المصالح او الثوابت الوطنية.
***
· كان الشارع رقما مهما فى صناعة القرار المصرى، او كما صرح واشتكى القادة الصهاينة اكثر من مرة من ان اسرائيل قد اعتادت التعامل مع قصور الحكم العربية، ولكنها عاجزة عن التعامل و التواصل مع الشارع العربى.
· وفى ظل الثورة، اعلنت القيادات والكتاب ومراكز الابحاث الصهيونية عدة مرات عن خوفها الشديد من تغير الميزان الاستراتيجى ضدها، وقدمت عشرات النداءات والشكاوى "المنشورة والموثقة" للادارة الامريكية حول خطورة ما يجرى فى مصر على وجودها وامنها، اما اليوم فان نتنياهو يتفاخر فى كل مكان بأن  الدول العربية الكبرى اصبحت تنظر لاسرائيل كحليف وليس كعدو.
***
 وفى ظل الثورة المصرية بسقف حرياتها اللامتناهى انطلقت مئات الحملات الاعلامية والسياسية لتوعية الراى العام بحقيقة الكيان الصهيونى وبقيود اتفاقيات كامب ديفيد وتنازلاتها ومخاطرها، لتعيد الاعتبار للخطاب الوطنى الاصلى لمصر العربية ولثوابتها الوطنية، وتشكلت مئات اللجان والجمعيات المناصرة لفلسطين، وعقدت آلاف الفاعليات والمؤتمرات والندوات لنصرة القضية، اشهرها مليونية فلسطين التى تم تنظيمها فى ميدان التحرير فى منتصف شهر مايو من عام 2011. بينما اليوم عجزت كافة القوى الوطنية وأحزاب المعارضة عن حجز قاعة فى اى نقابة أو جهة عامة  لتنظيم ولو ندوة واحدة يتيمة لرفض القرار الأمريكى بنقل السفارة الى القدس المحتلة.
فعن أى ربيع عبرى تتحدثون !؟
*****
القاهرة فى 7 مارس 2018