30 أكتوبر 2022

سيد أمين يكتب: هؤلاء سبقوا شامبليون في فك رموز الهيروغليفية؟

“التاريخ يكتبه المنتصرون”، صدق رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل حينما قالها، ولعله حينئذ كان يعرف حجم التزوير والعبث الذي مارسه هو وأمثاله المنتصرون في هذا التاريخ، وكيف أنهم نجحوا في تحويل أكاذيب بينة إلى حقائق راسخة لا تشوبها شائبة، حتى صدقها المهزوم نفسه من فرط تكرارها.

هناك أكذوبة شهيرة من هذا النوع، ترسخت في الأذهان حتى استحال تكذيبها، رغم وجود العديد من الأدلة التي تدعم ذلك. إنها تتعلق بمن استطاع فكّ رموز اللغة الهيروغليفلية.

حجر رشيد

فقد اقترن اسم حجر رشيد وفك الرموز التي كانت محفورة عليه بجهود العالم الفرنسي جان فرنسوا شامبليون عام 1822م، وهو الإنجاز الذي مهد الطريق للتعرف جليا على اللغة الهيروغليفية وحروفها، وهي معلومة لا تزال تدرس للنشء حتى الآن في المناهج المدرسية المصرية، رغم أن العديد من العلماء المسلمين خاصة الكيميائيين منهم أمثال جابر بن حيان وذي النون المصري وابن وحشية النبطي وغيرهم كانوا قد سبقوا العالم الفرنسي إلى فك رموز تلك اللغة بأكثر من 800 سنة، وجاء محور اهتمامهم بها لاعتقادهم أنها تحوي معلومات مهمة عن الكيمياء.

وترك هؤلاء الكثير من المخطوطات والكتب منها كتاب “شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام”، وهو الكتاب الذي حققه الباحث جمال جمعة، وتُرجم إلى عدة لغات، وهو متاح للقراءة والاقتناء عبر المنصات الرقمية، حيث تناول فيه أبو بكر بن وحشية النبطي الكيميائي واللغوي العراقي الذائع الصيت في القرن العاشر الميلادي 89 لغة بالشرح والتفصيل وجاءت من ضمنها اللغة الهيروغليفية.

وكان مستشرق نمساوي يدعى جوزيف هامر قد قام بترجمة هذا الكتاب عام 1806م تحت عنوان “الأبجدية القديمة والشخصيات الهيروغليفية”، ونشره في لندن قبل إعلان شامبليون اكتشافه بعام.

كما سبقه الكيميائي جابر بن حيان في القرن السابع الميلادي، بنشره الكثير من معاني رموز وحروف تلك اللغة ضمن كتابه “الحاصل في علم الميزان”، ثم كتاب عبد السلام المقدسي “حل الرموز ومفاتيح الكنوز” في القرن السادس الهجري، وكذلك تأكيد “أيوب بن مسلمة” المقرب من الخليفة المأمون في مخطوطة له، أنه تمكن من قراءة النقوش المصرية القديمة.

وقد تلاه “ثوبان بن إبراهيم” أو “ذو النون المصري”، وهو عالم مصري من مركز اخميم بمحافظة سوهاج كان علما بين علماء زمانه في الكيمياء واللغة خاصة الهيروغليفية، وله كتاب باسم “حل الرموز وبرء الأرقام في كشف أصول اللغات والأقلام” يكشف فيه تفاصيل دفائن تلك اللغة.

وضمّن الكيميائي العراقي أبو القاسم العراقي عام 1506م كتابه الأقاليم السبعة جدولًا لترجمات الحروف البرباوية (أي الهيروغلفية)، وكذلك ابن الدريهم في كتابه “مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز”، وابن إسحاق الكندي في كتابه “رسالة الكندي في استخراج المعمى”.

وجل هذه الكتب والمخطوطات محققة ويمكن الاطلاع عليها في المكتبات التاريخية العراقية والسورية، فضلا عن المكتبات الإلكترونية.

أسباب منطقية

ولا يقتصر الأمر على الوثائق والكتب، بل هناك أسباب أخرى أكثر منطقية تجعلنا نصدق أن العلماء العرب والمصريين كانوا أسبق في حل طلاسم الهيروغليفية، منها أن العرب حينما فتحوا مصر كانت هذه اللغة لا تزال حية في الألسنة وإن شوهتها لغات الرومان واليونان وغيرهم ممن احتلوا مصر عدة قرون، لكنها لم تنقرض.

كما أن مصر لم تكن طوال العصور السحيقة بمعزل عن جيرانها العرب، فالتواصل بينهم كان مستمرا سواء لأغراض التجارة أو تحصيل العلوم أو حتى الحرب والاستعدادات العسكرية، وبالتالي فلابد من أنهم كانوا قد تبادلوا فهم اللغتين العربية والهيروغليفية وتحدثوا بها.

كما أن حقائق التاريخ تؤكد استقرار القبائل العربية الكنعانية في دلتا مصر مدة طويلة في العصور الفرعونية، ويعتقد بعض المؤرخين أن مصطلح الهكسوس هو في الأصل الاسم الذي أطلقه المصريون على الكنعانيين عندما حكموا مصر.

بل إن آثار تلك اللغة باقية إلى اليوم، فالطقوس والصلوات في الكنائس المصرية لا يزال بعضها حتى الآن يستخدم لغات قديمة كالهيروغليفية والسريانية والآرامية والرومانية، فضلا عن أن هناك مفردات هيروغليفية قليلة لا تزال متداولة في الشارع المصري، مثل كاني وماني، والسح الدح امبو، وغيرها.

والأهم أن إنكار ذلك سيعني حرفيا أنه لم يبق من سلالة الفراعنة أو المصريين القدماء الذين يطلق عليهم “الأقباط” أحد في مصر، لا مسلم ولا مسيحي، وأن سكان مصر هم مزيج من العرب والرومان واليونان والبطالمة والأحباش والنوبة وغيرهم إلا المصريين وهو في الواقع قول غير منطقي إطلاقًا.

فالمنطقي أن المصريين القدماء كانوا موجودين في المجتمع بعد الإسلام ودخل جلهم في الدين الجديد، وامتزجوا باللغة العربية وتناسلوا مع القبائل العربية فصاروا عربًا.

كل ذلك يعني أننا لم نكن بحاجة إطلاقًا إلى أن يعبر الفرنسي جاك شامليون البحار لكي يعلمنا حقيقة الحروف الهيروغليفية.

……

المؤسف أن حجر رشيد نفسه الذي تدور حوله كل تلك المعركة التاريخية، والذي تمر مئتا عام على فك رموزه هذه الأيام، استولت عليه بريطانيا وحبسته في المتحف البريطاني بلندن، ضمن مجموعة نادرة من الآثار المصرية، ولم تُبذَل أيّ جهود حقيقية لاستعادته.

زوّروا التاريخ وسرقوا الحجر.

لتخطي الحجب | https://ajm.me/1kzt0l
للمزيد| https://ajm.me/l41dkl

27 أكتوبر 2022

سيد أمين يكتب: القواسم المشتركة بين جيفارا والقرضاوي

 

يشاء الله أن تتوافق الذكرى الخامسة والخمسين لوفاة المناضل اليساري الأرجنتيني الكبير تشي جيفارا مع نفس الشهر الذي توفي فيه المفكر الاسلامي الكبير د.يوسف القرضاوي، ولم يمر هذا التوافق إلا ليكشف لنا معه تناقضا كبيرا في مواقف “النخب الرسمية” لا سيما في عالمنا العربي من الرجلين.

ونحن نقصد بمصطلح  “النخب الرسمية” تلك النخب التي تربت علي يد النظم الحاكمة، أو تلك التي سُمح لها بالنمو والترعرع لكونها تضطلع بأدوار معينة أو تحمل قناعات خاصة توافق هوى تلك النظم.

ومصدر التناقض هنا هو أنهم برروا، وعللوا، وبجلوا، واستماتوا دفاعا عن أقوال وأفعال قالها وقام بها شخص يتبعه رهط من الناس، أدت إلى إزهاق أرواح أناس أخرين، وتسببوا في انقلابات عسكرية مسلحة في أكثر من دولة لاتينية وأفريقية، بغض النظر عن خطأ ذلك من صوابيته..

في حين أنهم صبوا جام غضبهم على شخص آخر، وشيطنوه، ونكلوا بمحبيه، وأحرقوا كتبه التي لم يقرؤوها، – وهى الكتب التي لو استطاعوا قرأتها ما استوعبوها- رغم أنه لم يحمل السلاح، ولم يدع حتى لحمله، ولم يقتل أحدا، ولم يدع حتى لقتله، وكل ذلك لأنه فقط  تجرأ وأيد مطالب الشعوب في الحرية والاستقلال.

والغريب أن المشهد الأول الذي يخص تشي جيفارا- وأنا بالمناسبة أحبه وأقدر تضحياته للدفاع عن المظلومين الرازحين تحت نير الاستبداد- حدثت فصوله عيانا جهارا ولا ينكره أنصاره بل يفتخرون بها، ولا توجد حاجة لتحضير العفريت للتدليل عليه، فقط نقرأ جزءا من مذكراته ومذكرات رفاقه وسيصبح الأمر واضحا..

لكنهم في المشهد الثاني حينما لم يجدوا ما يدينون به الشيخ؛ راحوا ينسبون إليه ما لم يقله ولم يفعله في محاولة فاجرة لصناعة العفريت، مع أنه أيما كانت مواقف الرجل فهي في النهاية لا تعدو أن تكون في إطار حق التعبير..

مع أنه في رأيي يمكن حصر الاختلاف بين الاثنين في أن الأول رأى وجوبية التغيير بالقوة، بينما جاء رأي الثاني في وجوبية التغيير بالدعوة والكلمة الحسنة والدفاع عن النفس، وذلك في إطار اجتهاداته الشرعية، ومن عجب أن الثاني هو من يتعرض للهجوم وحده، مع أنه لو طبقنا نفس القياسات لكان الأول أولى به.

سر الهجوم

ورغم هذا المدح؛ إلا أن التاريخ لو عاد مجددا بتشي جيفارا، وشرع في نضالاته الثورية ثانية لرأينا نفس هؤلاء المادحين له يذمونه، ويشيطنونه، وذلك لأنهم حينما مدحوه كانوا فقط يسايرون الموضة، ولم ينزعج موجهوهم من هذا البطل نظرا لأنه كان ظاهرة فردية وانتهت.

وأيضا لأنه ليست لديه مجموعات أيديولوجية عريضة ومؤثرة في عالمنا العربي يمكنها أن تحدث تغييرا بكتلتها العددية، في حال مدحه أو ذمه، ولذلك فإن الحديث عنه يمكن اعتباره “عندهم” مجرد ترويح وتسلية..

فيما يحدث العكس تماما مع القرضاوي، فأنصار الرجل في بلادنا لا تحصيهم الشمس، جزء كبير منهم مؤدلجون عقديا، وقضيتهم الأولى في الحياة هي الانتصار لعقيدتهم الدينية، وإحداث تغيير جذري في الحياة السياسية باتباع أساليب الديمقراطية أو بغيرها، ليعيشوا كما يريدون هم وليس كما يريده لهم غيرهم.

التحيز الأعمى

لم أقرأ للشيخ القرضاوي كتابا واحدا -وهذه نقيصة بي- ولكنني سعيت في السنوات القليلة الماضية لقراءة أي شي استشف من خلاله سبب الحرب التي يشنونها عليه، فقرأت له بضعة مقالات متناثرة، عرفت منها عمق تفكيره وجديته ونجاعة اطروحاته، وعرفت أنهم حتما لذلك يكرهونه.

لست هنا بصدد الحديث عن القرضاوي أو جيفارا بذاتيهما، فكلاهما وجد ظلما وراح يواجهه بطريقته، ولكن أتعجب عن تلك الازدواجية التي تصيب هذه النخب الصناعية حينما يمس الحديث من يتبني الفكر الإسلامي.

حيث يعتقدون أنهم يحررون الناس من الأوهام الذهنية، بينما هم أنفسهم ضحايا وقعوا أسرى لصورة نمطية بثها إعلام موجه طيلة عقود، أخرجتهم  من حدود التهجم غير المبرر على مظاهر التدين الإسلامي والمتدينين المسلمين دون سواهم، إلى التهجم على الإسلام نفسه دون سواه.

فوقعوا ضحايا لبطولات زائفة، لا يصفق لها إلا كل الكارهين لأمتنا وديننا، وذهبوا كما ذهب دون كيشوت ليحاربوا طواحين الهواء.

مع ملاحظة أن أعظم دعوات وتنظيرات الحياة الهانئة للبشرية وهى “الديمقراطية” بدأت أصلا كفكرة فردية، وعوقب صاحبها وقتها بالإعدام، ومع ذلك عاد له حقه فكرمه التاريخ، وكرم تلميذه أفلاطون ليبقيا كليهما من أيقوناته الثابتة، فيما بالكاد يتذكر احد اسم من أصدر حكما باعدامه.

ولو تحرر الجميع منه ومن الأحكام المسبقة أو المبنية على أحكام ذهنية سابقه التجهيز لوصل الناس سريعا لطريق الرشاد. لكن الغرض مرض.

لتخطي الحجب https://ajm.me/ca3t0q

د. مصطفى يوسف اللداوي يكتب: زارا تستحقُ أكثر من رسالةِ إنذارٍ وعتبٍ


ما من مدينةٍ عربيةٍ إلا وفيها عشرات الفروع لشركة "زارا"، التي يرتادها المواطنون من مختلف الجنسيات العربية والإسلامية أيضاً، وجميع الفئات العمرية من الجنسين، إذ تتخصص الشركة الإسبانية في بيع الملابس الرجالية والنسائية والولادية، بالإضافة إلى الأحذية والمحافظ الجلدية والعطور وأدوات الزينة والمكياج، وغيرها من المنتجات التي تتميز بها الشركة، وتبدع في تقديم المزيد والجميل منها، مما يرضي مختلف الأذواق ويلبي أغلب الرغبات، ويجعل منها شركةً رائدةً وناجحة.

لم يكن زبائن شركة زارا العرب يشعرون بأي حرجٍ عند ارتيادهم لفروعها المنتشرة في كل مكان، فهي شركةٌ إسبانية، يحبونها كما يحبون أندية بلادها الرياضية ورموز كرة القدم فيها، وقد اعتادوا على موقفها الداعم للقضية الفلسطينية، والمؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، وحقه في أن تكون له دولةٌ ووطنٌ وعلم، والرافض لسياسة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية الظالمة ضد الفلسطينيين، والمستنكرة للعمليات الاستيطانية ومصادرة الأراضي وطرد السكان والاعتداء على حياتهم وحقوقهم.

إسبانيا تعترف بالدولة الفلسطينية ولها سفير في عاصمتها مدريد، وفيها جالية فلسطينية كبيرة، تتمتع بكامل حقوقها، وتشكل جاليتها، وتعقد فيها أنشطتها، وتحيي المناسبات الفلسطينية العامة، التي يشارك فيها إسبانٌ رسميون وشعبيون، يعلنون فيها بجرأةٍ ووضوحٍ وصراحةٍ، تأييدهم لنضال الشعب الفلسطيني، ولا يترددون في إعلان تضامنهم معهم وتقديم المساعدات لهم، وقد سبق لها أن نظمت قوافل إغاثة للشعب الفلسطيني، كان بعضها بمبادرة الجالية الفلسطينية، لكن كثيراً منها كان بدعم وتشجيع ومساعدة الجهات الرسمية الإسبانية.

إزاء هذه المواقف السياسية الرائعة المؤيدة لفلسطين ونضال شعبها، أحب الفلسطينيون إسبانيا وأهلها، وشجعوا التبادل التجاري معها، ولم يسبق أن طالبوا بمقاطعتها وفرض عقوباتٍ عليها، إذ لم يروا منها إلا كل دعمٍ وتأييد، في حين دعوا إلى مقاطعة شركاتٍ فرنسية وإنجليزية ودنماركية وسويدية وغيرها، ممن توالي الكيان الصهيوني وتدعمها، ولعلنا سنرى قريباً في مونديال الدوحة، عاطفة الفلسطينيين تترجم إيجاباً تجاه إسبانيا، تشجيعاً لأنديتها الرياضية، وتأييداً لمنتخبها الوطني في مباريات كأس العالم كما يتجلى دائماً في مباريات كأس الأمم الأوروبية.

لكن الأيام القليلة الماضية حملت معها صدمةً عنيفةً، ومفاجأةً غير سارةٍ، أحزنت الفلسطينيين وخيبت ظنونهم، إذ نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، خبر رعاية وكيل شركة زارا في الكيان الصهيوني جوفي شوفل، لبعض الفعاليات الانتخابية للمرشح اليميني المتطرف ايتمار بن غفير، رئيس حزب البيت اليهودي الإسرائيلي، المحرض الأول على عمليات اقتحام باحات المسجد الأقصى، الذي يدعو وحزبه إلى طرد الفلسطينيين وترحيلهم، وإعلان دولة إسرائيل القومية للشعب اليهودي فقط، وإخراج كل من يرفضها أو يعارضها من حدودها.

يَعُزُ جداً على الفلسطينيين الذين يحفظون الموقف الإسباني المؤيد لهم، أن يطالبوا أبناء أمتهم العربية والإسلامية بمقاطعة شركة زارا، وعدم ارتياد فروعها والشراء منها، وسحب تراخيص عملها وإلغاء عقود استئجارها واستثمارها في التجمعات التجارية العربية الكبرى، على خلفية هذا الموقف المخزي والمشين للشركة، الذي يتناقض وعراقة علاقة إسبانيا بالعرب عموماً وبالفلسطينيين خصوصاً.

لكن الفلسطينيين لن يقبلوا من الشركة الإسبانية أقل من تقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني، والتأكيد على مواقف بلادها الداعمة للشعب الفلسطيني، وإدانة ما أقدم عليه وكيلها في الكيان الصهيوني، وإعلان البراءة مما قام به، وسحب ترخيص الوكالة منه، واستعادة كل الأموال التي تبرعت بها الشركة لتمويل حملة بن غفير الصهيونية، وإلا فإنها تغامر بسمعتها، وتفرط في حب المواطنين العرب لها، وإقبال الفلسطينيين على منتجاتها، وخسارة قطاعٍ كبير من الزبائن والأسواق العربية. 

 استانبول في 26/10/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

20 أكتوبر 2022

محمد سيف الدولة يكتب: خرّابو البيوت


Seif_eldawla@hotmail.com

يضع المصريون أيديهم على قلوبهم كلما علموا ان هناك مفاوضات جارية مع صندوق النقد الدولى من أجل الحصول على قرض جديد، فهم يعلمون من واقع تجاربهم الطويلة والمريرة انها دائما ما تنتهى بمزيد من زيادة الاسعار وتخفيض الدعم وتخفيض الجنيه وتآكل قيمة مدخراتهم واضعاف قدراتهم الشرائية والزج بملايين جدد من المواطنين فى دوائر الفقر والحاجة.

وفى 15 اكتوبر الجارى أصدر الصندوق بيانا رسميا حول تقدم المفاوضات مع السلطات المصرية أكد فيه، رغم صياغته المراوغة، كل مخاوف المصريين.

***

نقلا عن كتاب "المال ضد الشعوب" كتب "جوزيف ستيغلتز" المدير السابق بالبنك الدولي في كتابه "خيبات العولمة" عن خبراء صندوق النقد والبنك الدوليين ما يلى:

((منذ هبوطهم من الطائرة، ينغمسون فى ارقام وزارة المالية والمصرف المركزى .. يقطنون برفاهية فى فنادق العواصم ذات النجوم الخمس ...

ومن اعلى فندق فخم، يفرضون دون رحمة سياسات كان المرء سيفكر مرتين قبل انتهاجها لو انه يعرف الكائنات البشرية التى سوف يقوم بتدمير حياتها))

 لقد صممت الحرب التكنولوجية الحديثة لإلغاء اى احتكاك جسدى، فالقنابل تلقى من ارتفاع 15 الف متر كيلا يشعر قائد الطائرة بما يفعله... والادارة الحديثة للاقتصاد مماثلة!

ينبغى الا ينظر المرء الى البطالة بوصفها مجرد احصاء، تعداد للجثث، للضحايا غير المقصودين لمكافحة التضخم او لتسديد الاموال للمصارف الغربية. العاطلون عن العمل اناس من لحم ودم، لديهم عائلات، وحياة جميع اولئك البشر تتعرض للمعاناة، بل وللتدمير احيانا، بسبب الاجراءات الاقتصادية التى يوصى بها الخبراء الاجانب فى صندوق النقد الدولى، فهم يفرضونها فرضا.))

***

((عليك تخفيض العمالة بغير شفقة بمعدل 50 : 60 %. إخلى السكان. تخلص من الناس. فهم يلتصقون بالاعمال)) جيفرى سكيلينج الرئيس التنفيذى لشركة انرون الامريكية  للغاز

***

((ليس هناك حل غير مؤلم كى تجد البلدان النامية حلا لوضعها الحرج، لكن علينا اقتراح بعض التعديلات على برامج التكييف الهيكلى فى صندوق النقد الدولى. سوف يتضمن الحل تضحية، وانا أفضل ان تفى البلدان المدينة بالتزاماتها الخارجية فى مواجهة الدائنين باستخدام موجودات حقيقية، عبر تحويل ملكية الشركات العامة)) ـ هنرى كيسنجر

***

ان تاريخ البنك والصندوق معنا محفور ومحفوظ فى ضميرنا الوطنى، بدءا بانتفاضة يناير 1977 ضد قرارات رفع الأسعار التى تمت بأوامر منهم، ومرورا بروشتاتهم وشروطهم الدائمة التى لم تتوقف واجتماعات نادى باريس واتفاقات وخطابات النوايا عام 1991 وما بعدها، التى فرضوها علينا ولا يزالون،  باسم الإصلاح الاقتصادي المزعوم والتى تتضمن سلسلة من الأوامر والنواهي الصريحة والقاطعة التى يمكن ان نلخصها فى التعليمات العشرة التالية:

1)   لا تدعم السلع والخدمات، لا تدعم العلاج والتعليم والسكن ووسائل النقل والمواصلات.

2)   لا تحمِ عملتك الوطنية ودعها للسوق يحدد قيمتها، واربطها بالدولار.

3)   لا تحمِ منتجاتك الوطنية بالجمارك، ولا تُرَشّد الاستيراد، وافتح اسواقك لشركاتنا ومنتجاتنا.

4)   لا تفرض أسعارا إجبارية (تسعيرة) حتى على السلع الأساسية. وابعد عن التخطيط الاقتصادى فهو ضد قوانين السوق.

5)   لا تضع حدا أعلى للأجور أو حدا أدنى لها، دع السوق والقطاع الخاص يحددها.

6)   لا تحمِ العمال من الفصل، ولا تعين موظفين جدد، بل حاول ان تتخلص من الحاليين او تقلصهم، ولا تقضِ على البطالة، فكثرة العاطلين تمكن القطاع الخاص من التحكم فى الأجور وزيادة الأرباح.

7)   لا تنتج بنفسك، وقم فورا ببيع القطاع العام وتصفيته، وادعم القطاع الخاص، الأجنبى منه قبل المحلى، ولا تشترط عليه مشروعات محددة، ولا تضع اى سقف لأرباحه، ولا تفرض عليه ضرائب تصاعدية، ولا تمنعه من نقل أمواله وأرباحه الى الخارج.

8)   لا تقاوم الفوارق بين الطبقات ولا تسع لتقريبها، لا تنحاز للفقراء ولا تقاوم البذخ ولا تشيطن الأغنياء.

9)   لا تكف عن الاقتراض منا، ولا تتأخر فى السداد. لا تستقل اقتصاديا، وارتبط بالسوق العالمى واتبعه واعمل فى خدمته، ولا تأخذ قرارا الا بعد الرجوع إلينا، ولا تعارض السياسات الغربية، بل تعاون معها وادعمها.

10)  لا تعادى (إسرائيل)، ولا تبنى جيشا قويا حتى لا يستنزف مدخراتك، ولكن احرص فى ذات الوقت على امتلاك جهازا أمنيا قويا قادرا على فرض النظام وحماية السياسات والقرارات والانحيازات والاستثمارات والتصدى للمظاهرات والقلاقل والاضطرابات التى قد يثيرها المعارضين والفقراء.

***

كانت هذه بعض ملامح الوجه الحقيقى لشروط وتعليمات المقرضين الرأسماليين ومؤسساتهم الدولية، والتى تأتينا دائما متخفية تحت عناوين براقة كالتكييف الهيكلى والاصلاح الاقتصادى. أما عن مصير من التزم بها من الدول، ففيما يلى بعض الشهادات الصادرة من مؤسسات كبرى ودولية عن فشل وضرر هذه البرامج والتعليمات على من يسقط فى شباكها:

((65 الى 70 % من مشاريع البنك فى البلدان الاكثر فقرا، فاشلة)) ـ ((تقرير صادر من الكونجرس عام 2000))

***

((لا يسمح تطبيق برامج التكييف الهيكلى والاصلاح الاقتصادى التى ولَدَّها الدين لسكان البلدان المدينة بالتمتع بحقوقهم الاساسية فى الغذاء والسكن والملبس والعمل والتعليم والرعاية الصحية والبيئة المعافاة.)) (مفوضية حقوق الانسان الامم المتحدة 1999)

***

((لاجراءات التكييف الهيكلى والاشتراطات المرافقة له، والتى تدافع عنها المؤسسات المالية الدولية، تأثيرا سلبيا اكيدا مباشرا او غير مباشر على احقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتتعارض معها)) (تقرير الامين العام للامم المتحدة 1999)

***

((ينسب تفاقم سوء التغذية وتدنى التسجيل فى المدارس وتزايد البطالة الى سياسات التكييف الهيكلى. لكن هذه المؤسسات المالية الدولية تواصل وصف العلاج نفسه كشرط للاعفاء من الدين، متجاهلة الدليل الساطع على تسبب تلك البرامج بتفاقم الفقر.)) ـ ((فانتو شيرو ـ المقرر الخاص للامم المتحدة لشئون اثار برامج التكييف والدين الخارجى على التمتع بحقوق الانسان.))

***

القاهرة فى 18 اكتوبر 2022

15 أكتوبر 2022

محمد سيف الدولة يكتب: السادات وعقيدة الخوف من الامريكان

Seif_eldawla@hotmail.com

هذا ليس حديثا تاريخيا عن السادات فى الذكرى الواحدة والاربعين لرحيله وانما هو حديث عن التبعية للامريكان التى لا تزال تنخر فى الجسد المصرى حتى يومنا هذا، انها التبعية التى بدأها أنور السادات واسس لها وورثها لخلفائه واركان نظامه من بعده الذين يحكمون مصر من وقتها بعقيدة الخوف من امريكا والسير فى ركابها والحرص على ارضائها والفوز بدعمها ومباركتها.

***

لقد تغيرت حياتنا تماما عندما تملك الخوف من امريكا، الرئيس انور السادات وقرر أن يغير موقفه من المواجهة معها الى الانقياد اليها، ولذا من المهم أن نتوقف امام لحظات ميلاد هذا الخوف من خلال القيام بقراءة مواقف السادات الاولى التى كانت تتسم بالوطنية والشجاعة ومقارنتها بسياساته ومواقفه الاخيرة التى اختارت الخضوع الكامل للولايات المتحدة وتسليمها مفاتيح مصر على طبق من ذهب، محاولين أن نضع ايدينا على اسباب هذا الخوف وآثاره:

·في 10 يناير 1971 قال السادات في احد خطبه ((ان امريكا تقف خلف اسرائيل بان لا تجلو من اى شبر  .. والامريكان هم الاعداء الاصليين وليس الاسرائيليين لان اسرائيل خط الدفاع الاول لمصالح امريكا في المنطقة))

· وفى 11 يناير قال ((امريكا تريد أن تذل كرامتنا))

·وفى 11 نوفمبر 1971 قال ((اننا نعتبر الولايات المتحدة هى المسئول الاول عن اسرائيل. ان سيل الاموال الذي يتدفق في الاقتصاد الاسرائيلى والسلاح الذي تمسك به اسرائيل يجىء كله من الولايات المتحدة الامريكية. أن طائرات الفانتوم التى اغارت على مدننا ومصانعنا وعلى مدارسنا ليست مجرد صناعة امريكية ولكنها غطاء امريكى لاسرائيل.))

· وقال في 2 ابريل 1972((نحن نعرف اين تقف امريكا وما هى سياستها واهدافها، امريكا تدعم اسرائيل لتحافظ على استغلالها لثروة العرب))

·وفى خطابه بالاسكندرية يوم 27 يوليو 1972 قال: ((ان موقف امريكا هو عملية استدراج لكى نسلم ولكن امريكا بعساكرها ليست ربنا))

هكذا كان وعى الرئيس السادات بحقيقة الولايات المتحدة الامريكية ودورها المعادى والعدوانى في صراعنا مع (اسرائيل). ثم تغير هذا الموقف الى النقيض تماما، تغير الى موقفه المعلن  من أن  99 % من اوراق اللعبة في يد امريكا!

***

ترى ما الذي حدث وأدى الى هذا الانقلاب الخطير؟

فلم يكن الاتحاد السوفيتى قد سقط بعد لنقول أن الاختلال في ميزان القوى العالمى وهيمنة طرف واحد على العالم هو السبب. كذلك لم يكن السبب هو تعديل امريكا لمواقفها في الصراع لتصبح اكثر موضوعية واكثر عدلا؛ فلقد ظلت على مواقفها المنحازة لاسرائيل.

 في تصورى أن الذي حدث هو أن السادات في لحظة معينة وتحت الضغوط الامريكية قد تملكه الخوف وانهزم داخليا فقرر الاستسلام. ويمكننا اختبار صحة هذا التحليل من واقع كلام السادات نفسه:

·قال في 16 اكتوبر 1973((ان الولايات المتحدة ، بعد أن فتحنا طريق الحق بقوة السلاح اندفعت الى سياسة لا نستطيع أن نسكت عليها او تسكت عليها امتنا العربية ذلك انها اقامت جسرا بحريا وجويا لتتدفق منه على اسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة، وصواريخ جديدة والكترونات جديدة))

·وقال في حديث لمجلة الحوادث اللبنانية نشرته في 8 اغسطس 1975 ((جاءنى الدكتور كيسنجر في 11 ديسمبر 1973 وكان جيب الدفرسوار موجودا، وكان لنا حول الجيب 800 دبابة بخلاف خمس فرق كاملة حشدناها شرق القناة، منها الفرقتان التابعتان للجيش الثالث. وهذه الفرق الخمس كانت بكامل اسلحتها ودباباتها ومعداتها تكون حلقة تحيط باليهود مع حائط صواريخ اروع من الحائط الذي اشتكت منه اسرائيل..وسالنى كيسنجر انت  ناوى تعمل ايه؟ فقلت: هذه اعظم فرصة لتصفية الجيب الاسرائيلى ..لقد تورطوا في دخول منطقة لاتتسع لاكثر من لواء او لوائين من الدبابات فادخلوا اربعة الوية، على اساس انها عملية سياسية او كما سميتها من قبل معركة تليفزيونية .. فلا هم قادرون على الدخول الى الكثافة السكانية في مصر، وليس من السهل أن ينجحوا في قطع المائة كيلومتر حتى يصلوا الى القاهرة عن طريق الصحراء . وفرقى جاهزة لتقفل الممر الذي اوجدوه بين قواتى في اقل وقت ممكن، والخطة موضوعة وجاهزة تنتظر صدور الاوامر. وقال كيسنجر: كل ما تقوله صحيح وقد تلقيت من البنتاجون قبل أن احضر لاقابلك تقريرا كاملا بعدد الدبابات التى اعددتموها ..عندك كذا.. وعدد بطارياتك وصواريخك كذا، والقوات المحتشدة حول الجيب قادرة فعلا على تصفية الجيب ولكن لابد أن تعرف ما هو موقف امريكا ..اذا اقدمت على هذه العملية فستُضرب))


·واخيرا وليس اخرا اعترف السادات صراحة بنفس المعنى السابق اذ قال فى 16 سبتمبر 1975(( انه في ليلة 19 من اكتوبر  1973 كان بقى لى عشرة ايام اواجه امريكا بذاتها. اتخذت من العريش خلف خطوطنا مباشرة بكل وضوح قاعدة وكانت بتنزل في العريش علشان الامداد يروح للجبهة في اقل وقت ممكن. طبعا كل شىء كان في خدمة اسرائيل وبعدها عرفت انه كان القمر الصناعى الامريكى بيصور كل يوم ولما انتقلت فرقة من فرقنا المدرعة من الغرب الى الشرق كطلب سوريا لتكثييف عملنا العسكرى علشان نجدتها على جبهتنا احنا ..صوروا الامريكان هذا ونقلوه للاسرئيليين ووضعت عملية الثغرة من وقتها .. يوم 19 اكتوبر لقيت اننى احارب امريكا عشرة ايام لوحدى في الميدان ونزلت امريكا بكل ثقلها))

***

·كانت هذه بعض الذرائع التى حاول بها السادات تبرير رهانه الكامل على الولايات المتحدة وتسليمها كافة الأوراق بعد الحرب، رغم أن مصر وفى ظل ظروف الهزيمة عام 1967 الأشد قسوة بمئات المرات، رفضت الخضوع والاستسلام وقررت استمرار المواجهة ومواصلة القتال.

***

خاف السادات اذن وانهزم داخليا وقرر الاستسلام وتسليم كافة اوراقه، بل قام بتسليم مصر كلها اليهم ليعيدوا تأسيسها وتشكيلها على مقاس المصالح الامريكية وامن (اسرائيل)، وهو ما كتبت عنه كثيرا تحت عنوان الكتالوج الامريكى لحكم مصر، والذى يمكن تلخيصه فيما يلى:

1)   تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح الا بإذن (اسرائيل)، حتى تظل رهينة التهديدات الاسرائيلية المستمرة، بما يمثل اقوى اداة ضغط واخضاع فعالة لاى ادارة مصرية، خاصة فى ظل عقدة 1967 التى تسيطر على العقل الجمعى لمؤسسات الدولة المصرية.

2)   مع اعطاء الامريكان موطئ قدم فى سيناء، وقبول دخول قواتهم الى هناك لمراقبة القوات المصرية، ضمن ما يسمى بقوات "متعددة الجنسية والمراقبين" التى يرأسها سفير فى وزارة الخارجية الامريكية ولا تخضع للامم المتحدة.

3)   مع اعطائهم تسهيلات لوجستية فى قناة السويس والمجال الجوى المصرى، قال عنها الامريكان، انها كانت لها دورا كبيرا فى نجاح قواتهم فى غزو العراق.

4)   مع الانخراط فى كل احلافها العسكرية، والالتزام بما تقيمه من ترتيبات امنية فى الاقليم، وتنفيذ الادوار والمهام التى تطلبها منا فى حروبها واعتدائاتها العسكرية فى المنطقة بدءا بما يسمى بحرب تحرير الكويت مرورا بغزو افغانستان والعراق .. وحتى يومنا هذا.

5)   تصفية الاقتصاد الوطنى الذى كان يدعم المجهود الحربى اثناء الحرب، واستبداله بمعونة عسكرية امريكية تحتكر توريد السلاح لمصر وتتحكم فى موازين القوى لصالح (اسرائيل) مع تسليم الاقتصاد المصرى الجديد لصندوق النقد والبنك الدوليين لادارته وتوجيهه والسيطرة عليه.

6)   تاسيس نظام حكم سياسى تكون على راس اولوياته حماية امن (اسرائيل) والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الامريكية، التى يجب ان توافق على شخصية رئيس الجمهورية وتبارك مؤسساته، مع حظر المشاركة فى الحكم لاى تيار او حزب او شخصيات ترفض الاعتراف باسرائيل وتناهض اتفاقيات كامب ديفيد. مع تقييد أو اجهاض أى ممارسات او توجهات او تغييرات ديمقراطية يمكن أن تأتى بقوى وتيارات معادية للامريكان ولاسرائيل، لحكم مصر.

7)   استئثار وسيطرة راس المال الاجنبى والمحلى على مقدرات البلاد وثرواتها. وتشكيل طبقة من رجال الاعمال المصريين تكون لها السيادة على باقى طبقات الشعب، وتقوم بدور التابع والوكيل المدافع عن مصالح وسياسات الامريكان والصهاينة فى مصر.

8)   تصفية اى تيارات وطنية ايا كانت مرجعيتها الايديولوجية، سواء كانت قومية او اشتراكية او اسلامية او ليبرالية او مستقلة، تناهض الولايات المتحدة و(اسرائيل)، مع كسر شوكة الشعب المصرى والقضاء على روح الانتماء الوطنى.

9)   وتفاصيل أخرى كثيرة ..

***

رحل السادات، وبقى نظامه بسياساته وتبعيته وبخوفه المتجذر من امريكا و(اسرائيل)، وبقينا نحن نحاول أن نجيب على السؤال الصعب: كيف يمكن للاجيال الجديدة أن تتحرر من هذا الخوف التى زرعوه فى مصر منذ حرب اكتوبر، كخطوة أولى وشرط حتمى للتحرر مرة واحدة والى الابد من التبعية للولايات المتحدة الأمريكية ومن ذل وقيود اتفاقيات كامب ديفيد؟   

*****

القاهرة فى 14 أكتوبر 2022

03 أكتوبر 2022

د. مصطفى يوسف اللداوي يكتب: بريطانيا تصرُ على جرائمها وتعيدُ تكرار أخطائها

يبدو أن بريطانيا التي تعهدت الحلم اليهودي قديماً، وأصدرت وعد بلفور المشؤوم، وأشرفت على تأسيس الكيان الصهيوني، ورعت وجوده وضمنت قوته، ودربت عصاباته وأهَّلت قواته، وزودته بالتقنية والسلاح، والعلم والمعرفة، وعملت على تفوقه، وصانت هويته، وحاربت إلى جانبه، واطمأنت إلى من خَلَفها في المسؤولية وحمل "الأمانة" من بعدها، وتعهد الكيان مثلها وأكثر، ومضى على نهجها وحافظ على سياستها تجاهه وأحسن، فنامت قريرة العين مطمئنة، غير قلقةٍ على لقيطتها المنبوذة، وغير خائفةٍ على صنيعتها الفاحشة، فقد باتت في أيدي أمينة وبرعايةٍ قويةٍ متينةٍ.

يبدو أنها وحكوماتها المتعاقبة مصرة على جريمتها النكراء، وماضية في تكرار أخطائها الجسيمة ورهاناتها المدمرة، وحريصة على مواقفها المتوارثة وسياساتها المتعاقبة، وغير نادمة على ما أقدمت عليه وفعلته كافة حكوماتها السابقة، التي تكرر ذاتها ولا تراجع نفسها، ولا تحاسب قادتها، ولا تعترف بجرائمها، ولا تحاول تصحيح أخطائها والرجوع عن موبقاتها، وكأنها لم ترتكب جريمةً في حق شعبٍ بأكمله، ولم تعلن حرباً على أمةٍ بأسرها، ولم تتسبب في تهجير الملايين وشتاتهم، واحتلال أرضهم وضياع حقوقهم، وهي التي كانت بحكم دورها في الوصاية على فلسطين بموجب صك الانتداب، مسؤولة عما آلت إليه أوضاع الفلسطينيين عامةً، وتتحمل كامل المسؤولية عما جرى ويجري من حروبٍ ودمارٍ وعدوانٍ في المنطقة كلها.

لم تكد تستلم السيدة ليز تراس رئاسة الحكومة البريطانية وتنتقل إلى مكتبها الجديد، حتى أعلنت عزمها نقل مقر السفارة البريطانية لدى الكيان الصهيوني إلى مدينة القدس المحتلة، وهي الخطوة التي كان يتمنى سلفها بوريس جونسون تنفيذها، أسوةً بصديقه الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، إلا أنه لم يتمكن فجاءت خليفته لتعلن عن نواياها التي لا تختلف كثيراً عن مواقفها السابقة المنحازة للكيان الصهيوني، والمؤيدة لسياساته، والمناوئة للشعب الفلسطيني والمعارضة لحقوقه المشروعة في أرضه ووطنه.

فقد سبق للسيدة ليز تراس عندما كانت وزيرة للخارجية والتجارة البريطانية، أن وصفت مقاومة الشعب الفلسطيني بالإرهاب، واستنكرت مقتل المدنيين الإسرائيليين، وأبدت تفهمها لحق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها، وأعلنت تأييدها لعمليات جيش الكيان في الضفة الغربية وحروبه على قطاع غزة، واعتبرت أن ما يقوم به شكل من أشكال محاربة الإرهاب واستئصال جذوره وتصفية قادته ورموزه.

وهي نفسها التي أعلنت الحرب على حركة مقاطعة إسرائيل "BDS"، ووصفت ما تقوم به من أعمال بالعنصرية البغيضة، وبأنها ضد السامية، وتضر بالشعب اليهودي، ودعت إلى تجفيف منابعها، ومنع استثماراتها، والتضييق عليها ومحاربتها، وتشريع معاقبة المتبرعين لها والمساهمين فيها والمشرفين عليها، وتقنين محاسبتهم وحظر انتقالهم وسفرهم.

 لا تخفي ليز تراس مواقها العنصرية المنحازة للكيان الصهيوني، فقد سبق لها أن "طهرت" وزارة الخارجية البريطانية من المناوئين ل"إسرائيل"، وغير المؤمنين بحقوقها والمدافعين عنها، وتجاوزت بإجراءاتها التعسفية أصول حقوق الإنسان القائمة على حرية التعبير والاعتقاد، وحرية السلوك والتصرف في الفكر والولاء، وهي بالتأكيد لا تقبل بمن يؤيد الحق الفلسطيني ويدعو إلى نصرة الفلسطينيين وإنصافهم.

وفي أغرب موقفٍ لها، إلى جانب تأييدها لحق الإسرائيليين في الاستيطان والتوسع الطبيعي في "دولتهم"، وتصويتها ضد أي قرارٍ دوليٍ يدينها أو يستنكر الاستيطان واعتداءات المستوطنين المتطرفين على الفلسطينيين وأرضهم وممتلكاتهم، فقد اتهمت منظمة الأمم المتحدة بمعاداة السامية، واعتبرت قراراتها المؤيدة للشعب الفلسطيني، رغم أنها قرارات شكلية تفتقر إلى قوة التنفيذ، منافية "للحق والعدالة"، ومنحازة إلى الفلسطينيين وغير منصفة "لشعب إسرائيل"، وأنها تروج لأجندة عدائية مناهضة للسامية، وحملت المنظمة الأممية المسؤولية الكاملة عما يلحق بالإسرائيليين ويصيبهم.

يبدو أن بريطانيا التي هي أساس أزمة الشعب الفلسطيني ومصيبته، وهي سبب نكبته وتشرده، وضياع حقه وحرمانه من أرضه وطنه، مصرة أن تبقى دائماً سبباً في جراحنا، وسباقةً في ألمنا، وسيفاً مسلطاً على رقابنا، وشريكةً مع العدو في ظلمنا والاعتداء علينا، ولا يبدو أنها يوماً والعدو الإسرائيلي ستكف بغير القوة عن بغيها، وستمتنع بغير الصمود والمواجهة عن صلفها، فهي دولة البغي الأولى وإمبراطورية الظلم الأسبق، فلا ود معها ينفع، ولا دبلوماسية معها تفيد، ولا خير منها يرتجى، ولا أخلاق إنسانية بها تلتزم، ولا قيم وقوانين دولية تحترم.

بيروت في 3/10/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

سيد أمين يكتب: نظرية تخفيض عدد سكان العالم.. هل لا تزال قيد التنفيذ؟

مع جفاف الأنهار في أوربا والعديد من بقاع العالم، وتوالي الكوارث الطبيعية والبيئية والصحية، والاقتراب من شفا صراعات وحروب نووية مدمرة بين أقطاب العالم، أصبح المناخ مواتيا ليرتفع ذلك الصوت الذي كان يهمس بأن نظرية “قارب النجاة” هي الآن قيد التنفيذ.

وهي تلك النظرية التي نسبت إلى نظريات التنمية -زورا وبهتانا – والتي تصور أن سكان العالم يستقلون مركبا مزدحما في عرض البحر يكاد يغرق بهم، وأنه يجب التخلص من بعضهم ليتمكن الآخرون من النجاة.

ونظرًا إلى وحشية تلك الرؤية جرى تخفيف وقعها على الأسماع على يد جاريت هاردن أستاذ علم الأحياء بجامعة كاليفورينا الأمريكية بقوله إن العالم الغني يعيش في قارب مزدحم، أما الدول النامية فسكانها في الأسفل يصارعون الغرق في بحر من الجوع والأمراض والأوبئة والصراعات، وسيكون خطأ جسيما أن يسمح الأغنياء لهم بالتعلق بالمركب، وإلا فسيموتون جميعا، ولذلك يجب قطع المعونات بكافة أشكالها عنهم.

وهو التعديل الذي يساوي صراحة طرح المخايرة بين أن يموت الناس بطلقات الرصاص المباشر أو العشوائي، مع أن الألم والنهاية واحدة.

كما قدم رجل دين إنجليزي يدعى توماس مالتوس منذ قرنين نظرية لاقت اهتماما كبيرا لدى الساسة الاستعماريين آنذاك، تؤكد أن نمو الإنتاج في العالم لا يتواكب نهائيا مع زيادة عدد سكانه، مقترحا تصحيح الخلل باستخدام تدابير وقائية للسيطرة على هذا النمو، وتشمل هذه التدابير تنظيم الأسرة، وتشجيع العزوبة وتأخّر الزواج.

ولا نعرف بعد هل اللجوء إلى هذه النظريات والتخلص من الفقراء أو سكان العالم النامي هو الحل لإنقاذ العالم، أم أن هناك تخطيطا جرى لإفقار هذا العالم وخاصة الإسلامي منه وتفجيره بالصراعات الداخلية، وإفشاله طمعا في الوصول إلى تلك النتيجة؟

الحي والميت

كما لم يقل لنا المنظرون كم عدد سكان العالم المطلوب إنقاذهم، ولا المطلوب إغراقهم أو تركهم يموتون غرقا، إلا أن الإجابة هنا تأتي من المجهول.

المجهول يمثله ما يعرف بألواح جورجيا “الولاية الأمريكية” حيث عثر فيها على خمسة ألواح جرانيتية فخمة يعتقد أنها صنعت في أوج غمار الحرب الباردة عام 1980 ولا يعرف صانعها.

يزن الحجر الواحد منها 40 طنا بطول خمسة أمتار نقشت فيها عشرة وصايا بالعربية والعبرية والبابلية واليونانية والسنسكرينية والهيروغليفية، والإنجليزية، والإسبانية، والسواحلية، والهندية، والصينية، والروسية، ويعتبر الكثيرون أنها هي ذاتها وصايا الماسونية.

وكان من أهمها: ابقوا عدد الجنس البشري أقل من 500 مليون نسمة في توازن دائم مع الطبيعة، وجهوا التناسل البشري مع تحسين اللياقة البدنية والتنوع، وحدوا الجنس البشري بلغة جديدة معاصرة، تحكموا في العاطفة وفي العقيدة وفي التقاليد وفي جميع الأشياء بمنطق معتدل.

كما تأتي إجابة أخرى من سياسيين أمثال “سوسان جورج” مدير شؤون الشرق الأوسط في الأمم المتحدة التي كشفت في كتابها “تقرير لوغانو” أن فريقا غربيا متعدد الجنسيات يضم سياسيين وعسكريين ورجال مخابرات وعلماء أعدوا في تسعينيات القرن الماضي تقريرا عملوا على تنفيذه للحد من تنامي الأجناس الأخرى غير الغربية، عبر الحد من تطور الرعاية الطبية وزيادة نسبة الخصوبة.

ويأتي الرد أيضا من هينري كسينجر وزير خارجية أمريكا الذي أشار أيضا إلى وجوب أن يكون لتخفيض عدد سكان العالم والعالم الثالث خاصة الأولوية القصوى للسياسة الخارجية الأمريكية.

وأوصي في وثيقته السرية NSSM-200 التي أعدها عام 1974 ورفعت عنها السرية عام 1990 ووضعت في الأرشيف الوطني الأمريكي؛ بضرورة العمل على خفض عدد سكان 13 دولة نامية من أجل تأمين مصادر الخامات وهذه الدول هي مصر، وتركيا، وبنغلاديش، وباكستان، ونيجيريا، والمكسيك، وإندونيسيا، والبرازيل، والفلبين، وتايلاند، وإثيوبيا، وكولومبيا، والهند.

كما فأجأ  تيد تورنر إمبراطور الإعلام الأمريكي -وهو صاحب عدة قنوات عالمية منها CNN- العالم، في مقابلة مع مجلة أودوبون عام 2008 بتأكيده أنه “سيكون إجمالي عدد سكان العالم من 250 إلى 300 مليون شخص في عام 2025”.

القتل الرحيم

بالطبع لم يدع مؤيدو هذه النظرية وهم كثيرون في المجتمعات الغنية في الشرق والغرب إلى القتل المباشر لسكان العالم بالطريقة التي صورتها مجموعة أفلام مارفل الأمريكية وخاصة في جزئها الرابع حيث يسعى “ثانوس” الشرير الذي يمتلك كافة مقومات الذكاء والقوة المطلقة لإبادة أعداد كبيرة من البشرية باستخدام تلك القوة.

ولكن عبر أهم تلك الوسائل التي أجمعت عليها كافة التقارير والتي يمكن إيجازها في عبارة واحدة وهي محاربة الأسرة بصورتها التقليدية، من خلال تشجيع العزوف عن الزواج التقليدي، والشذوذ الجنسي والانحراف الأخلاقي، وتحديد النسل، والإجهاض، وخفض نسب الخصوبة، وتدمير الاستقرار الأسري بعوامل اجتماعية أو اقتصادية.

ولم تتضمن التقارير الأساليب الأشد قسوة التي يتفجر من حين إلى آخر ما يدعمها من أخبار مثل نشر الأوبئة والأمراض وتسميم الماء والطعام والهواء، وخفض الرعاية الصحية، وتفجير الصراعات والحروب، ونشر الآفات التي تبيد الزراعات والمحاصيل. ولعل تتالي تفشي الأوبئة في الأعوام الأخيرة قد فتح مجالا لذلك.

المفيد في الأمر أننا الآن صرنا على علم بتلك المؤامرات التي تحيط بنا من كل جانب، في حين كانت الأجيال السابقة تتجرع مراراتها ولكن لا تستطيع بلورتها، وبالطبع حينما تكشف المؤامرة مبكرا فحتما ستفشل كليا أو جزئيا.

والأهم من ذلك أن نتيقن أن الله وحده هو الذي يحيي ويميت، مع ضرورة توخينا ما أمرنا به من كياسة وحذر.

تخطي الحجب: https://ajm.me/kfso3l

للمزيد: https://ajm.me/6muw3x