19 أغسطس 2016

سيد أمين ينعى رحيل احد الرجال المحترمين ..#عبدالعظيم_مناف

تنعى المدونة إلى الامة العربية رحيل فارسا من ابرز فرسانها ، ومفكرا من أخلص مفكريها، ومناضلا أفنى حياته في سبيل نصرتها ونصرة قضية أمتينا العربية والاسلامية "فلسطين".
أنه المناضل الكبير عبد العظيم مناف أحد أبرز مفكري القومية العربية في العالم وواحد ممن اثروا مكتبتها الفكرية بجواهر تضئ المستقبل للاجيال القادمة الراغبة في تحرر تلك الامة من براثن التبعية للغرب ، ولقوى الصهيونية والماسونية والتغريبية.
نحتسبه عند الله شهيدا وندعوه أن يغفرله زلاته ،ويصبر أبنائه ومحبيه وقرائ على فراقه

13 أغسطس 2016

سيد أمين يكتب: حينما تحول التصويت إلى تفويض

آخر تحديث : السبت 13 أغسطس 2016   14:24 مكة المكرمة
بالأمس القريب فوجئ المصريون باعلان إعلام السلطة عن تدشين حملة قال إنها تسعى لجمع توقيعات لنحو40 مليون مصري من أجل مد المدة الرئاسية للسيسي لتصبح ثمانى سنوات بدلاً من أربع، ليس الغريب أن تلك الحملة تأتى في وقت تآكلت فيه شعبية الرجل إلى ما دون الـ5% ، ولكن أيضا لأنها تأتى في وقت لا يثق فيه المصريون بأنهم سينهضون صباح اليوم التالى ويجدونه لا يزال رئيسا إجباريا للجمهورية.
والحقيقة أنه منذ أن جاء نظام السيسي وهو يتبع اجراءات خارجة عن سياق الديمقراطية المعروفة خطواتها عالميا لتثبيت دعائمه ، حيث راح يبتدع ديمقراطية جديدة يفصلها على هواه لتناسب الخدعة التى يريد تسويقها، وذلك من أجل صناعة شرعيته المزعومة التى تؤهله ليحل محل شرعية رئيس مدنى انتخبه الشعب بطريقة شعبية ديمقراطية حقيقية نادرة الحدوث في بلد كمصر، التى لم تشهد طوال تاريخها الممتد والضارب في التاريخ تغليبا لرأى الجماهير مهما كبرعددها واتسعت مظالمها على رأى الفرعون العسكري.
اخترع نظام السيسي طريقة "التفويض" عبر جمع التوقيعات أوالتواجد في الميادين ليحل محل "التصويت" في الصندوق ولجان الانتخابات.
وبالقطع الجميع يعرف أن الفارق بين الأسلوبين ، هو تماما كالفارق بين "الجهل" وظلاميته وظلمه وخداعه وتضليله وعشوائيته ، وإهداره لقيمة القانون والضوابط والروابط والإحصاء ، وبين "العلم " ورسوخه ومنهجيته الواضحة وعدله.

إرهاصات  الخدعة
بدأت حاجة النظام الحاكم الملحة لإيجاد وسيلة للتغلب على إرادة الجماهيرالفاعلة مع انطلاق تظاهرات "المليونيات" في ميادين الثورة ، والتى جاءت أصلا كتعبير طبيعى عن حالة الثورة ضده ولاجباره على اتباع إجراءات ديمقراطية في"الصندوق" ، وجرب بادئ الأمر أن يحشد أمامها جماهيره في ميادين مغايره كمصطفي محمود والعباسية ، محاولا إيهام الرأى العام العالمى بأن المصريين ليسوا على قلب رجل واحد وراء تلك الثورة وأن ثمة من في الميادين أيضا من كان له رأى أخر.
ولما افتضح أمر حشوده عالميا وعرف الجميع أنها لا حشود ولا يحزنون ، بل جماعات بائسة من الناس استغل النظام فقرهم الذي كان هو سببا فيه، وتم دفعهم بأجر إلى الميادين، راح يغير تكتيكاته كليا ويتبع سياسة تفتيت الخصوم من الداخل، فضلا عن توسيع هيمنته الإعلامية واختراق الثورة بفضائيات الثورة المضادة ، وحقق نجاحا ملموسا في تخفيف حدة الحماسة للثورة عند الكثيرين عبر الزعم بأن الثورة حققت أهدافها، وأن الثوار هم من يحكمون ، وأن الاستمرار في هذا النشاط الثورى يعنى تخريبا للبلاد.
وقد نتج عن هذا الوضع أن فقدت الميادين روادها الأصليين من الثوار، فعمل النظام على شغلها بعناصره ليمارسوا ممارسات شيطنتها ، ثم تطور الهدف تدريجيا حتى انتهى بالدفاع عن الثورة المضادة تلميحا أو تصريحا.
هنا أدرك النظام أنه يملك الميادين جميعها، ويملك معها الإعلام الذى يستطيع تسخيره لتصوير الأمر بالطريقة التى تحلو له ، لكنه أيضا أدرك أنه يفقد السيطرة على الصناديق التى تعززت نزاهتها عبر الإجراءات القانونية والحقوقية التى أتخذت بقوة الثورة، وأهمها التصويت ببطاقة الرقم القومي، ومنع تعدد أماكن التصويت للناخبين ، وإعلان النتائج في اللجان، ولذلك فبدلا من أن يدافع النظام عن الصناديق ويهاجم الميادين كما كان يفعل في البداية ، راح يتهرب منها وانقلب ليدافع عن الميادين ، ولما استشعر بأن سيطرته على تلك الميادين ممكن خلخلتها راح يبتدع نظام "التفويض".

مراحل التفويض
حملة "تمرد" بمدلولاتها العسكرية كانت هى الأسلوب "الشعبي" الذى تفتق لذهن النظام العسكري من أجل تدشين سياسة "التفويض"، لإيجاد مسوغ أخلاقي للانقلاب على الرئيس الذى طرحته الثورة ، خاصة بعد انكشاف ضعف الظهيرالشعبي المساند لهذا النظام في أحداث الاتحادية أمام تيار"الاخوان المسلمين" الذىن أفشلوا خطة اقتحام قصر الرئاسة وقتل الرئيس.
وللأسف وقع "الإسلاميون" في الفخ فراحوا يردون عليها بطريقة مشابهة تعطيها صدقية ما حينما قاموا باطلاق حملة "تجرد" بدلا من إنكار هذا الأسلوب جملة وتفصيلا.
وكانت 30 يونيو/حزيران 2013 هى أكبر اختبار لتوضيح مدى سيطرة النظام على "الميدان"حيث نجح الإعداد الجيد لها واستنفار الكنيسة لشعبها وحشد جماهير الحزب الوطنى والجنود الذين يرتدون ملابس مدنية مع تأميم الإعلام وتسخيره بشكل كبير في الحشد والدعاية ، في حشد ناجح لبضعة ملايين في كل الميادين المصرية.
ثم جاء طلب التفويض الذى أطلقه عبد الفتاح السيسي في 27 يوليو/تموز 2013 كأول اعتراف رسمى من قبل السلطة بهذا النوع من الشرعية ، ثم راح عبر إعلاميه يطلب التفويض مجددا في 6 فبراير/شباط  2015 إلا أن الشعب قال كلمته ورفض هذا الاحتيال على الديمقراطية ورفض النزول.
المدهش أن تلك التفويضات كان يقابلها فشل ذريع في كل انتخابات الصناديق كاستفتاء الدستور وانتخابات الرئاسة والبرلمان –وهى الطريق الوحيد للديمقراطية - والتى قاطعها الشعب بشكل واضح وباعتراف وسائل إعلام محسوبة على النظام وكانت جميعها مثارا للتندر والسخرية حتى لدى رجل الشارع البسيط ، وقد أوضح تلك المقاطعة هو مقارنتها بالطوابير العريضة غير المسبوقة في انتخابات رئاسة ودستور  2012.

تواطؤ غربي
ولأن ما حدث يأتى على هواها وبتدبيرها في الغالب ، تواطأت الدول ذات الديمقراطية الراسخة كبريطانيا وأمريكا ودول الاتحاد الأوربي مع هذا الخداع ، وبدلا من أن تجهر بأن هذا النوع من السلوكيات لا يعد سلوكا ديمقراطيا ولا يمكن اعتباره أنه يعبر تعبيرا حقيقيا على إرادة الجماهير ، راحت تسايره وتغض الطرف عنه وتتفاعل معه بوصفه عملا ديمقراطيا!!
مع أننا لم نسمع طوال التاريخ قط أن رئيس وزراء بريطانيا أو رئيس أمريكا أو حتى رئيس زيمبابوى أو الصومال طالب شعبه بالنزول لتفويضه لذبح معارضيه ، أو لمد فترته الرئاسية بينما الشعب لا يزال يكتوى بنار العام الثاني من حكمه.
صحيح أن هناك عيوبا في الديمقراطية ، منها مثلا أن وعى الجماهير يمكن تزييفه – وفي اعتقادى أن ذلك ما حدث لتبرير الانقلاب- وأنها قد تنتج ثمارا ليست على الهوى العام ، ولكن ليس الحل أن ننسب إلى الديمقراطية ما ليس نبتا لها ، أونكفر بها ونؤمن بالاستبداد؟ وذلك لأن الديمقراطية كيانا متكاملا نطبقه كله ونصبح ديمقراطيين، أو نهدره كله ونصبح طغاة ، لا مكان هنا للون رمادي!!

اقرأ المقال على الجزيرة مباشر من هنا

08 أغسطس 2016

تحية للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب


سيد أمين

منذ أيام ، احتفل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت الشقيقة بالذكري الاربعين لانطلاقه حيث انشئ في 17 يوليو 1973، ليكون رافدا اصيلا من روافد تغذية الروح العربية ثقافيا والارتقاء بها فنيا ووجدانيا،وهو في الواقع ليس احتفالا للمجلس بانشاء نفسه، بل هو احتفال واحتفاء يقوم به المتلقون والمنتفعون ثقافيا باصدارته ، اولئك الذين امتدت اليهم ثماره وأسهمت في الارتقاء بمعرفتهم ووعيهم، عبر وجبات روحية دسمة سهلة التناول تقدم لهم مهما بعدت المسافات وتفرقت السبل واختلفت التوجهات الفكرية والسياسية والقطرية.

ولعل الاستقلالية التامة التى أكدها المرسوم الاميري الصادر بانشاء المجلس ، قد اعطته براحا كبيرا ومساحات واسعة يتمدد فيها ما جعله يحقق مكانته الكبريفي الثقافة العربية ، ويحول الكويت إلى مركز اشعاع ثقافي كبيرفي كل البلاد والشعوب الناطقة بلغة الضاد ، خاصة أن الادوار التى أوكلت إلى المجلس وهى التشجيع على القراءة والكتابة وحفظ وتوثيق التراث الشعبي الكويتى والعربي ودعم ورعاية الابداع الفكري والثقافي المحلي ونشر الثقافة العامة من خلال إصدارات المجلس المتنوعة، ادوارا كبيرة أضافت اعباءا كبيرة على كاهله ،إلا أنه استطاع أن يحفر مكانا بارزا باقتدار. 

والملفت أنه رغم كون معظم اصدارت "المجلس الوطنى"الاليكترونية مثل "من المسرح العالمى" و"جريدة الفنون" و"عالم الفكر" و"عالم المعرفة" و"ابداعات عالمية" و"الثقافة العالمية" وغيرها هى من الروافد الثابتة للمثقف العربي المطلع اليكترونيا ، إلا أن المجلس الوطنى الذى صار علامة ثقافية مميزة لدولة الكويت في المحافل الثقافية في الوطن العربي لم يتوقف عن حد النشاط المقروء والمسموع بل راح يتوسع لحماية موجودات الثقافة ذاتها وينتج انشطة خاصة بحماية التراث والاثار والمتاحف وترميمها، والكشف عن ما تخبئه الاثار المكتشفة من رسائل لم نفك طلاسمها ، وما تخبئة الارض من أثار لم تكتشف وتخرج للفحص والدراسة ، فضلا عن ادارة الحملات التوعوية بها وتعريف العالم بها ، وهو دور بالقطع يعزز من أفاق المعرفة والوعى ويساهم في استعادة الهوية الضائعة للشعب العربي.

حتى المهرجانات لم يهملها المجلس من رعايته حيث يرعى وينظم عشرات المهرجانات سنويا وهى جميعها مهرجانات ذات وقع حاص في وجدان المثقف الكويتى والعربي عموما ومنها مهرجان القرين الثقافي ،مهرجان المسرح ، مهرجان الموسيقى ، صيف ثقافي ، مهرجان الأطفال والناشئة وصولاً إلى معرض الكتاب.

ويجب علينا هنا أن نشير إلى أن معظم منتوجات المجلس الوطنى للثقافة والفنون والأداب تتميز بعدة مميزات خاصة كان الجمع بينها امرا عسيرا ، فهى تتميز برخص السعر ، واحيانا توزع على المشاركين في الندوات الثقافية بالمجان لاسيما في الخدمات المتحفية ، ياتى ذلك رغم انها تمتاز بالجودة العالية التى تجعلها تتناسب مع طموحات المثقف العربي الواعى غير الراغب في الابتذال والاسفاف ، كما انها ايضا تتميز بالانتشار وجيازة حالة من الرضا والقبول في كل البلدان العربية.

كثيرة هى مهام المجلس الوطنى الذى تفرد اسمه بذكر تنوعها وكبرها بدءا من الثقافة التى تشمل كل فروع الوعى ثم تفصيلا إلى الفنون والآداب بفروعهاا المحسوس والملموس والمقروء والمرئي. 

قد يبدو لغير المكترث بأن الانجاز ليس كما نصوره ، ولكن في الحقيقة ليست كذلك بالمرة ، فالعمل في مجال تشكيل وعى الناس في زمن تجرفنا فيه كعرب أمواج التغريب والثقافات الوافدة التى تمتلك الراعى والممول والمخطط وصاحب الاستراتيجية والهدف ، كان لابد من البحث عن جهة عربية وطنية ترعاه دولة غنية تعمل كقوى مضادة لعوامل التغريب ، ولذلك تقدمت الكويت للحصول على هذا الشرف عبر انشاء هذا المجلس التوعوى الذى استطاع أن يصمد في وجه التدفق الاعلامى التغريبي ، ليكون واحدا من اهم عوامل الحفاظ على الذات والتطوير الداخلى للوعى عند المواطن الكويتى والعربي عامة.

لذلك فألف تحية للمجلس الوطنى للثقافة والفنون والاداب

الباحث القومى محمد سيف الدولة يكتب: هيروشيما و الحضارة الفاجرة

السطور التالية من كتاب ((قـراءة فى يوميـات هيروشيما ـ من 6 أغسطس إلي 30 سبتمبر 1945))، للطبيب اليابانى متشهيكو هاتشيا، وترجمه الدكتور/ رؤوف عباس حامد.
***
تحل هذ العام الذكرى الثانية والسبعون لأكبر وأسرع جريمة ابادة حرب شهدتها البشرية منذ بداية الخليقة.
والتى كانت من المشاهد الأخيرة فى الحرب العالمية الثانية، التى أوقعت ما يقرب من 50 مليون قتيل، اضيفوا الى الـ 20 مليون قتيل ضحايا الحرب العالمية الأولى، فى اطار الصراع الامبريالى العالمى الاجرامى على اقتسام مناطق الثروة والنفوذ والسيطرة على العالم.
ناهيك عن مئات الملايين من ضحايا عصر الاستعمار الاوروبى العسكرى المباشر منذ القرن السادس عشر حتى منتصف القرن العشرين لسائر بلاد العالم، وكذلك مئات الملايين من الضحايا من السكان الاصليين فى الامريكتين، ومن ضحايا تجارة العبيد واسترقاق واستعباد شعوب افريقيا.
***
وتحل هذه الذكرى اليوم ونحن متهمون كعرب ومسلمين بأننا شعوب منتجة ومصدرة للعنف والكراهية والإرهاب، واننا اصبحنا خطرا على العالم وعلى الشعوب الاوروبية والأمريكية الحرة الديمقراطية المتحضرة.
وتحل وقد اصبحت "ظاهرة داعش" المريبة والمشبوهة تستخدم من"السادة المتحضرين فى الغرب"، للترويج لنظرية "الشر الكامن فى بلادنا وفى ثقافتنا وفى عقائدنا". احتشدت جيوشهم وبوارجهم وطائراتهم جميعا بذريعة انقاذ العالم منه، حيث تنقل وسائل الاعلام العالمية صورا يومية بشعة عن اعمال القتل والذبح والحرق والتفجير والدهس التى يرتكبها هؤلاء الأشرار الذين ينتسبون الينا بالتجنس او بالاصل والثقافة والمرجعية الدينية.
حتى أصبحت الغالبية منا، تحت وطئة الصدمة والخجل من هذه الجرائم الارهابية، تتبنى بدون تمحيص او تفكير أو مراجعة ذات الروايات العنصرية التى يرددها الغرب عنا، متجاهلة الدور الامريكى فى زراعة ورعاية ودعم وتمويل هذه الحركات منذ الغزو السوفيتى لافغانستان، ومتجاهلة كذلك الآثار المدمرة والمولدة للعنف والكراهية، للحقبة الاستعمارية العدوانية الطويلة لبلادناالتى لم تنتهِ بعد وفى القلب منها جريمتهم الكبرى فى فلسطين، وما فيها من اذلال للشعوب، وإخضاع واستسلام للنظم والحكام العرب. وقبل ذلك وبعده متجاهلة لقرون من الارهاب والاستعباد والاسترقاق الغربى لكل شعوب العالم، وبالطبع متجاهلة الاسباب والدوافع والمصالح الاستعمارية الحقيقية الكامنة وراء مثل هذه الادعاءات.
***
الى هذه الغالبية من أهالينا الطيبيين، نهديهم هذه الشهادة اليابانية الخارجة من وسط غبار القنبلة الذرية الامريكية القذرة، وهى ليست تحليلا سياسيا أو عسكريا، وانما وصفا تفصيليا لما حدث للضحايا بأعين طبيب باحد مستشفيات هيروشيما كان شاهدا على ما جرى، لنتعرف على الوجه الحقيقى للسادة المتحضرين:
بدأت الوقائع فى 6 أغسطس 1945 بإلقاء القوات الأمريكية لقنبلة ذرية وزنها هائل هبطت بمظلتين وتم تفجيرها فى الجو قبل هبوطها على الأرض وامتلأت السماء بدخان كثيف .
لم يسمع الطبيب دوى القنبلة لأنه أصيب بالصمم المؤقت من جراء الانفجار و هو يبعد عن موقع الانفجار بحوالى 1500م و طبقا لما رواه الطبيب وهو ما سنورد نصه على لسانه فيما يلى : 
" كان جنبى الأيمن مثخنا بالجراح ينزف دما . وثمة شظية كبيرة تبرز من جرح متهتك فى فخذى وشئ دافئ أحس به فى فمى ، أما خدودى فقد تمزقت وتحسست وجهى بحذر لاكتشف أن شفتى السفلى قد شجت شجاً واسعاً وعلى رقبتى هناك شظايا متناثرة من الزجاج أخذت أزيحها بصعوبة بالغة واكتشفت إنني عارياً تماما "
وقد تبادر إلى ذهن الطبيب أنها قنبلة وزنها خمسمائة طن وحاول الوصول للمستشفى بصعوبة بالغة وفى أثناء ذلك قابلته جثث متفحمة كثيرة ليس لديها أي معالم وحتى الأحياء المصابين كانوا جميعهم عرايا من جراء القنبلة ووصل للمستشفى وشاهد الكثير من الجرحى والمصابين وكلا منهم يروى ما شاهده وتعرض له أحدهم الدكتور ( تابوتشى ) قائلاً :
" لقد كان منظراً مخيفاً . كان المئات من الجرحى الذين يحاولون الهرب إلى التلال يمرون أمام بيتنا وكان منظرهم لا تطيق العين رؤيته فقد احترقت وجوهم وأيديهم وتورمت وسلخت مساحات واسعة من جلودهم وتدلت من أجسامهم وكانوا يسيرون كصف طويل من النمل وطوال الليل استمر هذا الصف بلا انقطاع يمر من أمام منزلنا ولكنه توقف فى الصباح فوجدتهم يتراصون على جانبى الطريق بصورة جعلت من الصعب على المرء أن يسير دون أن يخطو فوقهم "
***
وشهادة أخرى يقدمها لنا أحد المواطنين المقيمين بالمدينة :
" يبدو أن معظم من ماتوا كانوا إما فوق الجسر أو تحته فقد نزل كثيرون إلى مجرى النهر يلتمسون شربة ماء ثم ماتوا هناك . وقد رأيت بعينى رأسى بعض الأحياء لا زالوا يقفون فى مجرى النهر بين الجثث الطافية ولابد أن يكون المئات بل الألوف ممن التمسوا سبيلاً للفرار من الحريق باللجوء إلى النهر قد غرقوا . وكان منظر الجنود المصابين لا يقل بشاعة عن منظر أولئك الذين طفت جثثهم وأجسادهم فوق مياه النهر – وسلخت جلودهم وبدا لحمهم لزجا متهتكا .. الخ
***
وشهادة ثالثة لأحد المصابين :
" وفى أحد الخزانات أيضا كان عدد الموتى يملأ الخزان تماما حتى أنه لم يكن هناك مكان لموضع قدم فى الخزان ويبدو أنهم لفظوا أنفاسهم الأخيرة بينما كانوا يجلسون فى الماء . وحتى حمام السباحة بمدرسة المحافظة كان مملوء بجثث الموتى ويبدو أنهم قد اختنقوا عندما كانوا يقفزون إلى الماء هرباً من النيران لأنه لم تكن تبدو عليهم أثر حروق . ولم يتسع حمام السباحة لجميع من حاولوا الدخول فيه لأن الكثير من الجثث كانت حول الحمام من كل جانب وقد تدلت روؤسها فى الماء "
***
وهناك الكثير من الروايات لشهود الواقعة وكثير من القصص الإنسانية التى سببت مأساة لكل منزل وكل أسرة فى مدينة هيروشيما ، وهى ليست قصص أو مشاهد لقطات أحد الأفلام الأمريكية ولكنها وقائع حقيقية حدثت بالفعل دليل على همجية ووحشية الإدارة الأمريكية أينما وجدت فى كل زمان بدءاً من طرد الهنود أصحاب الأرض الأصلية وحتى الآن باستخدامهم القوة العسكرية ضد العراق .
ومن خلال وجود الطبيب بالمستشفى بعد شفاءه قام بتدوين وتسجيل ملاحظات عن الصعوبات وأعراض المرض الذى أصاب الناس من جراء القنبلة وكانوا يطلقون عليها اسم ( بيكادون ) وهى تعنى بريق لامع يعقبه انفجار هائل والأعراض العامة لدى جميع المرضى كالاتى :
1) الإصابة بالصمم المؤقت والعمى لمن كانوا قريبين من مركز الانفجار .
2) معظم من كانوا قريبين من مركز الانفجار عرايا فقدوا ثيابهم تماما بسبب الانفجار .
3) ظهور حالات فقدان الشهية والمعاناة من حالات الغثيان .
4) عسر هضم مصحوب بغازات قيء وإسهال دموي .
5) ظهور بثور وبقع جلدية وقرحة فى الفم والتهاب فى الحلق ونزيف .
6) وجود أنيميا حادة .
7) الأنفاس ضعيفة جداً
8) شحوب لون الجلد .
9) ضعف النبض وسرعته بمعدل 130 فى الدقيقة .
10) ارتفاع درجة حرارة الجسم يصل إلى 41 درجة .
11) حدوث وفيات كثيرة بعد الإحساس بضيق شديد فى التنفس .
12) اكتشاف نقص حاد فى كرات الدم البيضاء ومعظمها خالى من الصفائح الدموية فالمعدل الطبيعى عدد 6 آلاف كرة بيضاء بينما كان لدى المرضى يتراوح حول 200 كرة دم بيضاء فقط .
13) نزيف دموى حاد فى الفم والمعدة والشرج .
14) سقوط شعر الرأس .
بالإضافة لذلك وجد الطبيب ومعاونوه صعوبات هائلة لنقص الإمدادات بداخل المستشفى بعد التدمير الذى تعرضت له أنحاء المدينة حيث واجهتهم صعوبة التخلص من فضلات المرضى ونقلهم ( القيء – الإسهال – وعدم وجود أدوية 00 الخ ) وصعوبة التخلص من الجثث إلى جانب رائحة الجثث وتأثير ذلك على المرض الذين ما زالوا أحياء تحت العلاج وأيضا عدم توافر مكان وأدوات لتشريح الجثث لمعرفة أسباب الأعراض لمعالجتها .. الخ .
ومن خلال تشريح إحدى الجثث ثم ملاحظة وجود التهاب بريتونى بالمعدة وترهل بالبطن نتيجة لآلام شديدة ، وفتق نتيجة حمل خارج الرحم ، تهتك البنكرياس – وجود كثير من السائل الدموى بالمعدة– وجود بقع مخاطية فى الكبد .
ومن جراء هذه الأحداث وتأثيرها على الناس داخل المدينة انتشرت إشاعة أن لا أحد يستطيع أن يسكن أو يدخل هيروشيما بعد 75 عام …
***
وفيما يلى واقعة أحد القريبين من مركز الانفجار وهى سيدة عمرها 41 عام أصيبت على بعد 1.3 كيلومتر من مركز التفجير ، قالت :
" حدث برق شديد وأصفر الجو فجأة و ارتعشت كتفى اليمنى كما لو كان اصابها ماس كهربائى . لم أدرى ماذا أفعل عندما سمعت صوتا يشبه الرعد يتردد بشكل مفزع وكأن السماء انطبقت على الأرض ".
" وعلى مدى البصر كانت مبانى مدينة هيروشيما جميعا قد تهدمت و أصبحت حطاما وأرتفع التراب الأحمر أربعة أقدام فوق سطح الأرض يا له من حادث فظيع "
" وإحدى جاراتها روت لها أنها رأت المئات والآلاف من تلاميذ وتلميذات المدرسة الإعدادية قد تمزقت قمصانهم كما تمزقت سراويل الأولاد فأصبحوا أشبه عراة وسلخت جلودهم وتشابكت فى بعضها البعض وتورمت وجوههم وأخذوا يقفزون فى النهر فتساقطوا فوق بعضهم البعض " .
***
شهادة أخرى لسيدة تبلغ من العمر 33 عام ، أصيبت على بعد 1.7 كم من مركز التفجير :
"لا أتذكر أيهما كان الأسبق الضوء أم صوت الانفجار الذى زلزل هديره رحمى ، وما لبث أن أدركت أن رائحة الهواء أصبحت كريهة فتناولت منديل لأحك أنفى وفمى بقوة ظنا منى أن ما القى علينا قد يكون قنابل الفسفور الأصفر الحارقة ولكن صدمت حيث وجدت جلد وجهى قد تساقط على المنديل . آه .. لقد حدث نفس الشيء ليدى وأرجلى أيضا و تدلى جلد يدى اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع ببشاعة كذلك كان الحال بالنسبة ليدى اليسرى وأصابعها الخمسة " .
وما رأيته خلف الجسر صدمنى فقد كان المئات من البشر يتلوون فى مجرى النهر ولم استطع أن أتبين ما إذا كانوا رجالاً أم نساء فقد كانوا جميعا متشابهين وجوههم متورمة رمادية اللون ، شعرهم منتصب ، وكان الناس يندفعون إلى النهر رافعين أيديهم إلى أعلى يئنون من الألم ، أحسست بنفس الرغبة مدفوعة الألم الذى استشرى فى جسدي بعد تعرضه لإشعاع حراري على درجة من القوة كانت كافية لحرق سراويلي .
وعندما عبرت جسر كوجن لم استطع التعرف عليه فقد كان سوره المقام من الحديد المسلح لا وجود له . وأصبح الجسر آيلا للسقوط غير مأمون الاجتياز وكانت تطفو تحته الكثير من الجثث التى تبدو كأنها جيف كلاب أو قطط عارية تماما من الثياب إلا من بعض الخرق البالية . وكان ثمة امرأة ترقد فى المياه الضحلة القريبة من الشاطئ ووجهها للسماء وقد تمزق ثدياها وانبثق منها الدم ، ياله من منظر مريع كيف يحدث مثل هذا الشيء الفظيع فى العالم .؟ أن الحكايات الخيالية المفزعة التى كانت تقصها على جدتى بدت متواضعة بجانب ما أراه ماثلا أمام عينى ."
*****
القاهرة فى 7 اغسطس 2016