20 أكتوبر 2010

التعليم فى مصر.. العدد فى الليمون


سيد أمين

منذ أيام قرأت تقريراً عن التعليم في مصر لعل كل ما أثارني فيه فعلق في ذاكرتي تأكيد الباحث على أن الصين وهى الدولة ذات المليارى نسمة تقريبا قامت جامعة بكين "العاصمة" فيها بتخريج نحو 40 ألف طالب منذ إنشائها في حين أن جامعة القاهرة قامت بتخريج نحو 128 ألف طالب رغم أن عدد سكان مصر نحو 1 من 20 تقريبا بالنسبة الى عدد سكان الصين.

وأردف الباحث معلقاً " العدد في الليمون " بمعنى أن كم الخريجين لا يعنى بالضرورة أنهم متعلمين .

ان مراقباً جيداً للحالة التعليمية فى مصر يستطيع أن يجزم أن المليارات التى تنفق عليه قد ذهبت هدراً و أنه لا يمكن لوطن يعلم أولاد بتلك الطرق وهذه الوسائل والمناهج أن يحقق نجاحاً ولا يضع تعليماً مفيدا.

فالمناهج التي انتقدوا فيها من قبل اعتمادها على الحفظ تحولت إلى مواد يعتمد فيها على "الصدفة " اى ان اجابات الطالب تعتمد على الصدفة لا الوعى، وفى كلا الحالتين يغيب الفهم وإن كان الحفظ قد ينتج فهما فيما بعد.

وكادر المدرسين الذي ملأت به وزارة التربية والتعليم الدنيا ضجيجاً كرافع لمهارات المدرسين واعتبرت أنه بتنظيم امتحانات الكادر له ستكون قد رفعت من مستواه ، هو اجراء فاشل ايضا , حيث يؤكد المدرسون الذين اجتازوا هذا الكادر بأنهم دفعوا الرشا للمراقبين وأن اللجان كانت "بوظة".

فضلاً عن ان العديد من المدرسين فى المدارس والمعاهد الخاصة هم أساساً لا يجيدون القراءة و الكتابة بشكل يمكنهم من تعليم آخرين بالإضافة إلى أن ما يتقاضونه من راتب يعتبر "وصمة عار" ليس في جبين وزارة التربية والتعليم فقط ولكن للعامل والعمل فى مصر بشكل عام .

المشكلة أن قد لا يمكن لمدرس يتقاضى راتبا لا يكفى لثلاثة أيام أو ربما أسبوعياً في أفضل الأحوال و اختير بهذا الشكل أن يعلم أحد فضلاً عن كونه أصلاً غير مؤهل للتدريس .. علماً بأن العديد من المدرسين لا يحملون مؤهلات عليا .

أليس العدد في الليمون كما يقولون .

وفى الواقع وبحكم عملي و معايشتي لأعداد من خريجي الجامعات اليوم أكاد اجزم أن الغالبية من هؤلاء الطلبة فاشلين وانهم حرموا من ابسط مسلمات العلم بحيث أنهم لا يجيدون الإملاء - أي القراءة و الكتابة - وليس الوصول لإجادة العلوم و الفنون !!

لقد تولدت بداخلي قناعة أن العملية التعليمية في مصر برمتها فاشلة و تحتاج إلى إعادة بناء بحيث يراعى فيه تغيير المناهج وربطها بثقافة الشعب الأصيلة عربياً وإسلامياً و تغيير أحوال المدرسين المادية بحيث يتم الانفاق عليهم بما يفرغهم تماما للإبداع والعطاء في المدارس والابتعاد عن الدروس الخصوصية فضلاً عن تبسيط المناهج بما يكفل سرعة التحصيل و كثافة المعلومات وهو الأمر الذي من شأنه أيضا القضاء على الكتب الخارجية .

ومما أثار حزني الشديد ما تناقلته الصحف من أنباء عن تلاميذ و طلاب يقومون بالاعتداء على مدرسيهم أو مدرسين يقومون بإجبار تلاميذهم على أفعال غير لائقة .

اندهشت مما انقلبت إليه الأحوال فى مدارس مصر خاصة بعدما عرفت أن قطاع كبير من اصحاب المدارس الخاصة يقومون بتعيين حملة الدبلومات الفنية المتوسطة فيها كمدرسين للتلاميذ ويقوم مدير المدرسة كل عام برشوة مراقبي امتحانات مراحل الشهادات من أجل أن يسمحوا بالغش وعادة ما يجمع ناظر المدرسة قيمة الرشوة من أولياء الأمور ومن لا يدفع يرسب!ّ!

نعم .. يقوم مسئولو المدارس بتعيين منخفض الكفاءات والمؤهلات كمدرسين لاسيما الفتيات نظراً لانخفاض أجورهن بحيث يصل مرتب الفتاة نحو 200 جنيه شهرياً فضلاً عن قيامهن بالتوقيع على استقالة مسبقة وشيك على بياض لضمان عدم إتلاف أية منقولات بالمدرسة أو لتجنب أية مشاكل أخرى يحدثنها ، و بالطبع تقبل الفتيات هذا الواقع نظراً لأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان ولأنهن يردن الخروج من أجل تحسين فرصهن فى الزواج نظراً لمستويات العنوسة العالية.

هذا بالنسبة للمدارس الخاصة أما المدارس الحكومية وإن كانت أفضل تعليما إلا أن التلميذ قد لا يجد منضده او حتى كرسي يجلس عليه وإن وجده فأرباب الأسر يتخوفن من انتقال سلوكيات سيئة من تلاميذ لاسر من ذوى الحالة الاجتماعية المنخفضة .

اننى فى الحقيقة افخر بان المدرس كان ملاكاً فى ايامنا وكان معلما حقيقيا فى حين اننا كنا كطلبة نجله ونحترمه لدرجة القداسة.

اما الان فلا يوجد تعليم جيد ولا طالب جيد ولا مدرس جيد ولا مدرسة جيدة ولا مناهج جيدة ولا اسر جيدة.

أنا لازلت أتذكر الأستاذ محمد فراج مدرس اللغة العربية في مدرسة عزبة البوصة الثانوية بأبوتشت لقد كان جهبذاً في اللغة العربية جعلني وغيري من أقراني نعشقها ونرتدي ردائها ونفهم عميق معانيها وسامي ألفاظها ولازلت أيضاً أتذكر الأستاذ عبد اللاه محمد عبد اللاه مدرس التاريخ والجغرافيا وهو الشخص الذى اقسم بالله انه لم يكن إلا مؤرخاً كبيراً يعادل أفضل مؤرخي مصر .. وهو الذي علمنى ان قراءة التاريخ هى قراءة في المستقبل .. بل انه قراءة فى السياسة والفلسفة والدين والاجتماع والاقتصاد .

هل يمكن أن نجد من بين المدرسين الجدد الآن من هم بكفاءة الأستاذ محمد فراج و عبد اللاه محمد ؟

أنا لا اعتقد

إنني حقاً أدين لهما بالكثير واعترف إنني لطالما تذكرتهما لعدة مرات قبل نومي إلا أنه ما أن يأتي الصباح إلا و تأخذنا دوامة الدنيا.

Albaas10@gmail.com

Albaas.maktoobblog.com