07 يوليو 2011

يوم أن عاد الرئيس ...

يوم أن عاد الرئيس ... بقلم - سيد أمين

هذا الصباح، رأيت فيما يري النائم، وأحسست فيما يحس المتيقظ، أن مبارك قد عاد إلينا مرة أخري، وكان صوت المذيع في القناة الأولي بالتليفزيون المصري .. يسرد تفاصيل الاستعدادات لإلقاء خطابه الأول علي الشعب .. ويردف أن الرئيس سيكشف تفاصيل المؤامرة الكبري التي تعرضت لها البلاد الأشهر الماضية.
مرت اللحظات ثقيلة، حبلي بالتساؤلات، مفعمة بالتشاؤم والمخاوف .. وكدت أسمع نبض قلبي يدق بسرعة وكأنه طاحونة أهمل صاحبها صيانتها .. وتركها تسري إلي مصيرها المحتوم، فركت عيني، بل ضربت بيدي علي اذني .. علّي لم أفصل بعد بين الحقيقة والسراب، وودت لو كنت لازلت نائمًا، وأن ما أسمعه ليس إلا كابوسًا يأخذ وقته وأستيقظ منه.
أدرت محرك القنوات علي التلفاز الذي تركته مفتوحًا ليلة البارحة ورحت أغط في نوم متقطع وأنا أتابع أحداث ميادين التحرير، وكيف واجهت قوات الأمن المتظاهرين بقوة مفرطة.
تباعدت القنوات وكأن لم أعرف مكانها إلا أنني عثرت بالتأكيد علي بعضها، محللون وسياسيون يرجئون تعليقاتهم إلي ما بعد خطاب الرئيس، صوت مذيع الـ»بي.بي.سي« الأجش ينقلنا إلي بث مباشر للخطاب.
كان الرئيس مبارك كعادته يمشي معتزًا بنفسه بين صفوف المهللين له من أعضاء مجلسي الشعب والشوري، ركزت الكاميرا علي وجهه وهو يحاول تصنع الابتسامة ويلوح بيده للحضور، حاولت في تلك اللحظات تفرس ملامح وجهه لعلي أفرق بين ما هو إنساني فيها وما هو وحشي، علِّي أغلب إنسانيته وأبدد الخوف المتصاعد بداخلي، لكن ذلك للأسف لم يشفع، حيث وجدت شبهًا قريبًا بينه وبين النمر الذي يبتسم بعدما تمكن من فريسته، وراح الخوف يتزايد أكثر وأكثر بداخلي.
كان الرئيس قد اعتلي المنصة وكانت هتافات »الهتيفة« من جوقة »الحزب الوطني« لا تتوقف »بالروح بالدم نفديك يا مبارك« .. و»اخترناك اخترناك أبدًا أبدًا لن ننساك« .. وأخذ هتاف قوي يتصاعد »الموت للعملاء .. الموت للعملاء« وبالطبع كانوا يقصدون الثوار الذين أنا واحد منهم كما هو الشعب كله.
وهنا اعترتني رجفة شديدة وتذكرت خطابه في قناة »العربية« وتسألت تري ماذا سيفعل بنا مبارك .. قد يكون نصيبي أ يسلخ وجهي أو يعلقني كذبيحة علي مدخل أحد سلخانات شرطته.
خفتت الهتافات وبدأ الرئيس خطابه "أيها الاخوة المواطنون" هنا قلت في نفسي ربما يقصد" أيها الضحايا القادمون"وأخذت أحاول ترقب كل كلمة سيقولها وانتزعها ليس من شفتيه ولكن من عينيه وحركات يديه، واستطرد " لقد اجتازت البلاد فترة عصيبة .. محاولاً تقمص شخصية الزعيم عبدالناصر ـ حاول فيها مأجورون من القلة المندسة بين الشعب اعتلاء المشهد السياسي في مصر والزج بها في أتون فوضي عارمة لصالح جهات أجنبية لا تريد لمصر وشعبها الخير".
وأردف "لقد كنا لهم بالمرصاد حتي أوقعناهم في الحفرة التي حفروها للبلاد .. وقضينا علي معظمهم واكتظت السجون بفلولهم".
واستطرد الرئيس "لقد عرفتموني منذ سنوات عديدة، وفيا لمصر، أمينًا علي مصالحها القومية، حريصًا علي استقلالها .. مدافعًا عن كرامتها وها أنا الآن أثبت لكم كما أثبتُّ في حرب أكتوبر المجيدة أنني قادر علي الانتصار في معركة الداخل كما انتصرت في معركة الخارج".
وتابع " أن فلول جماعة الإخوان المسلمين المحظورة بموجب القانون الذي أنتم شرعتموه وحركات كفاية و٦ أبريل وجمعية التغيير وغيرها من حركات طفيلية مأجورة سقطت في شر أعمالها".
»وهاهو البرادعي وعبدالحليم قنديل وجورج إسحاق ومحمود الخضيري وزكريا عبدالعزيز والبسطويسي وأحمد بلال وعلاء الأسواني وبلال فضل ويسري فودة وممدوح حمزة ومحمد الأشقر وعمرو مصطفي ومحمد البلتاجي وخالد يوسف وغيرهم من شراذم الناس يصلون سعيرًا في الدنيا كما سيصلونها في الآخرة".
وكشف مبارك في خطابه المقتضب والتاريخي ـ علي حد وصف الإعلاميين فيما بعد ـ تشابك مصالح عناصر من دول خارجية ضد مصر وقال " ولا أخفيكم سرًا أن تحقيقات موسعة جرت كشفت عن تشابك عناصر متعددة في تنفيذ تلك المؤامرة علي البلاد منها إسرائيل وأمريكا وساحل العاج« ثم لاحظ الرئيس حالة من الوجوم بدت علي وجوه الحاضرين من ذكر اسم ساحل العاج فأردف يقول »نعم ساحل العاج التي أرادت نشر الفوضي في مصر حتي لا يتمكن منتخبنا القومي من المشاركة في كأس الأمم الافريقية".
وتابع "وكذلك تلاقت مصالح داخلية للفئات المندسة مع مصالح خارجية تمثلت في محاولة نقل البلاد إلي النموذج "الديمقراطي" للبلاد الغربية الكافرة مع ان الله يقول في محكم كتابه " وجعلنا بعضكم فوق بعض درجات" وأن مبدأ " المساواة" الذي ينادون به هو في حد ذاته "الشيوعية"التي لا يقرها عقل ولا دين ولفظتها بلدانهم أنفسها قبل أن تنتقل إلينا علي يد تلك القلة".
ثم واصل الرئيس قوله " لهذا وذاك كانت مساعينا السابقة والمستمرة لتسليم البلاد إلي أيد أمينة حريصة علي مصالح الشعب، تقطع كل يد عابثة بأمنها القومي وكان جمال مبارك واحدًا من أهم الشخصيات التي رشحتموها وائتمنتموها علي حمل الأمانة كما حملها والده من قبل، وأنا هنا أؤكد انه لا حكم إلا بانتخابات حرة ونزيهة تسودها روح الشفافية وبارادة شعبية خالصة".
وتابع "وفي نهاية حديثي لا يمكنني إلا أن أحيي الشرفاء الذين وقفوا ضد المؤامرة الدنيئة للنيل من البلاد وفي مقدمة هؤلاء اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية".
هنا علت هتافات التحية لحبيب العادلي فنهض لرد تحيتهم وقد بدا أسفل بزته العسكرية حذاء" كزلك" كهذا الذي يرتديه الجزارون وانفرطت سكين كبيرة كانت معلقة بسلسلة في خاصرته وأخذت تقطر دمًا.
فيما راح أحمد عز وأحمد المغربي وفتحي سرور وصفوت الشريف يتراقصون من حوله وقد لمحت ضحكة تشفٍ تظهر من فم أحمد نظيف الذي ظهر جليا بين الراقصين.
وأنهي الرئيس خطابه بسرد أهم وقائع الفخار الوطني التي مرت بها مصر وقال:"لقد احتازت البلاد اختبار التنمية بنجاح وشيدت أكبر شبكة للصرف الصحي في التاريخ، وطاردت منتخب الجزائر في السودان بعدما طردته من مصر شر طرده، وانتجت مدينة الإنتاج الإعلامي سلسلة مطولة من الأعمال الدرامية التي بهرت العالم وجعلت من مدينة أكتوبر هوليوود مصر".
وأضاف "وشعب صنع تلك المعجزات قادر علي أن يستكمل المشوار في مسيرة نجاحه الطويلة والسلام عليكم ورحمة الله".
وهنا زغردت النساء وتعالت الهتافات "بالروح بالدم نفديك يا جمال".