14 يناير 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: ملاحظات على زيارة عيد الميلاد

· لا بأس أبدا فى أن يقوم كبار رجال الدولة بزيارة الكاتدرائية المرقسية فى احتفالات عيد الميلاد، طالما يؤدى ذلك الى ادخال الرضا والسعادة الى قلوب قطاعات كبيرة من اخوتنا المسيحيين، حتى وان كنا نعارض النظام ونختلف معه حتى النخاع.
· ولكن "كل البأس" من كل هذا النفاق والمبالغة والتضخيم الاعلامى الزائد عن الحد للزيارة، وتناولها وكأنها عملا اسطوريا غير مسبوق، ومبادرة متفردة، وعبقرية فذة، ونفحة من السماء. ففى ذلك اساءة بالغة للجميع، لمصر وللمسلمين والمسيحيين معا. وكأن حال المسيحيين فى وطنهم قبل هذه الزيارة شديد البؤس، وكأنهم يعيشون معزولين مهمشين محتقرين غير معترف بهم. الى ان نزل عليهم منقذهم الاوحد من السماء لا ليعطيهم كامل حقوقهم، وانما ليتعطف عليهم "بزيارة" ليس اكثر وليس اقل.
· ومن ناحية اخرى فانه لا يصح ولا يليق المتاجرة والتوظيف السياسى لمثل هذه المناسبات الكريمة، سواء على المستوى الداخلى او الخارجى. فلقد تم توظيفه داخليا بمنطق ((نحن افضل من الجميع فلقد فعلنا ما لم يفعله أحدا من قبلنا))
· أما على المستوى الخارجى فلقد قالها السيسى صراحة ((عايزين العالم يشوفنا))، وكأنه يرغب فى شحن رصيده لدى الغرب متفاخرا بانه معبود المسيحيين وحاميهم، وهو أمر جارح للكرامة الوطنية التى تكره وتمتعض وتتشكك فى أى مشروعية يهبها الخارج للحكام والأنظمة.
· والحقيقية ان توظيف كل شئ فى حياتنا فى الصراع السياسى والاستقطاب الحاد الضارب فى اعماق المجتمع المصرى اليوم، هو جرثومة بغيضة ومكروهه ومرفوضة وضارة بالجميع. وأصبحت عادة نراها كل يوم. وآخرها كان فى الاحتفالات بذكرى حرب اكتوبر.
· والحقيقة أيضا اننا جميعا نحرص على تبادل التهانى مع اصدقائنا من المسيحيين فى اعيادنا او اعيادهم بدون ان يشعر اى منا بأنه يفعل شيئا استثنائيا او زائدا او متفردا او يستوجب التباهى به امام الاخرين او الدعاية له أو التنويه عنه. كما أن كبار رجال الدولة لم يكفوا أبدا عن تبادل التهانى والزيارات على امتداد الزمان.
· ومن ناحية اخرى فان التوظيف السياسى المضاد للزيارة ايضا غير مقبول وغير لائق من قبل معارضى النظام، الذى قاموا بالتشهير بالزيارة من حيث ان فيها انحيازا الى المسيحيين على حساب المسلمين، وعقدوا المقارنات بين الروح الايجابية للزيارة وبين روح الهجوم والنقد فى خطاب المولد النبوى الشريف. وتمادى البعض فى التعبير عن غضبه بتوجيه النقد الى الزائر والكنيسة معا.
· هذا رغم اننا لا يجب ان نحاسب الاخوة المسيحيين على مواقف النظام، ويجب ان ندرك انهم مثلهم مثل المسلمين بينهم اختلافات فى الانحيازات والانتماءات والمواقف السياسية، وفيهم المؤيد والمعارض، الحر والمنافق. وهم ايضا مثلنا تماما مخترقون من اجهزة الدولة العميقة. ومؤسساتهم الدينية تماثل مؤسساتنا من حيث انها جزءا لا يتجزأ من النظام.
· كما انه ليس دقيقا الحديث على أن هناك اجماعا مسيحيا يبارك العصف بالتيار الاسلامى. وحتى لو افترضنا صحته، فهو يستحق الفهم والتحليل والمعالجة اكثر مما يستدعى الاستياء. فلا يمكن ان تستوى الامور لتيار ترفضه وتخشاه غالبية المسيحيين، مهما بلغت درجة شعبيته لدى المسلمين.
· وهناك ايضا من أفتى بان الزيارة محرمة ومرفوضة شرعا، الى آخر هذا اللغط "الطائفى" الذى يخرج الى السطح مع كل مناسبة مسيحية.
· والطائفية هى النقيض المباشر للوطنية، فان كانت الطائفية تعنى وضع الجامعة الدينية فى مواجهة الجامعة الوطنية وفوقها، فان الوطنية تعنى الانطلاق من مبدأ الانتماء المشترك الى الوطن كحقيقة موضوعية ثابتة تاريخيا ودستوريا ومقبولة دينيا وسائدة عالميا. والوطن بالتعريف هو الارض "المشتركة" التى استقر عليها الشعب عبر التاريخ ودافع عنها ضد المخاطر والغزوات الخارجية، فاختص بها دونا عن غيره من شعوب الارض، وانتج عليها حضارة خاصة اهم عناصرها هى وحدة اللغة والتاريخ والمصير ووحدة الظروف المشكلات والإمكانيات.
· ولا يوجد وطن فى العالم يقتصر على اصحاب ديانة واحدة، كما انه لا يوجد وطن عالمي موحد لاصحاب اى دين واحد، سوى ما ينادى به الكيان الصهيونى من دولة لليهود فقط.
· ولو اختلط الامر على أحد، فأراد التعامل مع مسيحى مصر كأقلية دينية، وأراد اخضاعهم لمعايير دين الأغلبية وليس لمعايير وطنية او دستورية، فما عليه الا ان يطبق ذات القاعدة على الاقليات المسلمة فى بلاد العالم فى فرنسا او امريكا او الهند او الصين. وعليه ان يطالب للمسيحيين هنا بمثل ما يطالب به للمسلمين هناك. فان أراد دليلا من الشرع، فليراجع "الصحيفة" التى كتبها الرسول صلى الله عليه وسلم لتنظيم العلاقة بين شعب المدينة (يثرب) من المسلمين واليهود فى وطنهم المشترك.
· وفى الختام خالص التهانى للجميع وكل عام والمصريين بخير بمناسبة العام الجديد، وكل عام والمسلمين بخير بمناسبة المولد النبوى الشريف وكل عام والمسيحيين بخير بمناسبة أعياد الميلاد .
*****

ليست هناك تعليقات: