أتراها لما سكن إليها وسكنت إليه ، لم يدر بعقليهما أن الكون كله يتسع لهما وحدهما في هذه الجنة الصغيرة الكبيرة ؟، وترى هل كان بالجنة حوريات رآها آدم؟ وهل خطر بعقل حواء أن ثمة رجال آخرين سيعمرون الكون من صلبهما؟ وهل تتكرر قصتها مع حواء جديدة وآدم آخر ؟
وهل دار بعقله أن يسأل الله حواء أخرى جديدة ليقارن بها زوجته هذه؟
وأغلب الظن أنه لم يفكر بذلك كله ، بل أعتقد أنه ربما شغلته حواؤه هذه عن كل خاطر بالنساء ، ربما لأن الكيمياء التي كانت بينهما هي من سهلت إحكام هذه العقدة الأبدية بينهما ألا تحل ، فهو بالنسبة لها أب وأخ وزوج وأم خرجت منه دون ولادة ، فكل هذه الروابط كفيلة بأن تجعلها دائما وأبدا مشدودة إليه ،
وأظنه لم يفكر مطلقا أن يطلب من الله زوجة أخرى ، ذلك أنه الكل الذي يحن دائما وأبدا لجزئه المنفك عنه حنين قطرة لفم السقاء الذي انسلت منه.
وربما كان حبهما الطاهر هذا هو الطريق الذي نفذ إليهما منه الشيطان ، فكل يوم يمر عليهما في الجنة تتعاظم فيه نبل أحلامهما وطهر مشاعرهما وتنمو فيه سعادتهما فسرعان ما تتبدل الأدوار بينهما فتصير هي أمه ويصير بين يديها طفلها وتحن لأخ يحنو عليها فتجده نعم الأخ وتفرح بلقياه زوجا فيغمرها بطوفان من المشاعر ,
والحق أنها منذ اللحظة الأولى لخروجها منه راقبته طويلا وكأنها تنحت روحه في كيانها فكانت لا ترفع عينيها منه أينما توجه ، وهو وجد فيها عالما من السحر والجمال والبهاء ، إنه لا يفكر في شيء إلا وكانت وحدها من يسعى لتلبيته دون أن يطلبه ،
فقد كانت عيونهما كفيلة بأن تشي بكل خاطرة تثور في نفسه لتكون منيتها في الكون
ولكن هاجس الأبدية والخلد الذي نفذ الشيطان إليهما منه فكرة معقدة حقا ، فهل يدوم حبهما ؟ ولأنهما بحكم الفطرة التي رسخت فيهما تأكدا أن لكل شيء بدء لابد أن يكون له نهاية واسترجع آدم علمه أنه سيعيش ألف عام ثم يموت ، تراها تعيش معي أم تسبقني فأعيش وحيدا من دونها ؟ وهل يتحمل أحدنا فراقه لنصفه الجديد ؟
آلاف الفكر نفذ الشيطان منها إلى قلبيهما الطاهر النقي ، وأياً كان ما وسوس به إليهما فقد فقدا بهذه الأفكار ما كانا يشعران به من هناءة في جنتهما الصغيرة
إنها تلك الشجرة التي ترونها ، نعم الحل السحري لكل المشكلات
شجرة الخلد وما أعظمها من فكرة لها بريق السحر ، وأسوأ الفروض فيها أننا سنكون معا حتى وإن أصابنا شر فقد أتحدنا ولن نفترق بعد اليوم
ولأنهما يثقان بنقاء فطرتهما وثقا في المجهول وعولا عليه أن يخرجهما من حيرتهما النفسية ، لكن آدم بحكم أنه مجرب عالم ذكرها بوصية الله له ألا يأكل من هذه الشجرة وإن كانت الفكرة قد استغرقته بالكلية ,وقام المجهول بالأكل منها أمامهما . إنه لم يمت ربما كان محقا . ثم قررا أن يخوضا هذه التجربة ، إن حلمينا في الخلود يستحق المجازفة ولتكن قضمة صغيرة ، وما عساها أن تكون إننا تعاهدنا على التوحد فلا فرقة بعد اليوم ، إننا لم نفكر لحظة أن نعصي الله فيما أمرنا ، تقدم وأمسك الثمرة وشقها .تحركت يدها ويكاد الشوق يقتلها لترى النتيجة الحاسمة لما يفعلان ، وتحركت أحشائهما لأول مرة. رآها على غير ما عهدها عليه رآها شريك في الإثم ورأته متهاون في زجرها عن الزلل وأخذت الجنة تضيق وتضيق بهما وكلما مرا بمكان لهما به ذكريات أنكرهما. لا لستما من كانا هنا بالأمس فاستوحشا فيها وضاقت الجنة بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ، وتبسم المجهول لقد ضيعتما فرصة الأبدية بعصيان أمر الله فلا موت في الجنة ولا شقاء فيها لكنكما من أتعبتما نفسيكما بالبحث عن مجهول معلوم إن جنتيكما في قلبيكما الصغير وهيهات هيهات أن تعود إليكما ، والخلد للطهر في أحلامكما أينما كان الإنسان ،
"اهبطا منها بعضكم لبعض عدو" ، وأما قصة الخلد فكان الحكم واضحا "ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين"
a.elhamed29@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق