لا تحزن أخى الحبيب من اساءة هذا الاعلامى او ذاك، فالشعب المصرى بكل تياراته الفكرية وقواه الوطنية يكن لكم كل مشاعر الفخر والود والحب والاحترام .
ان فلسطين فى قلب كل مصرى وكل عربى بل أتصور انها أصبحت فى قلب كل حر شريف فى العالم بعد ملاحم الصمود والبطولة التى خاضها الشعب الفلسطينى فى مواجهة كل هذه المذابح الصهيونية التى لم تتوقف منذ قرن من الزمان.
ولو كان الأمر بيدنا لوجدتمونا معكم كتفا الى كتف فى مواجهة الاحتلال الصهيونى واعتداءاته المتكررة، ولكسرنا الحصار المفروض عليكم فورا، ولأسسنا تحالفات شعبية عربية للقتال معكم بدلا من التحالفات الدولية التى تحشد فيها أمريكا أنظمتنا العربية لاستكمال حملاتها الاستعمارية على أوطاننا. ولفتحنا معابرنا وحدودنا معكم مثلما كنا نفعل على امتداد قرون طويلة، ومثلما تفعل دول الاتحاد الاوروبى مع بعضها البعض، او على اقل تقدير كنا سنفتح معبر رفح كما نفعل مع معبر السلوم. ولكنا فتحنا جامعاتنا ومدارسنا لاستقبال لأبنائكم مجانا كما كان الوضع عليه قبل كامب ديفيد. ولو كان الأمر بأيدينا لرأيتم شوارعنا ومياديننا تنتفض غضبا ضد العدوان الصهيونى الاخير، وضد استباحة المسجد الاقصى وإغلاقه، كما كانت تفعل على الدوام.
***
· أخى الحبيب، لقد تربى كل مصرى فى مدرسته أو فى بيته على ان الأرض الواقعة شرق الحدود المصرية اسمها فلسطين وليس اسرائيل، وعلى ان فلسطين هى الصديق وإسرائيل هى العدو، وعلى ان مصر وفلسطين تنتميان الى امة عربية واحدة، وهوية حضارية واحدة، وان حلمنا الأكبر هى توحدنا جميعا كما كنا دائما على مر التاريخ، فى ظل دولة عربية واحدة، تجمعنا وإياكم وباقى الشعوب العربية، بل أن كل دساتيرنا نصت فى مادتها الاولى على هذا الهدف.
· كما تربينا على ان المشروع الصهيونى يستهدف الجميع، يستهدف مصر بقدر استهدافه لفلسطين، بل ان هدفه الأصلى هو فصل مصر والمغرب العربى عن مشرقها، للحيلولة دون وحدتهما. وأن مأساة فلسطين الحقيقية تتمثل فى موقعها الجغرافى الذى يمثل أضيق نقطة فى الارض العربية لوقوعه بين البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط.
· ويدرس أولادنا فى مدارسهم ايضا ان اهم انتصاراتنا التاريخية هى تلك التى خضناها لتحرير القدس وفلسطين وكل ساحل الشام من الإمارات الصليبية، وأن اعظم معاركنا كانت على أرض فلسطين فى حطين وعين جالوت.
· ولا يزال صلاح الدين الايوبى يحتل مرتبة القائد والبطل التاريخى الأعظم لدى كل المصريين والعرب رغم مرور أكثر من ثمانية قرون على انتصاراته، ولا نزال نفتخر حتى يومنا هذا بهذه الحقبة من تاريخنا، ونستلهمها فى أحلامنا عن المستقبل.
· ويعلم شبابنا جيدا أن هزيمة الجيوش العربية فى حرب فلسطين 1948، كانت هى السبب الرئيسى فى سقوط والأنظمة العربية الحاكمة حينذاك، وتفجر حركات التحرر الوطنى بقيادة مصر .
· ويعلمون ان الهدف الرئيس لعدوان 1967 كان هو اخراج مصر من المعركة ضد اسرائيل وعزلها داخل حدودها. وان الشعوب العربية لم تستسلم فاجتمع قادتها فى الخرطوم ليتعاهدوا على مواصلة المعركة، وعلى رفع شعارات لا للصلح أو التفاوض مع اسرائيل ولا للاعتراف بها.
· ولا نزال نفتخر كل عام بحرب اكتوبر ونحيى ذكرى انتصارنا على عدونا المشترك الذى لا يزال يحتل فلسطين الحبيبة. ولا نزال نحنق ونغضب على سرقة هذا النصر الذى حدث فى اتفاقيات السلام، التى اعترفت بموجبها مصر الرسمية باسرائيل وتنازلت لها عن فلسطين 1948، وتركتكم وحدتكم تواجهون عدونا المشترك.
· وهو السلام الذى رفضت غالبية الشعب المصرى قبوله والتعايش معه، حتى ان قادة اسرائيل يشتكون ويعترفون كل يوم بان السلام مع مصر هو سلام بارد بين الحكومات فقط، وان الشعب المصرى يرفض التطبيع ويقاومه. وبالفعل لا يستطيع اى اسرائيلى، حتى اليوم، ان يعلن عن هويته الحقيقية حين يتجول فى شوارع القاهرة.
· ان الشعب المصرى عبر أجياله المتعاقبة، كان يحكم على حكامه ورؤسائه وفقا لموقفهم من قضية فلسطين، فمن ينحاز لها فهو بطل قومى حتى لو خسر معركة حربية، ومن ينحاز الى اسرائيل يفقد شرعيته الوطنية فورا.
· وكانت معارك الشعب الفلسطين ومقاومته، لها بالغ الأثر فى تكوين الحركة الوطنية المصرية عبر أجيالها المتعاقبة، فكانت صابرا وشاتيلا 1982، وانتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الاقصى 2000 ، والعمليات الاستشهادية، وحرب تموز 2006 ، والرصاص المصبوب 2008، وعامود السحاب2012، والعدوان الأخير، كانت كلها محطات تحول كبيرة فى الحياة السياسية المصرية بما كانت تضخه كل مرة من آلاف الشباب المصرى البسيط الذى قرر ان يقتحم مجال العمل الوطنى والسياسى لأول مرة فى حياته متأثرا بوحشية الجرائم الصهيونية وبصلابة الصمود الفلسطينى. ومصدوما من الصمت أو التواطؤ الرسمى العربى.
· واهم المفكرين والشخصيات السياسية فى مصر، بنت تاريخها ومكانتها بين الناس استنادا الى مواقفها الصلبة فى مواجهة اسرائيل و كامب ديفيد والتطبيع.
· بل ان الموقف من قضية فلسطين ورفض الاعتراف باسرائيل والموقف من الصراع العربى الصهيونى هو باب ثابت فى برامج غالبية الاحزاب والتنظيمات والجماعات السياسية فى مصر. كما أن احد المطالب الرئيسية التى تَجمِع عليها كل القوى الوطنية الحقيقية فى مصر هو الغاء كامب ديفيد، واسترداد مصر الذى خطفها الأمريكان والصهاينة.
· ولا تزال القضية الفلسطينية ومناهضة الكيان الصهيونى، هى القضية الوحيدة القادرة على توحيد الجميع.
· وتشهد ساحات القضاء الادارى على الدعاوى والقضايا الفردية أو الجماعية المرفوعة من مواطنين مصريين ضد الحكومة المصرية، لإسقاط كامب ديفيد، أو لمنعها قوافل الدعم والإغاثة او لتصدير الغاز المصرى للعدو الاسرائيلى.
· وتشهد شوارع القاهرة وميادينها على حرق أعلام اسرائيل. ويشهد ميدان التحرير على رفع أعلام فلسطين جنبا الى جنب مع الاعلام المصرية فى أيام الثورة الاولى.
· وتشهد القاعات العامة فى النقابات والأحزاب على مئات المؤتمرات والمحاضرات الداعمة لفلسطين والمقاومة والرافضة لاسرائيل وكامب ديفيد.
· ان مئات من النشطاء السياسيين كانوا ضيوفا على السجون والمعتقلات المصرية على امتداد 40 عاما بتهمة العداء لاسرائيل وكامب ديفيد ونصرة فلسطين.
· وقبل الثورة المصرية لم يكن لنا شهداء سوى أولئك الذين سقطوا على أيدى العدو الصهيونى فى الحروب المتعاقبة.
· ان شبابنا بعد الثورة لم يحاصر أو يقتحم سوى سفارة واحدة هى سفارة اسرائيل، وكان اول حصار لها يوم 8 ابريل 2011 بعد اول عدوان صهيونى على غزة بعد الثورة المصرية.
· ان مصر عامرة باللجان الأهلية للإغاثة ودعم الانتفاضة والمقاومة والقدس والاقصى. وكلنا نتذكر سيل قوافل الدعم والإغاثة التى انطلقت من مصر الى غزة بعد عدوان 2012 .
· والى يومنا هذا تشكل أقسى تهمة أو سبة يمكن أن يتراشق بها الخصوم السياسيين فى مصر، هى الاتهام بالصهيونية.
· وفى مصر تمت أكبر عملية تجريس وعزل وطنى وسياسى وثقافى واجتماعى لكاتب وأديب مرموق لأنه تجرأ ومارس التطبيع وزار الكيان الصهيونى وكتب كتابا بعنوان "رحلتى الى إسرائيل".
· ان كثيرا من الشباب فى مصر يستبدل صورته الشخصية على حسابه فى مواقع التواصل الاجتماعي بصورة القدس او فلسطين او احد الشهداء الفلسطينيين، لأنه يجدها أكثر تعبيرا عن هويته ومبادئه وقيمه.
اخى الكريم، انتم وفلسطين فى القلب والدماء والجينات المصرية.
***
لكل ذلك فان اهم شروط الامريكان والمجتمع الدولى لمن يحكم مصر على امتداد 35 عاما هو الاعتراف باسرائيل وانكار فلسطين والالتزام بمعاهدة السلام، وكان السؤال الاول الذى وجهته كل الوفود الامريكية والاوروبية لقادة ورموز وأحزاب الثورة المصرية بعد 2011 هو عن موقفها من المعاهدة، ومن اسرائيل، وبالتبعية من فلسطين.
بل لقد بلغ بهم الامر ان اعادوا صياغة النظام المصرى بعد 1973 على مقاس أمن اسرائيل ومصالح الولايات المتحدة الامريكية.
أرأيت مدى عمق وتغلغل وتأثير فلسطين وقضيتها على الحياة السياسية فى مصر ؟
***
وأخيرا وليس آخرا، إياك أن تتصور أن حملات شيطنة فلسطين والفلسطينيين تعبر عن قطاع ولو صغير من الرأى العام المصرى، بل هى حملات يوجهها النظام كلما كان ينوى اتخاذ قرارات او سياسات ضد فلسطين ولصالح اسرائيل.
انهم يطلقونها اليوم بسبب تنامى التنسيق المصرى الاسرائيلى فى فرض الحصار على غزة ونزع سلاح المقاومة وهدم الانفاق وإغلاق المعبر وربط الاعمار بنزع السلاح. هذا التنسيق الذى يتخذه النظام مدخلا وبوابة لاستجلاب الرضا والاعتراف الدولى الكامل بالنظام الجديد. ولأن أحدا لا يجرؤ ان يعلن عن هذه الحقيقة، فان البديل السهل هو التذرع بخطورة غزة والفلسطينيين على الامن القومى المصرى.
ولقد سبق وتعرض الفلسطينيين لحملات تشهير مماثلة عندما وقعت مصر اتفاقيات السلام مع اسرائيل فى أواخر السبعينات، فتم توجيه الاعلام المصرى حينذاك ليشن حملة شرسة على كل ما هو فلسطينى وعلى هوية مصر العربية، فخرجت وقتها أكاذيب وأضاليل من عينة انهم باعوا أراضيهم وانهم ارهابيون وان مصر فرعونية وليست عربية وانها عليها ان تقف على الحياد بين العرب واسرائيل كما وقفت سويسرا على الحياد فى الحرب العالمية الثانية، وانه كفى تضحية من أجل فلسطين وأن مصر أولا.
فصدقهم بعض المصريين الطيبين بادئ الأمر، ليكتشفوا بعد وقت قصير أن الحقيقة المرة هى أن اسرائيل أولا.
*****
القاهرة فى 11 نوفمبر 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق