أعرف أن حبك المشير السيسي سيمنعك من تصديقي، ومع ذلك، سأقولها لك، لأخلي مسؤوليتي أمام الله: صدّق أو لا تصدّق، خالد أبو النجا وعمرو واكد وغيرهما من "الأقلية" التي تعارض السيسي من الفنانين والكتّاب ليسوا أبداً مشكلتك، لتشغل نفسك بهم كل هذا الوقت. بلاش، ما رأيك أنه حتى جماعة الإخوان نفسها ليست مشكلتك الأبرز، بل إن أميركا واسرائيل وإيران وقطر وتركيا وحماس وحزب الله وفرسان مالطا وأنصار بيت المقدس وداعش والغرب الصهيوصليبي والإيبولا، كل هؤلاء ليسوا مشكلتك الأخطر، لأن مشكلتك الألعن والأضلّ أن من أعطيتهم صوتك وثقتك وخاصمت من أجلهم عقلك وإنسانيتك وفرّطت في حريتك وحقوقك، ليسوا إلا مجموعة من عديمي الكفاءة والموهبة والخيال، ولو كانوا في حجم ثقتك بهم، وإيمانك بهم وولائك لهم، لما أصبحت البلاد بهذه الحالة المزرية التي تضايقك بشدة، فتدفعك إلى أن تتشاطر على من تظن أن معارضتهم قرارات السيسي الكارثية تمنع عنك الهناء والسعد والسرور.
عندما تخف أعراض دور الهستيريا الماشي في البلد، سأتوقع منك أن تهدأ، وتواجه نفسك بأسئلةٍ تتعلق بمجال الأمن والاستقرار اللذيْن ضحيت بكل شيء من أجل تحقيقهما: بذمتك، ألم يقلقك ذلك التخبط المريب في التعامل مع واقعة مهاجمة لنش القوات البحرية بالقرب من سواحل دمياط، ألم تشعر بالحرج لأنك هللت لاعتقال صيادين، تم اتهامهم بالإرهاب، ثم اتضح أنهم أبرياء، لأن الجريمة ساعد في ارتكابها ضابط حالي، حسب رواية صحيفة "المدن" اللبنانية، أو ضابط سابق حسب رواية صحيفة "أخبار اليوم" الحكومية؟ ألا يخيفك أن تصل الأجهزة الموكلة بحمايتك إلى حد من الاهتراء، يجعلها تصدق وجود شهادة تخابر ورقية، يتم منحها لعملاء حركة "حماس"، فتجعل من تلك الشهادة الهزلية حرزاً يُعلن عنه رسميا؟ ألا يقلقك، ولو قليلاً، أن يعلن أكثر مذيعي البلاد بذاءة وانحطاطاً أنه، بعد أن طلب لقاء رئيس المخابرات العامة على الهواء، جاءته ست مكالمات من مساعدي رئيس المخابرات لتحديد موعد عاجل لمقابلته؟
ألا يخيفك المستوى المتواضع و"الملخفن" للفيديو الذي أنتجته الشؤون المعنوية، بكل إمكاناتها، عن عمليات الجيش في سيناء، والذي كان يفترض أن يحمل رداً قوياً على فيديو جماعة أنصار بيت المقدس الإرهابية؟ ألا تتذكر سيل تصريحات الخبراء الأمنيين بأن سيئ الذكر، محمد مرسي، يخفي أسماء قتلة مجزرة رفح الأولى الذين يعرفهم الأمن، فلماذا لا تسأل لماذا يواصل السيسي إخفاءها هو أيضاً؟ ألم يقلقك أن تهلل كل أذرع السيسي الصحافية لقيام مصر بتسلم أنظمة "أس ـ 300 للدفاع الجوي" من روسيا، ثم يتم نفي الخبر في قناة "روسيا اليوم" بشكل أقل ما يمكن وصفه به بأنه مهين لكل من نشره من مسؤولين وصحافيين؟ ألا يقلقك عدم وجود أي نوع من أنواع المحاسبة والمراقبة للأداء الأمني والعسكري والسياسي الذي يقوم به عبد الفتاح السيسي ومساعدوه، برغم إخلافهم تعهدات لم تكن تحتمل الإخلاف والعك؟ وهل تعتقد أن هناك بلاداً يمكن أن يتحقق فيها الأمن والاستقرار، ولا أقول التقدم والرخاء، بتحويل كل أفراد الشعب إلى مطبّلين ومهللين، وهل يريحك أن تكون الشرشحة والتخوين والوساخة طرق الرد الوحيدة على كل من ينتقد أو حتى يسأل أين ذهبت وعود السيسي التي قطعها على نفسه أمام الشعب؟
إذا لم تمثل لك كل تلك الأسئلة مشكلة حقيقية، وانحصرت مشاكلك في أن عدداً من الفنانين والكتّاب، يعدّون على أصابع يد محافظ الإسماعيلية، لا يقومون بالتطبيل كغيرهم، فلماذا تتبطر على النعمة، ولا تقنع بأولئك الفنانين الذين بدلاً من أن يقوموا بدورهم في تقديم أعمال فنية ملهمة ومبهرة، أو حتى مبهجة، قرروا أن يشخطوا في الإرهاب، وأن "يسجلوا له فيديو"، يحمّلونه فيه كل المصائب التي حدثت في مصر، منذ فتح السجون وحتى مذبحة رفح، مروراً بقتل الشيخ، عماد عفت، واللواء، محمد البطران. ومع أن الكل يعرف أن الدولة هي المسؤولة عن قتل اللواء البطران والشيخ عماد عفت وفتح السجون، إلا أنه يحسب لصانعي الفيديو أنهم لم يقولوا إن الشيخ عماد واللواء البطران انتحرا، أو أن حماس خطفتهما. ومع ذلك، أعاتبهم بشدة، لأنهم لم يدركوا نقطة القوة الحقيقية في ما صوروه لتخويف الإرهاب، وإلا لاقتصروا فقط على مشاركتين، الأولى للفنان أحمد بدير وهو يزغر للإرهاب، والثانية للفنان يوسف شعبان وهو يشخط في الإرهاب، فتكرار زغرة الأول وشخطة الثاني في عرض مستمر كان كفيلاً بأن يموت جميع الإرهابيين بكريزة ضحك وجروح حادة في الحنجرة، لتواصل مصر إبهار العالم باختراع سلاح جديد للقضاء على الإرهاب: سلاح الشخط والزغر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق