طيب، بما أن أي تساؤل عن كفاءة سياسات عبد الفتاح السيسي في محاربة الإرهاب أصبح جريمة مساس بالأمن القومي، وبما أنه لم يعد مطلوباً من أي مواطن مصري سوى التفويض على الناشف، والتأييد على بياض، فدعونا، إذن، نقتصر على الكلام المباح، لنسأل، مثلاً، عما قاله وزير التنمية المحلية، اللواء عادل لبيب، لمحافظ الإسماعيلية، اللواء أحمد القصاص، حين استدعاه إلى مكتبه، عقب انتشار الفيديو الذي يقوم فيه اللواء بأداء حركة بذيئة بإصبعه الأوسط، سأتعرض للسجن لو ذكرت اسمها الشعبي، بينما سيبقى المحافظ في منصبه، بعد أن أداها، أو ربما لأنه أداها، خصوصاً أن "البيه المحافظ" لم يخرج من الاجتماع، ليعلن استقالته، أو ليعتذر عما فعل، بل أصدرت محافظته بياناً، يصف حركة إصبعه بالعفوية، ويتهم الإعلام بممارسة "التصيد" ضده، وهو موقف يجعلك تتخيل أن الوزير، عادل لبيب، نقل إلى المحافظ عتاب السيسي؛ لأنه حين مارس العفوية لم يتأكد، أولاً، من خلو القاعة من الكاميرات.
لا تخف، أعلم أن اللي فيك مكفيك. لذلك، لن أسألك أين ذهب الذين "هيّجوا" الدنيا حزناً على ضيعة الأخلاق، حين قال وزير الإعلام الإخواني، صلاح عبد المقصود، لمذيعة قناة العربية "ابقي تعالي وأنا أوريكي فين"، ولا لماذا خرس الذين ابيضّت عيونهم من الحزن، حين تحسس سيئ الذكر، محمد مرسي، منحدر صعوده في حضرة مسؤولة أجنبية، ولا لماذا ذاب كفصِّ ملح كل الذين قاتلوا لتطهير البلاد من كل شاب "فشّ غِلّه" بكلمة نابية على حسابه "الشخصي" في مواقع التواصل الاجتماعي.
لن أسألك عن كل هذا، فأنت تعلم أن كل هؤلاء لا يكرهون البذاءة، إلا عندما تأتي من شخص يكرهونه، لكنهم يدمنون متابعتها حين تصدر عن أشخاص يحبونهم يمارسون البذاءة بلا حساب، لأنهم يعملون في خدمة من أقسم على تطبيق القانون، ومحاسبة من يخالفونه، ثم حوّل القانون إلى ممسحة في بلاط حكمه.
في ثقافة دولة المماليك القائمة حتى الآن، ثمة قاعدة تشيد ببراعة من يفعل الفحشاء من دون أن يُري الآخرين "مسائله"، ليسهل عليه الإفلات بفعلته، وهو ما طبقه مماليك دولة يوليو، حين أدركوا صعوبة التملص من شعارات المواطنة والكرامة والحقوق الدستورية التي استخدموها في إطاحة الملكية الفاسدة التي كانت تعامل أفراد شعبها كرعايا، ليس من حقهم الاعتراض والرفض. لذلك، قرر مماليك يوليو أن يخاطبوا أفراد الشعب كمواطنين، ويعاملوهم كرعايا، ولذلك، ظل الإعلام يهتف "ارفع رأسك يا أخي، فقد مضى عهد الاستعباد"، في الوقت نفسه الذي كانت الدولة تتفنن في تقنين استعباد جديد، استبدل طبقة الأمراء والنبلاء بطبقة الضباط التي لم تقصر في نهبها المال العام، وإهدارها حقوق المواطنين، ولم لا، فقد اعتقد قادتها أن الدماء المصرية الصميمة الجارية في عروقهم، تجعلهم أولى من طبقة أسرة محمد علي بنهب البلاد واستضعاف العباد.
ومع ذلك، لم تكن دولة مماليك يوليو تتردد في إطاحة أي مسؤول يخرج على "سِلوها"، فيقرر "تبيين مسائله" للشعب في أثناء "ممارسة" مهام منصبه، وهو تقليد لم تعد دولة مماليك السيسي حتى مهتمة بالحفاظ عليه، لأنها ما زالت مفعمة بنشوة تأييد أغلبية الشعب الذي لم يجد، مثلاً مثلاً يعني، مشكلة في أن تشير له وزارة الداخلية بذراعها الغليظة، حين رفضت عرض تفاصيل ميزانياتها على الجهاز المركزي للمحاسبات، فكيف ترى أغلبية الشعب، إذن، مشكلة في أن "يبعبر" محافظ عن شعوره، مستخدماً إصبعه الأوسط، ولا في أن يكرر صيحة مبارك الشهيرة "أجيب لكو منين"، فلو كانت أغلبية الشعب قد اعترضت على كتمان وزارة الداخلية ميزانيتها التي توزع الملايين بالعدل على "كبار قادتها"، لعرفت كيف ترد على سؤال المحافظ، ولأجبرت المحافظ على إعلان استقالته، وإبداء ندمه وأسفه، بدلاً من أن يكتفي بإصدار ذلك البيان "البارد"، الذي لم يكن ينقصه إلا تذكير المصريين بأن خير الأمور الوسط، خصوصاً في الصوابع.
أو كما قال عمنا أحمد فؤاد نجم: "يا أهل مصر المحمية بالحرامية، الفول كتير والطعمية، والبَرّ عمار، والعيشة معدن وأهي ماشيه، آخر أشيا، ما دام جنابه والحاشية، بكروش وكتار، حتقول لي سينا وما سيناشي، ما تدوشناشي، ما ستميت أتوبيس ماشي، شاحنين أنفار، إيه يعني لما يموت مليون، أو كل الكون، العمر أصلاً مش مضمون، والناس أعمار، الحمد لله وأهي ظاطت، والبيه حاطط، في كل حتة مدير ضابط، انشالله حمار".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق