مطلوب من أي مسؤول في مصر أن يجيب عن هذا السؤال: هل السيدة لميس الحديدي جزء من نظام الحكم، بنص الدستور، أو بقرار جمهوري، أو حتى بانقلاب؟ هل هذه السيدة جزء من السلطة، أم هي السلطة ذاتها؟ وهل هي سلطة أولى، أم تشتغل في السلطة الرابعة "الصحافة"؟ أم ناطقة باسم السلطة؟
تقول السيدة لميس، موجهة حديثها إلى أمير قطر، لكي تتحقق المصالحة، إنها تريد أن تتسلم منه مجموعة من الأسماء المعارضة، منها كاتب هذه السطور "دول أنا ما بطلبهمش لحلاوتهم"، هكذا تحدثت.
لم تقل بأي صفة تتحدث، ومن كلّفها بالحديث، وبأي اعتبار تقدم قائمة طويلة بالمطلوبين؟ والأهم من كل ذلك، إذا حدث وقرر المعارضون للسيسي العودة إلى مصر، فمع من يتحدثون؟ وإلى أي سلطة يسلّمون أنفسهم؟ هل يسلمون أنفسهم للميس الحديدي، أم إلى وزير الداخلية، أم لوزارة الدفاع مباشرة؟ أم أن هذه السيدة تختزل كل هذه السلطات في شخصية واحدة؟
أفهم أن موضوع الوديعة بات يطيّر النوم من العيون، والعقول من الرؤوس. لكن، أن تتضاءل مصر إلى هذا الحدّ الذي تختفي فيه المسافة بين السلطة واللاعبين في أحواشها، وتضيع الفروق بين المعاملات الدبلوماسية الرصينة والمعالجات التلفزيونية المضحكة، فهذا ما لم يكن يخطر على بال بشر، ولا يتمناه أحد لمصر، بصرف النظر عن كونها محكومة من مجموعة من الخاطفين الذين انقضوا على ثورتها الوحيدة "يناير"، وعصفوا بأول فرصةٍ تتاح لها في تاريخها، لكي تعرف السبيل إلى تغيير ديمقراطي حقيقي.
إن هذه السيولة القيمية التي تجتاح مصر، هذه الفترة، أطاحت كل معيار موضوعي محدد لمعنى الوطنية ومعنى الدين وجوهره، فصار جنرالات أمن الدولة ينطقون باسم السلطة الدينية، ويزاحمون الأزهر ودار الإفتاء في التحدث باسم الدين، فتسمع لواء في الأمن الوطني يقول إن الشرطة جاهزة بالذخيرة الحية والأسلحة الثقيلة، للدفاع عن المصاحف، وحمايتها من "الشباب المسلم" في "الجمعة اليتيمة" التي لا يعرف لها أحد رأساً. أو أن تجد مذيعاً يطالب رئيس سلطة الانقلاب بأن يقتل مليوناً من المصريين في هذه الجمعة، لكي ينصلح الحال في مصر.
هذا العبث غير المسبوق، بمقدماته الفاشية، يفتح المشهد على نهايات كارثية، إذ يبدو وكأن السلطة تتعامل مع مليونية 28 نوفمبر، على أنها فرصتها الكبيرة لصناعة "حادث منشية جديدة"، على غرار ما جرى في خمسينيات القرن الماضي، لينطلق بعدها قطار الزعيم الفرد الواحد بأقصى سرعة، ليدهس، في طريقه، كل من يجرؤ على الاعتراض.
وبصرف النظر عن أن خمسينيات القرن العشرين تختلف عن العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، فإن الولع بالتاريخ والهوس بالحكايات يصور لمجموعة الانقلاب في مصر أن الشعب لم يتطور وعيه، ولم يطرأ على إدراكه جديد، وتلك هي القراءة الساذجة التي لا تريد أن تعترف بأن يناير 2011 كان بداية حقيقية لمصر، مختلفة عن الذي في خاطر مستبديها، وفي دمهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق