تنفرد "الشعب" بكشف كواليس تنشر لأول مرة حول صراع الأقطاب والمصالح داخل المجلس العسكرى القديم الذى مثل ركيزة دولة مبارك التى قامت ثورة يناير لإسقاطها، ولعل الفيديو المسرب للفريق عبد الفتاح السيسى والذى يشيد فيه بقوة بالمشير حسين طنطاوى وزير الدفاع السابق، يصلح بداية لسرد الأحداث، أولا: لأن هناك أسطورة روجت لها أجهزة الإعلام تقول إن السيسى قاد الجيش بفكر يخالف فكر المشير طنطاوى! وثانيا: بمناسبة ذكرى أحداث محمد محمود وهى المذبحة التى زعم كثير من الثوار المؤيدين للسيسى الآن أنه برىء منها لأن من ارتكبها هو طنطاوى وسامى عنان، لكن هاهو السيسى يؤكد أن طنطاوى مرجع بالنسبة له وأن كل ما قام به عسكريا وسياسيا ما كان ليتم إلا بمتابعة وتوجيه من الأخير.
فى البداية يؤكد مصدر عسكرى لـ"الشعب" أن الفريق عبد الفتاح السيسى هو التلميذ المقرب للمشير طنطاوى وأن السيسى بعد توليه منصب وزير الدفاع كان يؤدى التحية العسكرية لـ"صور" طنطاوى فى المقار العسكرية المختلفة! وأنه -السيسى- فرض على المجندين وضباط الاحتياط فى مراكز التدريب مقررات وأفلاما تسجيلية حول "بطولات المشير حسين طنطاوى" فى التاريخ العسكرى المصرى"!!
ويستمر المصدر "لكن تلمذة السيسى لطنطاوى لم تمنعه من طعنه بقوة لإزاحته من طريقه عندما استشعر أن أستاذه لديه ميل للاستمرار فى الصورة وربما الترشح للرئاسة، وذلك عبر تحريض وسائل الإعلام القريبة من المخابرات الحربية والعامة لشن حملات تشويه ضد طنطاوى".
القصة تبدأ مع تنحى مبارك المخلوع بانتفاضة المصريين الضخمة فى يناير 2011، وقتها كان المجلس العسكرى فى طبعته القديمة التى تمثل العسكرية المصرية التقليدية هو الذى يحكم مصر بموجب تفويض المخلوع له فى بيان تنحيه الذى تلاه عمر سليمان، كان طنطاوى يدرك أن زمنه آخذ فى الأفول، ومع تنامى أصوات المطالبة بمحاكمة فلول مبارك ورموز حكمه صار أكبر حلم لدى المشير هو الخروج آمنا، وهو الأمر الذى أقنعه السيسى بقدرته على توفيره له شريطة أن يساعده فى إزاحة "عتاولة" المجلس العسكرى مثل عادل عمارة وحسن الروينى ومختارالملا ومحسن الفنجرى،ومعهم طبعا الرجل الذى يشاركالسيسى الولاء لأمريكا: سامى عنان.
بالفعل تم الاتفاق بين طنطاوى والسيسى على إزاحة رموز المجلس العسكرى من الطريق، وكان الثالث فى هذا الاتفاق هو اللواء حمدى بدين قائد الشرطة العسكرية الذى كانت هناك حاجة ماسة له لأنه المسئول عن تنفيذ المخطط على الأرض، ومن أجل هذا كان بدين أول من نال الخروج الآمن عندما تم تعيين السيسى وزيرا للدفاع؛ حيث تم تعيينه ملحقا عسكريا فى الصين، وخفت ذكره ونامت الأصوات المطالبة بمحاسبته.. رغم أنه شريك أساسى فى كل المذابح التى ارتكبت خلال حكم مجلس طنطاوى.
كانت الطريقة المثلى لإزاحة عنان والباقين هى "توريطهم فى الدم" وذلك لتحقيق هدفين: الأول هو حرقهم سياسيا تماما، والثانى هو صنع تاريخ أسود لهم يجعل أقصى أحلامهم الخروج من المشهد بسلام ويجعل السيسى صاحب فضل عليهم؛ حيث يظهر بمظهر من يقوم بتأمين خروجهم "الآمن".
وهكذا تم التعامل بعنف استثنائى خلال أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو وغيرها تحت إشراف كامل للسيسى ورجاله فى المخابرات العامة، وفى الوقت نفسه كان السيسى يجرى اتصالات سرية بعدد كبير من رموز النخبة المصرية من كتاب وسياسيين ومثقفين يمثل أمامهم أنه مغلوب على أمره أمام هذا العنف، ومن أبرز هذه الشخصيات الروائى علاء الأسوانى والدكتور أسامة الغزالى حرب والدكتور جلال أمين المفكر المعروف.. وغيرهم، وفى هذا السياق أيضا كان السيسى أول من اعترف بإجراء الجيش لكشوف عذرية على فتيات تم القبض عليهن خلال مشاركتهن فى تظاهرات المعارضين للمجلس العسكرى..باختصار كان السيسى يورط زملاءه فى عنف غير مسبوق ثم يلعب على محورين: الأول هو أن يقنع زملاءه فى المجلس العسكرى أنه سيخرجهم منها بأمان، والثانى هو أن يقنع النخبة أنه غير راض عما يقوم به قادته.
كان هناك شخص واحد يتشكك فى نوايا السيسى هو الفريق سامى عنان قائد الأركان السابق، والذى لم يستطع التعبير عن شكوكه بسبب دعم المشير طنطاوى للسيسى، لكن عنان عبر عن هذه الشكوك بإجراء قام به خلال التحضير للانتخابات الرئاسية عندما قام بعقد اجتماعات خاصة منفردة مع مرشحى الرئاسة جميعا باستثاء الشيخ حازم أبو إسماعيل، وطلب منهم معرفة رأيهم فى الخروج الآمن لأعضاء المجلس العسكرى..الجميع وافقوا!!
كما شهدت تلك الفترة صمت المشير طنطاوى على قيام السيسى بتوسيع دائرة الوحدات الخاصة التابعة له مباشرة بالجيش، والتى تقوم بتنفيذ عمليات "قذرة" ومنها وحدات تابعة لقوات الصاعقة والمظلات.
وبحسب ما ذكرته مصادر عسكرية لـ"الشعب" فقد كان السيسى يستغل فضائح فساد مالى وأخلاقى متورط فيها أعضاء بالمجلس العسكرى لإحكام سيطرته عليهم عبر تسريبها للصحف مثل ما قام به من تسريب وثائق حول ثروات وممتلكات المشير طنطاوى والفريق سامى عنان واللواء مراد موافى مدير المخابرات العامة الأسبق لجريدة "صوت الأمة"، ومن وقائع الفساد الأخلاقى التى استغلها ضد زملائه ما حدث فى شهر أغسطس 2011 عندما تعرض عضو بارز جدا بالمجلس العسكرى السابق لأزمة قلبية خلال وجوده بصحبة عشيقة له بسبب تعاطيه جرعة فياجرا زائدة!!
سارت الأمور وفق المخطط الذى تم إعداده فى الولايات المتحدة الأمريكية ومولته دول عربية منها الإمارات والسعودية ونفذه السيسى وطنطاوى حتى تم تعيين السيسى وزيرا للدفاع وخروج أغلب أعضاء المجلس العسكرى بشكل آمن حسب المتفق عليه باستثناء أمر وحيد هو أن الفريق سامى عنان شعر بالإهانة بعدما تبين له أنه وقع فريسة خديعة من طنطاوى والسيسى، انتظر الرجل المجروح حتى يرد الصفعة حتى جاءته الفرصة فى الفيديوهات المسربة لاجتماعات قام بها السيسى مع قادة وضباط، وكذلك خلال حواره الصحفى مع رئيس تحرير "المصرى اليوم" ياسر رزق، وهنا تنفرد الشعب بالكشف عن أن 21 ضابطا بالشئون المعنوية هربوا إلى ليبيا خلال الشهر الماضى بسبب وقوفهم وراء تسريب فيديوهات السيسى.
لا يوجد مصرى واحد لديه انتماء صادق لهذا البلد كان يتمنى أو حتى يتصور أن يصل الحال بالجيش المصرى -الذى نفخر جميعا ببطولته فى حرب العاشر من رمضان- للوضع الذى يتشرذم فيه إلى كتل تتصارع على السلطة وتتسابق على ذبح شعبها بحجة مكافحة الإرهاب خصوصا فى سيناء، إرضاء للأمريكان، ويصل الأمر بأولئك الفرقاء لتسريب تسجيلات فيديو لاجتماعات يفترض أنها سرية للقاءات بين القادة وضباط وجنود الجيش.
لكن ما كنا نخشاه جميعا وقع للأسف بسبب حرص قادة الانقلاب على الامتيازات المالية التى يرونها حقا لهم على حساب الشعب الذى يشاهده العالم كله على الشاشات وهو يدفع دمه ثمنا لأنبوبة غاز فى مستودع أو رغيف خبز فى فرن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق