المصري اليوم
عرفناه شابا في الوسط الفنى يغنى ويمثل بعد أن فاز في مسابقة ستار أكاديمى الشهيرة قبل عدة سنوات، رأينا بعض أفلامه وضحكنا معه ولم تتكون في أذهاننا عنه سوى صورة عامة بسيطة حول شاب ربما يعيش حياة مترفة ينام فيها أكثر مما يستيقظ ويلهو ويعبث ويستمتع بالحياة كأى شاب في سنه وظروفه ووسطه الجديد الذي التحق به.
لم نكن نعرف عنه أكثر من ذلك ولكن الأيام فاجئتنا أن الصور النمطية الساذجة التي نصنعها لمن حولنا قد تكون صورا قاصرة وتعبر عن وجه واحد من وجوه الحقيقة، تابعت كتاباته على مواقع التواصل الاجتماعى فوجدت إنسانا أخر يحمل فكرا مرتبا ومنهجية مميزة وموضوعية نادرة وإنصافا حقيقيا وحبا للوطن وإنشغالا بقضاياه وهمومه، إنسان يرفض الظلم ويدافع عن حق الناس في الحرية والكرامة، إنسان يعتصره الألم وهو يرى الحرب على أبناء جيله من الشباب الذين ثاروا من أجل مستقبل أفضل لشعبهم وبلادهم.
لم يقدم محمد عطية نفسه كسياسى فهو فنان لكنه إنسان حر يأبى تدجين عقله ويرفض أن يساق مع القطيع مثلما تظاهر ضد حكم الاخوان وشارك في أحداث محمد محمود الأولى بحثا عن تمكين الثورة هاهو اليوم يجهر بما يراه حقا ولا يخشى موجات التشويه والاغتيال المعنوى والمحاربة في الرزق والتضييق الذي صار يطال كل أصحاب الرأى المختلف في مصر.
كل جريمة محمد عطية أنه دافع عن الثورة وانحاز للديموقراطية وتسلح بالوعى والمعرفة في وجه أنصار الجهل والخرافة وعشاق الاستبداد والمطبلين له، دافع عطية عن حق الفنان خالد أبوالنجا في حرية الرأى والتعبير وانتقاد السلطة فأصبح هدفا للقصف الإعلامى واللجان الالكترونية ومؤيدى السلطة الذين لم يكتفوا بتخوينه بل قامت احدى صفحاتهم القذرة بنشر أرقام هواتف أسرته ووالديه حتى يقوموا بالضغط عليه نفسيا بسب وقذف والديه عقابا لهم على موقف ابنهم، تخيل هذا الانحطاط واللوثة العقلية والحقد الذي أصاب هؤلاء المهووسين بسبب تعبير عطية فقط عن رأيه، كتب محمد عطية كثيرا عن المكارثية وعن رواية 1984 قبل أن تثار الضجة الأخيرة حولها لكنه لم يكن يعلم أنه سيكون أحد ضحايا المكارثية التي ضربت مصر خلال الفترة الماضية.
لم يتغير موقف محمد عطية عقب الهجوم عليه بل ثبت على موقفه وازداد يقينه أن أخطر ما يواجه مصر هو القمع الفكرى والاقصاء وتأليه السلطة فكتب يرد على من هاجموه قائلا (من الجمل الرائجة بعد الثورة -الثورة أخرجت أسوأ ما فينا- هذه الجملة مغلوطة تماما فالثورة أخرجت من الشعب أخطر الأشياء وأكثرها رعبا وإرهابا لأى سلطة وهى الوعى السياسى والإهتمام بشئون البلد فتحول الشباب وأنا واحد منهم من شباب تنحصر إهتماماته ما بين كرة القدم والأغانى وخلافه إلى شباب يناقش بنود الدستور ويراقب أداء الحكومة وينتقد الرئيس ويربط الأحداث ويمنطقها وهذا ما لم تستطع السلطة مواكبته حتى الآن فلا زالت تتعامل مع عقول الشباب على خلفية الحقبة الناصرية وسأضرب لكم مثالا وحيدا ولكم أن تتخيلوا الفرق لو كانت كذبة جهاز الكفتة ظهرت من عشر سنوات لكنا جميعا مابين متفاخر بالجهاز أو غير مبالي.
أما الآن وبظهور الإعلام البديل فلا يمر الكذب مرور الكرام، السلطة ترتعد من هذا الوعي الذي تسبب فيه شباب الثورة، الثورة لم تخرج أسوأ ما فينا، الثورة أخرجت أسوأ ما في الدولة العميقة ومؤيديها ممن يريدون عودة الوضع كما كان سابقا، الثورة أسقطت الأقنعة الزائفة أمام أعينكم وبأيديكم، ولذلك يحاربونها بكل ما أوتوا من قوة.. شكرا شباب الثورة.. يا أطهر ما أنجبت مصر ..أنتم السبب في تغيير شخصيتى وتوعيتى وما أفعله الآن ما هو إلا رد للجميل ووقوف بجانب ثورتكم التي سرقت منكم ... لا تيأسوا ولا تبيعوا مبادئكم ولا تصابوا بالإحباط.. فلا يصح إلا الصحيح.. إثبت مكانك، وتذكروا ما قاله عبدالرحمن الكواكبي «إن أخوف ما يخافه المستبدون أن يعرف الإنسان حقيقة أن الحرية أفضل من الحياة، وأن يعرفوا النفس وعزها، والشرف وعظمته، والحقوق وكيف تحفظ، والظلم وكيف يرفع، والإنسانية وماهى وظائفها ).
محمد عطية لا يواجه وحده موجات التخوين والتشكيك والاتهام بسبب تعبيره عن رأيه بل يواجه هذه الحملات كل صاحب رأى مختلف، الارهاب الفكرى يريد من الجميع الصمت وتكميم الأفواه والتسبيح بحمد السلطة فقط واذا خرجت عن النص فأنت خائن وعميل وتهدم الوطن، وهكذا يمضى هؤلاء المختلون الذين لم يستحوا مما وصل اليه الوطن من سقوط بسبب تطبيلهم وتأييدهم الأعمى وهجومهم على كل ناصح مخلص.
التضامن مع كل صاحب رأى حر يجب أن يستمر وأن تعلو أصواتنا بقدر هياج هؤلاء المكارثيين ونباحهم ونهشهم في الأحرار، هذه الموجة يجب أن تنكسر والأصوات الحرة يجب أن تكون على يقين أن وراءهم ملايين المصريين الذين يحترمون مواقفهم ويقدرونها، وأن ما يحاول عشاق الاستبداد وطبالينه من الايهام بأن هناك إجماع شعبى حول مواقفهم وسفالتهم وهم يحاولون ترويجه لكن الواقع يقول أن الشعب قد ضج من موجات النفاق والتطبيل وهجر الأبواق الاعلامية المأجورة التي تحولت لمنصات للشتم والتخوين والأفورة واحتكار الوطنية.
تذكروا جميعا أن الثبات على الموقف والانحياز للمبادىء هو شيمة الأحرار الذين ينقذون أوطانهم من السقوط ومهما شعر الأحرار بلحظات من الاغتراب والضيق ودفعوا الثمن إلا أن النهايات دائما تحمل لهم البشرى لأنه لن يصح إلا الصحيح، وهذا ما خطه المفكر فرج فودة قبل اغتياله في كتابه ( قبل السقوط ) ليذكرنا بما يجب أن نكون عليه فتأملوا كلماته.
«لا أبالي إن كنت في جانب والجميع في جانب أخر، ولا أحزن إن أرتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم، ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بما أقول، ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول، وإنما يؤرقني أشد الأرق أن لا تصل الرسالة إلى من قصدت فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح، وأنصار المبدأ لا محترفي المزايدة، وقصّاد الحق لا طالبي السلطان، وأنصار الحكمة لا محُبي الحكم وأتوجه إلى المستقبل قبل الحاضر، وألتصق بوجدان مصر لا بأعصابها ولا أُلزم صديقاً يرتبط بي أو حزباً أُشارك في تأسيسه، وحسبي إيماني بما أكتب وبضرورة أن أكتب ما أكتب وبخطر أن لا أكتب ما أكتب، والله والوطن من وراء القصد»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق