10 يناير 2015

سليم عزوز يتسائل: هل حضر «السيد المسيح» القداس قبل الصلب أم بعده؟!

لم أشاهد «قداس» عيد الميلاد المجيد هذا العام تلفزيونياً، وربما لم أشاهد قداساً للبابا تواضروس منذ تولى مهام موقعه. وكان للقداس في عهد البابا شنودة مذاقاً خاصاً، ويمكن للمرء من خلاله أن يمارس هوايته في فهم ما بين السطور، فذات قداس حضر جمال مبارك، ولم يكد البابا يذكر اسمه حتى كان التصفيق حاراً، ربما لم ينافسه على حرارة التصفيق سوى السفير الأمريكي في القاهرة!
البابا كان في كل «قداس» يتلو قائمة أسماء كبار الحاضرين المهنئين، ثم يشكر السادة المسؤولين حتى يصل إلى رئيس حي الأزبكية، الذي يقع المقر البابوي في حيزه الجغرافي. 
وبعض رؤساء الأحزاب الضعيفة كانوا يذهبون إلى هناك ليذكر البابا أسماءهم، فتتعرف عليهم الجماهير، وإذا جرى انشقاق داخل حزب ما، فأكثرهم فهلوة يذهب إلى هناك ليذكر البابا اسمه متبوعاً بصفته رئيس الحزب، لتشاهد الجماهير العريضة عبر التلفزيون الرسمي، ما يؤكد شرعيته، وكأن البابا هو رئيس لجنة شؤون الأحزاب!
مشاهدة «القداس» تلفزيونيا عادة أقلعت عنها، بسبب الانقلاب، لأن الذهن لم يعد صافياً. وفي اليوم الأول لافتتاح معرض الدوحة للكتاب، قمت بجولة سريعة بين دور النشر، ولم يمكنني التعرف على اهتماماتي، فالقراءة عندي ومنذ قيام الثورة لم تعد مطروحة على جدول أعمالي.. فالكتب التي قرأتها خلال هذه الفترة قليلة، بدأتها بقراءة مذكرات «بلدياتي» الدكتور محمود الربيعي التي صدرت في كتابين: «في الخمسين عرفت طريقي».. و»ما بعد الخمسين». كنت أقرأها في مشوار الذهاب يومياً لمقر الجريدة، إذ أن أهم ما في منصب رئيس التحرير أنه يوفر لشاغله سيارة بالسائق. وقبل الثورة كان رؤساء التحرير من جلساء الرئيس في طائرته وفي «سفرياته» المتعددة. أما بعد الثورة، فلم يمكني المنصب سوى من حضور أول اجتماع للرئيس محمد مرسي برؤساء التحرير، وفي الاجتماعات التالية اكتفى الرئيس بالمؤلفة قلوبهم، والذين سمح لهم بالحديث في اللقاء الأول وبسعة صدر، وكان ينطق أسماءهم مسبوقة بلقب «الأستاذ»، وظل عبد الحليم قنديل يرفع يده طالباً الكلمة دون جدوى، وفي نهاية اللقاء اعتذر له الرئيس، مؤكداً أنه سيعطيه الكلمة في اللقاء التالي فأوغر صدره!
«الربيعي» في قصة حياته كاتب متربع على عرش الكلمة الجميلة، لكني لم أحسده على ذلك، فقد كان حسدي له منصباً على عدم انشغاله بالسياسية، فلا كلمة عن الأحداث التي عاصرها ومن ثورة يوليو/تموز 1952، إلى هزيمة يونيو/حزيران سنة 1967، إلى انتصار أكتوبر/تشرين الأول عام 1973.. يقول فقيه اللغة العربية الدكتور مصطفى رجب، إن «سنة» تذكر عندما تكون الواقعة التي جرت فيها سيئة، في حين أن الـ «عام» يذكر عند ذكر واقعة طيبة حدثت.. وأقرأ الآن في كتاب «اللغة العالية» لفقيه آخر هو «عارف حجاوي».
الإقلاع عن القراءة
الثورة المضادة، شغلتنا عن اهتماماتنا السابقة، فأقلعت عن القراءة المكثفة، كما أقلعت عن التعاطي المكثف لـ «الأرجيلة»، تماماً كما أقلعت عن مشاهدة «القداس»، ولم أعد أكترث بمشاهدة صلاة الجمعة عبر التلفزيون، وهي عادة قديمة لا سيما إذا كان القارئ هو الشيخ محمد محمود الطبلاوي، الذي يقحمه الآن مقدمو البرامج بعيداً عن تخصصه، للحصول منه على تصريح يؤيد من خلاله عبد الفتاح السيسي ويهاجم فيه الرئيس محمد مرسي، متناقضاً مع تصريحات أخرى له في عهد مرسي!
الإنقلاب عمق ظاهرة «المذيع الأمي»، الذين يخبئ العجز في ثقافته بطرح أسئلة سياسية على ضيفه، قارئاً، أو فناناً، أو واعظاً، أو متسولاً.. فصار الكل في مصر الآن يعمل محللاً سياسياً، ولم أسمع طيلة حياتي لشخص الفنان «يوسف شعبان» رأياً في السياسة، لان في زمن الانقلاب وإفرازاته صار طبيعياً أن يستضاف في برنامج تلفزيوني ويُسئل عن رأيه في جماعة الإخوان؟ فيقول إن حسن البنا، من أصول مغربية، وبما أن كل أربعة من المغاربة منهم ثلاثة يهود، فالإخوان إذن حركة يهودية!
هناك مئة سؤال وسؤال، يمكن أن تطرح على «الطبلاوي» وبطبيعة الحال ليس بينها سؤال واحد عن المقامات التي يجهلها الشيخ، مع أنها تدخل في مجال تخصصه، لكن في ظل «الفهلوة الإعلامية»، يستطيع المذيع ان يدخل الأستوديو بدون إعداد، ودون أن يعرف من هو ضيفه، ما دامت الأسئلة تدور حول موضوع واحد، والإجابات واحدة، والاختلاف الوحيد في الصياغة، وهي تدور حول أن السيسي الذي أنقذ مصر، ومرسي الذي كاد أن يضيعها لولا أن العناية الإلهية دفعت بالمخلص.
«المخلص» ليس وصفاً من باب المبالغة لعبد الفتاح السيسي، فالأنبا بولا وصفه بـ»المخلص»، وقال إنه المسيح وقد حضر قداس هذا العام. وقال الأنبا مكاري إن السيسي مذكور في الإنجيل!
إذا حضر السيسي
من عيوب عملية تغير مزاجي العام، أنها كانت سبباً في إقلاعي عن كثير من العادات المكتسبة، ومن بينها مشاهدة «القداس» عبر التلفزيون، فلم أتمكن من مشاهدة لحظة حضور «السيد المسيح»، الذي هو عبد الفتاح السيسي، للقداس. وإن كنت لا أعلم هل حضوره قبل الصلب أم بعده؟ لكن بما أنه المسيح فلا مبرر في حضرته العبادة، إذ قال بولا: «لقد أجلنا العبادة عند وصوله» فمن الواضح أنه تم وقف أعمال «القداس»، ويبدو أنه في المسيحية كما هو في الإسلام قاعدة: «إذا حضر الماء بطل التيمم».
ولأنه السيد المسيح فقد كان حضوره خاطفاً، ولمدة ثلاث عشرة دقيقة فقط، ولأن ثقافتي المسيحية متواضعة، فلا أعرف أيهما أعلى رتبة كهنوتية: المسيح أم البابا؟! فالبابا تواضروس، لم يستقبل السيد المسيح على باب مقره البابوي، فقد استمر في مكانه ليتقدم مجرد خطوات ناحية الحاضر عندما وصل إليه، وهو ما روج مسيحيون له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كدليل على علو مقام البابا.. فهل مقام البابا أعلى من مقام المسيح؟!
ما علينا، اللافت أن الذين كانوا يعترضون على حكم مرسي انحيازاً منهم للدولة المدنية، لم نسمع لهم حتى همساً في مواجهة هذا التحول في صيغة الحكم في مصر، فنحن في مواجهة دولة كهنوتية يحكمها السيد المسيح!
لقد كان لي زميل دراسة مسيحي الديانة، وكنا نصدقه عندما يقسم بالمسيح الحي، ولم أكن أعلم ان المسيح الحي هو عبد الفتاح السيسي. سأعيد مراجعة ما قاله زميلنا مشفوعاً بالقسم، بعد أن تبين أن المسيح الحي هو الذي حضر «القداس» فجأة، كما قال الأنبا بولا: «السيسي هو المسيح، وقد تركنا العبادة من أجله لحظة دخوله الكاتدرائية». يا لها من معجزة!

ليست هناك تعليقات: