محمد بن راشد امير دبي |
(1)
الناظر إلى العالم العربي اليوم يرى الملكيات العربية مرتمية في الأحضان الأمريكية بشكل كامل سواء بوجود قواعد عسكرية في بلادها أو بتنفيذ أوامر التطبيع مع الكيان الصهيوني، لاحظنا مثلاً مساعدة الإمارات والسعودية والأردن على كسر حصار البحر الأحمر الذي تنفذه اليمن، وبينما تقوم دول أجنبية بالتحرك من أجل نصرة الشعب الفلسطيني
سواء بقطع العلاقات أو رفع الدعاوى في محكمة العدل الدولية، نجد هذه الملكيات مغيبة بالكامل عن الأحداث وكأنها موجودة على كوكب آخر.هذا المقال محاولة لمعرفة الأسباب التي حدت بهذه الملكيات إلى التصرف بهذه الطريقة التي تبعث على الاستغراب فلا يكفي مثلاً القول إن أنظمة الحكم هذه تعتمد على الأجنبي في استمرار بقائها في السلطة رغماً عن رغبات شعوبها، ولابد أن تكون هناك أسباب أخرى تبعث الحاكم على اتباع هذا النهج.
بداية، تقوم الدول الكبرى باستغلال أية ثغرة في نظام أية دولة للسيطرة عليها ووضعها تحت جناحها، وتستخدم الدول أساليب سرية في معرفة هذه الثغرات، إذ ليس بالضرورة استخدام العنف للسيطرة على الدول الصغيرة ، فالقوة تكلف مبالغ طائلة وتحرض المقاومة عليها وتكلف خسائر في الأرواح ، كما لاحظنا في غزو العراق وأفغانستان.
تأسست وكالة المخابرات المركزية عام 1947 ، وكان أحد أبرز مؤسسيها السيد ألان دالاس الذي وضع سياساتها العامة التي تسير عليها منذ ذلك التاريخ. عمل المخابرات يقوم على جمع البيانات وتحليلها ودراستها واستنتاج نقاط الضعف في أي مجتمع، ويتطلب ذلك على سبيل المثال دراسة الشخصية وردود فعلها، وغير ذلك من النقاط التي تعتبر مملة بالنسبة لنا ولكنها حيوية لعمل المخابرات.
ويمكن أن نطلق على المخابرات بأنها جزء من الدولة العميقة التي لا يتغير نهجها مع تغير الرئيس المنتخب، وقد يستفيد من تقاريرها ولكنه لا يستطيع تغيير سياستها التي تتميز بالصبر والنفس الطويل.
عند دراسة العالم العربي على سبيل المثال هناك نقطة ضعف في كل الدول العربية وهي الانفصال الكلي للحاكم عن الشعب، أي أن الديكتاتورية هي السمة العامة لنهج الحكم المتبع منذ فترة طويلة ، وهكذا فإن من يسيطر على الحاكم فإنه يسيطر على الدولة.
لاحظنا ذلك في مصر عندما قامت المخابرات الأمريكية بعد تأسيسها مباشرة بتوظيف عدد لا بأس به من ضباط مصر ومن بينهم أنور السادات ، تبنت المخابرات الامريكية أنور السادات وعملت على إرجاعه للجيش المصري بعد أن اتهم بتدريب قتلة أمين عثمان ( وزير مالية سابق وبريطاني الهوى) على السلاح.
وجهت المخابرات عميلها في كل خطوة كالانضمام لتنظيم الضباط الأحرار، ثم حمايته ليلة قيام الثورة في حال فشلها، فقد أثبت أنه كان يحضر عرضاً سينمائياً بالشجار مع موظفي السينما وإثبات الحالة، لم يشك أحد في الرجل فهو الوحيد الذي يمتلك تاريخاً نضالياً ، وكان عليه أن يساير الموجة السائدة بعد نجاحها، هو الوطني المخلص للزعيم والوطن ويزايد في وطنيته على باقي المنافسين، كان عليه أن يكون بلا أعداء وأن لا يتبع خطاً معيناً لا يحسب له حساب. انتظاراً للحظة مناسبة في المستقبل يتم فيها دفعه الى المقدمة، وهذا ما حدث فعلاً حيث انقلب خط سير مصر 180 درجة فأصبحت تابعاً أمريكياً بعد وفاة عبدالناصر.
يبين المثل السابق عن السادات خير دليل على صبر المخابرات الأمريكية الطويل لمدة عشرين عاماً على الأقل لتقطف ثمار الجهد المبذول للسيطرة على مصر.
اختلف الأمر في حالة الملكيات العربية، عملت المخابرات على الأمراء العرب صغار السن فيما يمكن وصفه بعمليات غسل دماغ وتشكيل الشخصية بما يتناسب مع أهدافها.
لنا أن نتخيل السفير(أو ما شابه)، في إحدى هذه الدول، يأتي إلى الملك مباركاً له المولود الجديد ويقترح عليه إرسال أفضل المربيات لتربية الأمير الجديد وتهيئته للمستقبل، فعليه مثلاً أن يعرف اللغات الأجنبية وأن يعرف أصول البروتوكول وكيف يستقبل الوفود الأجنبية ولنا أن نتخيل عبارة يقولها السفير للملك ( وإن شاء الله، يبيض وجهك أمام الدول والأجانب)، وبالنسبة للملك القادم من الصحراء والذي لا يفقه في هذه الأمور، هذه نصيحة مقبولة ومعقولة والسفير يفكر في مصلحتي.
هذه بعض الملاحظات الخاصة ببعض هذه الدول:
الإمارات العربية المتحدة
عرف عن الشيخ زايد بن سلطان (1918 - 2004 ) أول رئيس لدولة الإمارات توجهه العروبي الأصيل تلقى تعليمه في الكتّاب على يد المطاوعة، ساعد كثيراً من الدول العربية بدون منة أو فضل ولم يكن يتدخل في شؤون الدول الأخرى بل كان يقوم بالوساطة بينها، وفي عهده خطت الإمارات خطوات عملاقة في التقدم واللحاق بمصاف الدول المتقدمة، عرف عن الشيخ زايد قوله المأثور ( إن البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي) وقام الشيخ بقطع البترول عام 1973 عن الدول التي تساند إسرائيل.
عند وفاته تولى ولي عهده الشيخ خليفة بن زايد ( 1948 - 2022) الذي تلقى تعليمه في مدرسة محلية، حكم إمارة أبو ظبي ورئاسة الإمارات، سار الشيخ على نهج أبيه وبعد وصوله الى سن 66 في عام 2014 أصيب الشيخ بجلطة واختفى عن الحياة العامة حتى وفاته.
تولى الشيخ محمد بن زايد ( 1961- ) السلطة عام 2022
تلقى تعليمه حسب ويكيبيديا في أبو ظبي وكان يقضي الصيف في مدرسة جوردونستون الداخلية في بريطانيا، قبل ذلك تذكر الويكيبيديا أن الوالد زايد أبعده الى المغرب بدون دخل فعمل نادلاً في أحد المطاعم ليعتمد على نفسه . وكنا نتمنى لو كانت هذه الواقعة صحيحة ولكنها لا تستقيم مع المنطق ، فلهجة أهل المغرب تختلف كثيراً عن لهجة أهل الخليج ومن المؤكد أن مخابرات الملك المغربي وفرت له سبل العيش الباذخ في تلك الفترة. نفس المصدر يقول إن الذي كان يشرف على تعليمه وهو صغير عالم الإخوان المسلمين عز الدين إبراهيم ، وتقول الويكيبيديا إن محمد تخرج من ساندهيرست عام 1979 .
نطرح هنا بعض الأسئلة:
هل كان مرض الشيخ خليفة متعمداً أو طبيعياً؟ كيف يمكن إصابة رئيس الدولة المحاط بالرعاية الصحية الكاملة أن يصاب بجلطة قلبية تبعده عن السلطة؟
مقارنة، كم عدد رؤساء الدول الذين أصيبوا بجلطة أثناء توليهم السلطة؟
كيف يكون محمد بن زايد من أشد أعداء الإخوان المسلمين وقد أشرف على تعليمه عالم إسلامي كبير من هذه المجموعة؟
لحل مجموعة الألغاز هذه يمكن استنتاج ما يلي:
كان مطلوباً أن يبتعد الشيخ (البدوي) خليفة عن السلطة، ولكن باسمه يتولى ولي العهد محمد بن زايد إدارة البلاد يتعلم خلالها فن الحكم، وإذا كان من خطأ فإن مسؤوليته تقع على الشيخ المريض.
محمد بن زايد هو خير مثل على تأثير المربيات القادمات من بريطانيا وأمريكا في صياغة شخصية أمير صغير تمهيداً لتوليه السلطة وضمان تبعية دولته لأمريكا وسياساتها بدون تحفظ .
(2)
كان المحلل الاستراتيجي يتساءل وهو يضع على الطاولة أمامه شجرة عائلة الملك عبد العزيز مع أبنائه وأحفاده، يتساءل، مَن مِن هؤلاء الإخوة سيكسر قاعدة ولاية العهد، حيث يتناوب الإخوة على العرش كما سنّ الأب الراحل؟ فيقوم بتعيين ابنه ويفرض ذلك على العائلة؟
36 ابناً قدموا من الدرعية عاصمة نجد مع والدهم، قاموا بغزو الجزيرة العربية بما فيها الحجاز، درة المقاطعات التي تحتوي على مكة والمدينة بعد أن طردوا الشريف حسين منها، فأصبحوا سادة المسلمين بعد أن كانوا مجرد قطاع طرق سكنوا في الخيام وبيوت مبنية من الطين.
ترددت كثيراً في ذكر هذا المثل عن قصة حقيقية حدثت في بداية الخمسينات من القرن الماضي ، فقد يعتبرها البعض غير لائقة ولكن هاهي بدون رتوش:
ذكر لي صديقي المهندس الفلسطيني الذي كان يعمل في الرياض أن صديقه الفلسطيني الذي كان مديراً لمكتب أحد الأمراء من أبناء عبد العزيز، أخبره القصة التالية وهو يضحك:
وصلت برقية من فندق دورشستر ( وهو الفندق الذي يقيم فيه الملوك وكبار الشخصيات عند زيارتهم لندن) . كان نصها كالتالي:
(We search everywhere , where you put it this time?)
ضحك الأمير كثيراً عندما ترجم له مدير مكتبه فحوى البرقية وقال له ببراءة:
أبداً لقد استعملت المرحاض الافرنجي في حمام الغرفة، قبل سنة لم أكن أعرف بوجوده في الغرفة فقمت بقضاء حاجتي على جريدة وضعتها أسفل السرير وفي المرة الثانية وضعتها في الخزانة.
كان الأمير مبعوثاً من والده لعمل مفاوضات مع الحكومة البريطانية.
لهذا فإن تعامل المخابرات المركزية مع الأبناء كان صعباً ومن الأفضل تربية جيل جديد من الأبناء مختلف في التفكير والتوجه، لن ينسوا ما فعله الملك فيصل عندما قطع البترول في حرب 1973 ، وعلى إثرها ارتفع سعر برميل النفط عدة أضعاف ولن ينسوا كيف وقفت الولايات المتحدة في طوابير أمام محطات البنزين.
اجتهدت المربيات في تربية الأمراء الجدد، والحق أن العدد كان كبيراً ، وبدلاً من ذهاب الأمراء الى الصحراء لتعلم الرجولة مبكراً، كانوا يتعلمون أصول البروتوكول واللغات الاجنبية بما في ذلك تثبيت تفوق الرجل الأبيض في وعي الأمراء الصغار.
بعد وفاة ولي العهد مقرن بن عبدالعزيز أخي الملك سلمان ، كان عليه تعيين ولي عهد جديد ، نجد هنا بصمات المخابرات المركزية، ولكن نقول، كان في منتهى الذكاء وعين أبن أخيه الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد وعين ابنه محمداً ولياً لولي العهد ، وهكذا أنهى سلمان قانون توارث الإخوة للعرش ، كان ذلك مقبولاً للعائلة فالرجل لم يعين ابنه مباشرة ولكن ابن أخيه.
كان محمد بن نايف جسراً لعبور الابن محمد لولاية العهد مباشرة بعد سنتين.
في بداية ولاية عهد محمد بن سلمان، حدث أمران مهمان نجد فيهما أيضاً بصمات المخابرات المركزية.
الأمر الأول : اعتقال الأمراء ورجال الأعمال الكبار في فندق الريتز كارلتون بتاريخ 4 نوفمبر 2017
كانت الحجة القضاء على الفساد وجمع المال ولكن الهدف الحقيقي تطويع الأمراء من الجيل الثاني ، المنافسين على السلطة والذين تمت تربيتهم بنفس طريقة تربية محمد بن سلمان على أيدي المربيات الأجنبيات، وصل الأمر أثناء الاعتقال الى ضربهم وإهانتهم بحيث يدخل في وعيهم من هو السيد المطاع، كانت قد صدرت بعض التصريحات منهم قبل الاعتقال تفيد بعدم رضاهم عن ترتيب ولاية العهد، بعد الإفراج عنهم لم يسمح لأحد منهم بمغادرة المملكة وبعضهم له مصالح كبيرة في خارجها ، كان بعضهم قبل ذلك لا يعيش في المملكة إلا لوقت قصير.
الأمر الثاني: اغتيال جمال خاشقجي بتاريخ 2 أكتوبر 2018
بعد أن استتب الأمر لمحمد بن سلمان كان على المخابرات تطويع محمد بن سلمان نفسه.
في منتهى الغرابة، أن يكتب صحفي أجنبي مقالات في الوشنجتون بوست، بدأ خاشقجي كتابة هذه المقالات في عام 2017 ، يقال إن هذا الترتيب قد حدث بتأثير الأمير وليد بن طلال. تم تضخيم الأمر لابن سلمان أن خاشقجي يمثل خطراً عليه، ولكن من يقرأ الواشنجتون بوست من العرب؟ ومن يهتم بمقالات عن الأوضاع السعودية من الأمريكان المعتادين على انتقادات الصحفيين تصل إلى شرشحة رئيس الولايات المتحدة نفسه.
ولكن تم استغلال تهور الأمير الشاب فقام في عملية هوليودية بقتل الصحفي الذي يحمل بطاقة إقامة دائمة في الولايات المتحدة.
يبرز سؤال هنا: لو كان جمال خاشقجي يدرك أن مقالاته ضد النظام وتضر به، لما وطأت قدماه القنصلية السعودية، كانت مقالاته من نوع: أصلحك الله أيها الأمير، ولكن...
عاصر بن سلمان رئيسين للولايات المتحدة وكلاهما لم يستمع لنصائح المخابرات المركزية في كيفية التعامل معه. ترامب استغله أبشع استغلال وقنص منه 450 مليار دولار واستعمله كحائط يشرح فيه مزايا الأسلحة التي سيبيعها له.
خروجاً عن الموضوع: ماذا يفعل مبلغ ضخم كهذا لتنمية الدول العربية التي ترزح تحت رحمة الديون ومعظم شعوبها تعيش تحت خط الفقر؟
أما بايدن فقد حلف بأغلظ الأيمان أنه لن يضع يده في يد بن سلمان أثناء حملته الانتخابية، وحنث بذلك عند أول أزمة في سوق النفط.
محمد بن سلمان، مثل أنور السادات، خير مثل على انفصال الحاكم عن الرعية، قام الرجل بعمل تغيير جذري في المجتمع السعودي، من مجتمع متزمت تحكمه لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تضرب الناس فيما لو فوتوا مواعيد الصلاة، إلى مجتمع الترفيه والمجون بدون المرور على مرحلة الثقافة والكتب والعلوم، وحتى يتسنى له ذلك قام باعتقال عدد كبير من الشيوخ المذهولين ووضعهم ليموتوا في السجون بدون محاكمات، فهذه الرفاهية لن تصل الى المملكة في عهد الملوك القادمين من الصحراء.
من بقي من الشيوخ هم الذين يقولون إن طاعة ولي الأمر هي من طاعة الله.
في اختتام هذه النبذة عن المملكة العربية السعودية يمكن القول إن تربية محمد بن سلمان تتيح له أن يجد أن من الطبيعي أن يقوم بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
(3)
المملكة الهاشمية الأردنية
وصل يوم 25 يناير 1999 ، كان الجو ماطراً وشديد البرودة في عاصمة ملكه عمان، كان ملك الأردن متلفحاً بكوفية حمراء يقف في سيارة مكشوفة يحيي المارة الذين اصطفوا على جانبي الطريق، بدا الإرهاق عليه، ولم يكن هذا من طول الرحلة من مكان إقامته الجديد في مايو كلينيك في روتشيستر - مينيسوتا بل من السرطان الذي ينهش جسمه والعلاج الكيماوي الذي غير لونه وأفقده شعره، كان الحسين بن طلال يعرف أنه على وشك الموت ومع هذا تحامل على نفسه ووصل عمان لسبب واحد هو تغيير ولاية العهد، قال إنه يستعمل حقه الدستوري ويريد نقل ولاية العهد من أخيه الحسن بن طلال الذي استمر في هذا المنصب لمدة 34 عاماً إلى ابنه عبدالله.
أحياناً تمر علينا كثير من الأحداث بدون تدقيق، في الإصابة بالمرض نسلم بما حدث ونقول هذا قضاء الله وقدره. أصيب الحسين بن طلال بالسرطان ولكن عند استعراض تاريخ العائلة نجد ما يلي:
الجد الأكبر الشريف حسين مات عن عمر يناهز 78 عاماً.
الجد عبدالله بن الحسين كان بصحة جيدة عندما اغتيل عن عمر يناهز 69 عاماً.
الأب طلال بن عبد الله توفي عن عمر ناهز 63 عاماً ولم يعرف عنه إصابته بالسرطان.
الأم زين الشرف توفيت عن عمر ناهز 78 عاماً.
الأخ محمد توفي عن عمر ناهز 81 عاماً.
الاخ حسن يتمتع بصحة جيدة في عمر 77 عاماً.
وأعتقد أن هذه عينة كافية من العائلة لنعرف أنه لا يوجد في جيناتها هذا المرض الخبيث ولم يصب به سوى الحسين بن طلال وفي مكان بعيد عن الرئتين نظراً لكونه مدخناً.
ملاحظة:
لا يوجد في العالم العربي مقدرات علمية كافية للكشف عن كيفية إصابة الزعماء المناوئين بالأمراض القاتلة ولهذا لم يتم التحقيق في موت جمال عبدالناصر وهواري بومدين وياسر عرفات.
في استعراض تاريخ الحسين بن طلال نجد ما يلي:
عرف عنه أن اسمه الحركي في المخابرات المركزية مستر بيف Mr. Beef ، وكان يتقاضى راتباً شهرياً من المخابرات المركزية حتى أوقف الراتب جيمي كارتر وتم تحويله إلى الخزانة الأردنية.
اعتقد الملك أن انتماءه للمخابرات المركزية يمنحه الحصانة في منطقة مضطربة مليئة بالأعداء الطامحين للإطاحة به كما حدث مع الجناح العراقي للعائلة الهاشمية التي أطاح بها الجيش عام 1958. وبالنسبة للمخابرات المركزية كانت خطيئة الحسين الكبرى هي الوقوف إلى جانب صدام حسين عند احتلاله الكويت واعتبارها المحافظة 19 في العراق في العام 1991.
لو كانت المخابرات المركزية رجلاً لقلنا إن إصابة الحسين بالسرطان هو انتقام المخابرات المتأخر من أحد عملائها بسبب اتخاذه سياسة مضادة لسياستها، لكن الموضوع تعلق بمخططات المستقبل للعراق.
ورغم أن العلاقة بين الملك حسين وصدام حسين لم تكن على ما يرام في الفترة الأخيرة من حياته، إلا أن المخططات التي تضعها المخابرات المركزية لا تسمح بوجود ثغرة في المخطط، وضمن ذلك إحاطة العراق بسوار من الدول العدوة، وكانت نقطة الضعف هي الأردن، فمن يدري لو انقلب الحسين وأيد صدام مرة ثانية؟ لهذا فإن تغيير رأس النظام في الأردن كان مطلوباً ولكن في وجود الرجل المناسب، والأمير حسن لم يكن ذلك الرجل فهو مثل أخيه، والمرشح المناسب هو الأمير عبدالله.
وطلب المخابرات من الملك تغيير ولي عهده الى الابن لاقى هوىً في نفس الحسين وهكذا تحامل على نفسه، مدركاً أن أجله قريب، ورجع الى عمان ليغير مادة في الدستور، وافق عليها مجلسا النواب والأعيان فوراً ودون دراسة.
بعد 13 يوماً فقط، توفي الملك حسين في 7 فبراير 1999.
الأمير عبدالله نصف إنجليزي، تربى في بريطانيا على يد المربيات الإنجليزيات، كان عمره 37 عاماً عندما حلف قسم توليه العرش بلغة عربية ثقيلة مثل أي أجنبي لا يتقن اللغة.
في عهد الملك عبدالله الثاني أصبح الأردن مديناً للبنك الدولي بمبلغ ضخم وجزء هام من الميزانية مخصص لسداد الدين وفوائده وهكذا انحدر جزء كبير من الطبقة الوسطى إلى طبقة الفقراء الذين يلهثون لتحصيل لقمة العيش، كما أنه سمح بوجود قواعد أمريكية في الأردن كرديف لقواعدها في العراق وسوريا.
...
وفي المغرب تربى الأمير الصغير محمد على يد المربيات الفرنسيات، وأصبح فيما بعد الملك محمد السادس رئيس لجنة إنقاذ القدس، وتبخرت اللجنة كأنها لم تكن عندما قام الملك بالتطبيع مع إسرائيل.
منذ سار بنو أمية على نهج الحكم الفردي الوراثي منذ أربعة عشر قرناً لم يتغير النهج في العالم العربي، وكانت النتيجة تدهور أحوال هذا العالم من سيء الى أسوأ، وكل الدول بلا استثناء تتمتع بالمرتبات الدنيا بين الدول، ومدة أي حاكم تصل إلى 30 عاماً أو أكثر، إلا في حالة الوفاة.
بينما المدة القصوى لأي حاكم ليحكم بكفاءة هي عشر سنوات على الأقصى، لأن المنصب يتطلب جهداً كبيرأ يستهلك قوة الفرد الذهنية حتى لو كانت صحته ممتازة.
كما لاحظنا فقد سقطت أمبراطوريات بأكملها نتيجة الخلل الكامن في بقاء الحاكم في منصبه لمدة طويلة. ولهذا فالعمل لبناء الديمقراطية الحقيقية في كل دولة عربية وإخضاع المنصب الأول لحكم الشعب هو نضال في الاتجاه الصحيح، كما أن تحديد المدة بفترة أربع أو خمس سنوات على أن لا تتجاوز مدة الحكم فترتين هو أساس لقانون المنصب الأول، مهما كانت شعبية الحاكم.
كما أن النضال لبناء الوحدة العربية من أجل تكامل الدول الصغيرة حتى تصبح حزمة قوية ترفع شأن مواطنها ليعيش كريماً قوياً هو هدف لا مندوحة عنه في زمن لا يحترم سوى الكبار الأقوياء.
وتحقيق الهدفين السابقين مهمة في غاية الصعوبة نظراً لعدم قدرة الطبقة الوسطى في كل بلد على تكوين أحزابها التي تستطيع قيادة الجماهير في الاتجاه الصحيح.
ولكن هذا موضوع أخر، ولكني أومن بأن النصر دائماً للشعوب وأن الفجر قادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق