يسألونك عن العالم، قل ما بين ظالم مجرم، ومتآمر خائن، ومتخاذل عاجز،لا يتحلون جميعًا بالضمير، ولايعرفون الرحمة، متجاهلين الشرائع السماوية التي تنهى عن الظلم والخيانة، وتحض على النجدة والمساعدة، متمسكين بقوانين وضعية ومنظمات دولية وحقوقية، أُسست ليحتكم إليها المظلوم.
هذا العالم، تهاوت فيه القيم والمبادئ، وانعدمت فيه الأخلاق، وخلت القلوب من الرحمة ونجدة المظلوم؛ فالكل يرى ذبح المظلوم ويسمع صرخات الجرحى، دون أن يقدم له يد المساعدة.
إنه عالَم ضال، يسبح في بحر الظلمات، يغيب عنه العدل، وتسيطر عليه القوة الغاشمة التي هي أساس الظلم والتآمر والتخاذل؛ تلك الرذائل السائدة الآن في العالم؛ نتيجة البعد عن منهج الله؛ لذلك تجدهم ضد أهل العقيدة المقاومين للظلم، والمؤمنين بالقيم والأخلاق الحسنة.
يشهد العالم الذي نعيشه، قتلًا ودمارًا وحشيًا يوميًا طوال أكثر من مائة وعشرة أيام ضد أهل العقيدة الصحيحة، بينما يقف الجميع متفرجًا على الظالم المجرم المتمثل في الاحتلال الصهيوني، الذي يرتكب كل ما نهت عنه القوانين الدولية وقوانين الأمم المتحدة؛ من إبادة وقتل للمدنيين العزل والأطفال الرضع والعجائز، وقصف للمستشفيات والمساجد والكنائس والجامعات والمدارس بما في ذلك التابعة للأنروا.
هذا الاحتلال الوقح الذي يمارس الكذب والفجور، يقوم بالقتل والتدمير وهو في قمة نشوته؛ لعلمه أنه لن يرده أحد، وأنه لن تردعه أية قوانين أو قوى دولية، خاصة أن الأمم المتحدة أصدرت عشرات القرارات ضده لصالح فلسطين، دون أن يُنفذ منها قرار واحد.
لذلك يتفنن المتآمر الخائن في تآمره وخيانته، بينما يقف المتخاذل عاجزًا عن فعل ما يجب، وبينهما يقف أهل العقيدة؛ أهل الشرف والتضحية والصمود والتحدي والإرادة يقاومون ببسالة وشجاعة نادرة.
يتشدق الظالم بحرية الرأي والتعبير والالتزام بالقانون عندما يكون له غرض ويريد ابتزاز الخائن أو الضعيف، وينحاز الظالم للمجرم القاتل لأسباب عقائدية ويريد السيطرة على الجميع؛ فتجد الغرب بقيادة أمريكا يتحيز لإسرائيل؛ الدولة الوظيفية التي زرعها في قلب الوطن العربي لتقوم بدور الصهيونية في المنطقة، والسيطرة عليها، وإنهاكها اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا ودينيًا، مع إحداث بلبلة بين الشعوب؛ بالتعاون مع عملائهم الذين زرعوهم في المنطقة ليقوموا بدور وظيفي - نيابة عنهم- بإخضاعها لمساندة المجرم والظالم، مقابل بقائهم في مناصبهم، متظاهرين بأنهم أصحاب قرار في بلادهم!
وقد وصلت سياسة الظالم لأبعد غاياتها في دعم السرطان الحقير -إسرائيل- في قلب الوطن العربي؛ فقام الغرب بقيادة أمريكا بدعمه سياسيًا ودوليًا وماديًا وعسكريًا وبكل الوسائل؛ لكي ينمو ويتوسع ويفرز سمومه بتخريب المنطقة العربية؛ بما يقوم به على مدار أكثر من مائة يوم من إبادة للبشر والحجر على أعين العالم، دون رحمة، أو شفقة، أو إنسانية.
ونلاحظ الاستنفار الغربي لمساندة الكيان الصهيوني المحتل ضد أصحاب الأرض والحق من المقاومة الباسلة التي لايتعدى عدد أفرادها 30 ألف مقاتل، بينما يخيم الصمت على الدول العربية؛ ما يشير بجلاء إلى حجم التآمر.
وإذا تكلمنا عن التآمر فنراه واضحًا في أن هناك دولًا تجيد فن التآمر والخيانة؛ لأنها اعتادت على السير في المعوج؛ بتوظيف قدراتها لممارسة الخيانة بكل أشكالها؛ وهو ما ظهر جليًا في في تصريحاتها المنافية للواقع، أو تصرفاتها تجاه قطاع غزة.
ويهدف حكام تلك الدول- بما تكن صدورهم من حقد وكراهية ضد من يتمسك بعقيدته وحقه- إلى القضاء على المقاومة؛ للحفاظ على مصالحهم على حساب الدين والوطن؛ إذ لولا الخيانة والتآمر العربي، ما انتصرت تلك العصابات الصهيونية.
يشن المتآمرون وأذنابهم حملات إعلامية ونفسية ليس لتشويه المقاومة فحسب، بل أيضًا لتشويه كل ما هو صحيح في الوطن العربي؛ وذلك لقتل المعنويات في نفوس الشعوب؛ ما يجعلهم يمثلون أشد خطورة على المنطقة العربية من العدو ذاته.
يتحالفون مع الظالم والمجرم في الخفاء، بينما يقولون كلامًا آخر في العلن؛ بدليل عدم تقديم الدعم للمقاومة، وترك الظالم يستغل أراضيهم حتى لا تنتصر المقاومة التي توقظ الهمم؛ فلم يتخذ الحكام العرب أي موقف ضد العدو الصهيوني، بل تجدهم مشغولين بالترفيه، وتفصيل الدين الإسلامي وفق الرؤية الغربية، وتحويله إلى مجرد طقوس تُمارَس دون روح.
إنَّ التآمر صفحة سوداء في تاريخ العرب، يتخلل سطورها الخزي والعار بعدم مساندة المقاومة، على الرغم من أنهم يمثلون خامس قوة اقتصادية على مستوى العالم؛ إذ بلغ الناتج القومي العربي في عام 2022 نحو 4.1 تريليون دولار، يذهب منه حوالي 40 % إلى الغرب لشراء سلاح ومعدات، وإنفاق سياحي، وشراء عقارات، ومضاربات على شراء الأندية الأوروبية؛ أي يعملون على تنمية اقتصاديات الغرب التي يذهب منها جزء كبير لدعم الكيان الصهيوني.
ومن أبرز صور التآمر عدم السماح بخروج مظاهرات في الدول العربية لمناصرة غزة؛ لأن انتصار المقاومة يعني إيقاظ الشعوب من غفوتها، والقضاء على عروشهم؛ إذ لو خرجت تلك المظاهرات لجرى قمعها وملاحقة الداعين إليها، بينما في المقابل تعج الشوارع في بقية دول العالم بمظاهرات عارمة تنديدًا بالعدوان الصهيوني، ومطالبةً بوقف هذا العدوان.
على الشعوب العربية إصلاح ذاتها، وغرس العقيدة الصحيحة في النشء، ونشر القيم الإسلامية والفضائل التي تجعل الإنسان يعتز بثقته في نفسه ودينه؛ فبذلك تنهض تلك الشعوب وتفيق من غيبوبتها التي فرضها الاستعمار الغربي بحكام يعملون لصالحه ضد دينهم وأوطانهم.
أما المتخاذل العاجز؛ فهو فاتر القوة، خائر الهمة، بعيد عن إدراك أن الحكام جعلوا الوطن العربي مجرد جثة تتقاسمها الذئاب، كما يخشى هؤلاء المتخاذلون الوقوع في صدام مع الغرب قد ينتهي بتدميرهم، أو يخشون على مصالحهم.
أما الذين يقاومون ويدافعون فهم أهل العقيدة التي صنعت تلك الرجال الذين يدفعون حياتهم ثمنًا للحق؛ ما جعل شرارة طوفان الأقصي تشتعل وتعلن للعالم أن هناك أصحاب حق، وتُرجِع القضية الفلسطينية إلى المشهد، بعد غيابها طويلًا.
لقد هزت شرارة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023 الثقة في عصابات الاحتلال وحطمت معنوياتهم؛ ما جعلهم في نظر أنفسهم والعالم الأضعف والمعتدي على الحقوق، وجعل المقاومة الأقوى، وفي نظر العالم الظالم المتآمر المتخاذل أنها صاحبة الحق.
استطاعت المقاومة استنزاف قدرات المحتل الصهيوني ووضعته في حجمه الطبيعي، وأحرجت المتآمرين والخونة ووضعت الظالم المجرم في مأزق، وجعلت المتخاذل العاجز يندم لعدم مساندته للمقاومة.
لقد بصَّرت المقاومة الأجيال الجديدة- التي لم تعاصر الحروب- بحقائق الأمور ليعرفوا حجم الظلم والتآمر والخيانة على الدين والأوطان، وأظهرت أنهم أصحاب رسالة في الدفاع عن وطنهم ودينهم وأعراضهم، وأنهم قادرون على التضحية في سبيل الدفاع عن أراضيهم ومقدساتهم، وحبهم للجهاد؛ إذ يتحلون بالصبر وبمعنويات عالية لتمسكهم بعقيدتهم؛ ما جعلهم منتصرين رغم التدمير والقتل الذي أصاب المدنيين الأبرياء.
ولا شك في أنه ينطبق عليهم قول الله تعالى:" إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ"؛ فالقوى المعنوية تعادل القوى المادية ثلاث مرات؛ ما جعل رجال المقاومة يتمنون الشهادة في سبيل الله؛ دفاعًا عن عقيدتهم ووطنهم.
المقاومة تحارب اليوم لأكثر من مائة يوم؛ لإيمانها بعقيدتها في الدفاع عن كرامتها ومقدساتها وأرضها؛ فهذا جيل تربي وتدرب على التمسك بعقيدته، واختلط الإيمان بدمه وعقله فهو يقاتل مهما تفوق عليه العدو في العدد والعدة؛ ليقينه أن محاربته لهذا العدو هي دفاع عن أرضه، وطلب لحريته وتأمين لمصلحته وجهاد في سبيل الله يستحق النصر في الدنيا والمثوبة الكريمة في الآخرة؛ مصداقًا لقوله تعالى: " الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ"؛ فهذا دليل على التمسك بالدين وبوعد الله بالنصر المبين.
المقاومة قوية ومستمرة؛ لأن الله معها ويؤيدها؛ فقد وقفت- ولاتزال- أمام المجرم، وهزمت الظالم، وعمَّقت الشرخ في داخله، وكشفت المتآمر وأظهرته على حقيقته، وأحرجت المتخاذل العاجز الخائف، وأوضحت للجميع حجم المؤامرة الداخلية والخارجية؛ فما تسطره المقاومة من صمود وتحدٍ وقوة ردع وصلابة، سيسجله التاريخ بحروف من نور، وتتناقله الأجيال، وسيندم كلُ من لم يهب لمناصرتها.
لقد كشفت المقاومة، الدعاية الإعلامية الزائفة بأن الكيان الصهيوني لا يُهزم؛ بزعم ما لديه من قدرات عالية تحول دون هزيمته؛ وهي دعاية وضع بذرتها الظالم، ونماها المتآمر، وسار في ركابهما وصدقهما المتخاذل.
ولايدرك الظلمة والخونة والمتخاذلون معني العقيدة التي يتحلي بها رجال المقاومة الذين يوقنون بالجهاد وبأن نتيجة المعركة إما النصر أو الاستشهاد، وأن إرادتهم لا تنكسر مهما كانت قوة العدو، وأنهم يعون جيدًا أن الكيان الصهيوني والغرب والمتآمرين إنما يريدون سلامًا مبنيًا على الظلم والقوة واغتصاب الحقوق والإرهاب والإذلال والخوف والتطبيع مع شعوب المنطقة؛ لذا أفشلت المقاومة كل المخططات التي يتم التنسيق والإعداد لها منذ فترة.
لم يشهد التاريخ إرهابًا وتنكيلًا أشد وأقسي مما تمارسه قوات الاحتلال الصهيوني المجرمة ضد شعب أعزل، وبدعم كامل من الغرب بقيادة أمريكا، وتآمر وتخاذل عربي، خشية أن تنتصر المقاومة؛ فأصبح شغلهم الشاغل هو كيفية القضاء على المقاومة لتحقيق أهداف الكيان المحتل بإخضاع غزة لما يُسمَّي بالسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؛ وهو ما لن يتمكنوا من تحقيقه؛ فعلى الرغم من الإبادة التي يقوم بها العدو الصهيوني للبشر والحجر، إلا أنه لم يحقق أي انتصار ملموس على أرض الواقع بعد مرور أكثر من مائة يوم.
إنَّ العالم يشهد الدمار والصورة المخزية للغاية بأيدي المجرمين، وبمساندة الغرب، وصمت العرب، وتخاذل وعجز المنظمات الدولية المنوط بها حفظ السلام والدفاع عن المظلوم؛ ما جعل الكيان الصهيوني يزيد من إجرامه دون توقف.
*أمين الصندوق بنقابة الصحفيين المصريين
رئيس تحرير الاهرام المسائي سابقا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق