أرى تحت الرماد وميض جمر ، ويوشك أن يكون له ضرام ..
فإن النار بالعودين تذكى ، وإن الحرب مبدؤها كلام”.
“فإن لم يطفئها عقلاء قومي ، يكون وقودها جثث وهام ..
فقلت من التعجب ليت شعري ، أيقاظ أمية أم نيام ..
فإن يقظت فذاك بقاء ملك ، وإن رقدت فإني لا ألام”.
الشاعر الأموي نصر بن سيار
نشرت عدة مواقع استنادا للوكالات تقريرا منسوبا لعميل مخابرات امريكية سابق اسمه بيل ستيوارت ، يقول فيه ان خطة تقسيم الاقطار العربية ستشمل كافة الاقطار العربية باستثناء مصر وتونس والمغرب والجزائر ! وقال العميل حرفيا ما يلي : ( أنَّ الدول التي ستسلمُ من التقسيم هيَ المغرب والجزائر وتونس ومصر، معتبرا أنها تختلفُ بصورةٍ جذريَّة ) . المصدر : اربع دول عربية فقط ستنجُو من التقسيم افاق مصرية 28-1-2015 .
هل ستنجو مصر والمغرب والجزائر وتونس حقا من خطة تقسيم الاقطار العربية كما يدعي ضابط المخابرات السابق ؟ للاجابة بصواب من الضروري ملاحظة ما يلي :
1-التقسيم الشامل : كافة الخطط الصهيونية التي ظهرت منذ المؤتمر الصهيوني الاول في عام 1897 في سويسرا تؤكد بلا غموض حتمية تقسيم الاقطار العربية في المشرق والمغرب وبلا اي استثناء لعدة اسباب منها ان بقاء الكيان الصهيوني مشروط بتسخير موارد العرب لاقامة اسرائيل الكبرى والممتدة من الفرات الى النيل نتيجة الفقر المعروف لارض فلسطين بالموارد الضرورية لقيام امبراطورية صهيونية لهذا لابد من السيطرة وقبل كل شيء على الاقطار التي تتوفر فيها المياة قبل غيرها وهنا نجد ان العراق ومصر يتقدمان كافة الصفوف في موضوع المياه لوجود النيل في مصر ودجلة والفرات في العراق . هذه حقيقة جيوبولتيكية ثابتة تجاهلها يفضي الى هزيمتنا النهائية . اذن احدى اهم الحقائق اليت لابد من تذكرها دائما هي ان قيام اسرائيل التوراتية او الكبرى مشروط بالسيطرة على الموارد المائية للعراق ومصر وهذا مستحيل من دون تقسيمهما .
2-مثلث الحضارة والهوية : مصر والعراق وسوريا تشكل التهديد الاعظم للكيان الصهيوني لان البنية الاجتماعية مستندة على ارث حضاري مجيد بلور عبر الاف السنين هوية قومية واضحة جدا وانتج شخصية تاريخية غير قابلة للتذويب المخطط وتستطيع احتواء كافة التيارات الوافدة التي تهدد الهوية القومية ، لهذا فهي تملك كافة مقومات البقاء والمقاومة الشرسة لاي احتلال او مس بالهوية . وبناء عليه فان السيطرة على موارد مصر والعراق المائية تفرض تبني خطة التدمير المنظم الطويل النفس للهوية الوطنية والقومية لهذه الاقطار .
3-تحكم قوانين الجيوبولتيك : الارض التي تقوم عليها اسرائيل الغربية لا تسمح لها بالبقاء فهي من نوع الدول التي اما ان تتوسع اعتمادا على موارد الغير او تموت نتيجة كبر مشروعها الامبراطوري الصهيوني وفقر فلسطين ، اما اسرائيل الشرقية ( بلاد فارس ) فهي الاخرى لا تملك مقومات انشاء امبراطورية اقليمية او عالمية لان موارد بلاد فارس الاصلية محدودة وفقيرة لذلك فان فارس عبر التاريخ كانت لا تتسع جغرافيا الا عندما تحتل دولا اخرى وتسخر مواردها لخدمة المشروع الامبراطوي الفارسي خصوصا احتلال بلاد الرافدين الغنية بالمياه والارض الزراعية وهما ما كانت ومازالت تحتاج اليهما بلاد فارس .
التوسع الامبريالي الصهيوني والفارسي هنا هو عملية حتمية لا يمكن الاستغناء عنها ، فالصراع حول موارد محدودة وارض محدودة هو صراع بقاء ووجود بالنسبة للصهيونية وللشوفينية الفارسية ولذلك فان نجاح اي مشروع امبراطوري فارسي او صهيوني يعتمد اساسا على موارد العراق ومصر وسوريا وغيرها . وبما ان الموارد المستهدفة خاصة بهوية بعينها فان الصراع حتمي وهو صراع وجود وبقاء وليس حدود او ايديولوجيات .
4-العقبة المصرية : الكتلة البشرية المصرية متماسكة بهويتها الحضارية ونجحت عبر الاف السنين بالمحافظة على خصوصيتها القومية استنادا الى اليات ( ميكانزم ) توحدها النفسية كلما واجهت تحديات خارجية ، فهي اكبر الاقطار العربية سكانيا وهي متماسكة الهوية ولا توجد اقليات قومية او اثنية او طائفية باستثناء موضوع الاقباط ( المطروح حديثا ) وهم مصريون عرب الهوية لكن ديانتهم مسيحية ولم تظهر اي مشكلة خلال قرون وعاش كل ابناء مصر بانسجام لدرجة ان المصري لا يعرف دين المصري الاخر ، تماما مثل العراق حيث كان العراقي لا يعرف دين او طائفة العراقي الاخر لانهم كلهم عرب .
فهل يمكن للمشروع الصهيوني الاكبر وللمشروع الفارسي الاكبر ان لا يضعا خططا للتغلب على عقبة خطيرة هي متانة الشخصية الحضارية المصرية والعراقية والسورية التي تقف سدا منيعا امام اي توسع امبريالي على حسابها ؟ اول واهم اهداف المشروعين الامبرياليين الصهيوني والفارسي تدمير عقبة وجود شخصية حضارية متماسكة وقادرة على احباط محاولات اختراقها عن طريق تفتيتها طائفيا .
ما يجب عدم نسيانه ابدا هو ان قلب المشروع الصهيوني وقاعدته هي السيطرة على المنطقة المحصورة بين الفرات والنيل – اي مصر وبلاد الشام والعراق - ولهذا علق الشعار التاريخي للصهيونية في الكنسيت طوال عقود وهو ( ارضك يا اسرائيل من الفرات الى النيل ) ، ولكن المشروع الصهيوني لا ينحصر جغرافيا في هذه المنطقة العربية لانه مشروع كوني شامل هدفه السيطرة على العالم وجعل اسرائيل الكبرى حكومة العالم كله ، لهذا فان منطقة التأسيس الامبراطوري الواقعة بين الفرات والنيل ليست سوى مقفز للتوسع الاقليمي اللاحق ، فبعد ان تقام اسرائيل الكبرى تبدأ بالتوسع الجغرافي والسياسي والعسكري والاقتصادي لتشمل كافة الاقطار العربية اولا ثم باقي دول الاقليم والعالم ثانيا .
وهذا الامر تحتاج اليه اسرائيل الشرقية ايضا ، فبلاد فارس فقيرة بالمياه والارض الزراعية ومراكز الحضارة العربية في العراق والشام ومصر فيها كل ما تحتاج اليه الامبريالية الفارسية لذلك فان اي مشروع امبراطوري فارسي يرتهن نجاحه في القدرة على اختراق تلك الاقطار العربية والسيطرة عليها فمشروع الفرس مثل المشروع الصهيوني يقوم على الاستيلاء على موارد الغير . اي ان الامبراطوريتين الصهيونية والفارسية تقومان بالغير وليس بالذات . من لا يأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار سيعجز عن فهم ما يجري الان .
5- سيطر على القلب تتحكم بالمحيط : النظرية الجيوبولتيكية الجديدة التي حلت محل نظرية ماكندر وظهرت في السبعينيات تقول من يسيطر على الطاقة يحكم العالم ، والطاقة – النفط والغاز – والماء والارض الزراعية هي اهم الشروط الحتمية لقيام اسرائيل الكبرى وفارس الكبرى وتوفير القدرة لها على التحكم بالعالم كله ، وهنا نرى ان الاقطار الغنية بالطاقة مثل دول الخليج العربي ، بضمنها العراق ، والجزائر في مقدمة من يجب السيطرة على مصادر الطاقة لديها . اما الشام فقد دخلت الاطار الناري لمنطقة الطاقة باكتشاف امريكا واسرائيل قبل ان يعرف كافة العرب وجود مخزون هائل للغاز في بحر الشام يقلب موازين القوى في الوطن العربي وربما في العالم كله وهو ممتد على طول الساحل الشامي من فلسطين الى سوريا مرورا بلبنان . هنا مكمن المستقبل لاي امبراطورية عظمى دولية او اقليمية والصراع في وحول الشام والعراق سببه الاطار الناري للطاقة وخطوط تصديرها .
اما مصر فمن المؤكد ان فيها خصوصا في صحراء سيناء مصادر طبيعية لا نعرف بعد ما هي ولكن الاصرار على فصل سيناء عن مصر الام منذ احتلالها في عام 1967 يؤكد ان امريكا والكيان الصهيوني يعرفان ان فيها ثروات غير مكتشفة بعد من قبل العرب وهي ثروات هائلة تعيد تقدير اهيمة المنطقة كلها .
وهنا لابد من التذكير بقضية مشابهة فقد اكتشفت امريكا – من الجو - وجود احتياطي نفطي هائل في العراق يعيد تشكيل موازين الطاقة في العالم ، فالاحتياطي العراقي الرسمي هو 120 مليار برميل بينما الاحتياطي السعودي هو 220 مليار برميل وما اكتشف في نهاية الثمانينيات – على الارجح - في العراق هو وجود احتياطي يقدر باكثر من 300 مليار برميل وهناك مناطق فيها نفط وغاز لم تكتشف بعد في العراق مما يرفع الاحتياطي العراقي الى اكثر من 400 مليار برميل ، بالاضافة لاكتشاف ( جبال ) اليورانيوم وغيره .
امريكا لم تعلن عن ذلك وقتها وتتجنب حاليا تأكيده وبدأت تنفيذ خطة للسيطرة على العراق واحكام القبضة على موارده من الطاقة لانها الاكبر والاطول عمرا ، والاهم انها الارخص تكلفة ، في العالم كله وبلا اي استثناء ، بالاضافة الى بقية الموارد الستراتيجية غير المكتشفة او المكتشفة ولكن المعلن ليس حجمها الحقيقي ، وكل ما جرى للعراق منذ تنصيب امريكا والصهيونية لخميني ملكا على اسرائيل الشرقية وحتى غزو العراق وتدميره يقع في اطار هذا الاكتشاف . لذلك فمن الحكمة تبني طلائع مصر قناعة ثابتة بان استكلاب امريكا واسرائيل الغربية في محاولة فصل سيناء عن مصر بطرق قديمة – اتفاقيتا كامب ديفيد - ومبتكرة - الارهاب في سيناء - يعود اساسا الى انها مكمن ثروات ستراتيجية هائلة لم تكتشف بعد وان ما اكتشف منها لا يشكل الا جزء بسيطا مما فيها .
6-الطاقة البديلة : اما الجزائر فهي مثل العراق والشام ومصر من حيث وجود الطاقة فهي قطر نفطي رئيس لذلك لابد من احكام السيطرة على نفطها بالكامل ، وزادت اهمية الجزائر بالنسبة لامريكا عندما طرح مشروع اوربي لاستغلال الصحراء الجزائرية في توفير الطاقة الشمسية لاوربا – بدل الغاز - ووضعت خطط تفصيلية لهذا المشروع الستراتيجي . ما هي اهمية هذا المشروع الاوربي ؟
أ-لو نفذ هذا المشروع فسوف يوفر للاتحاد الاوربي مصدرا رخيصا وهائلا للطاقة البديلة عن النفط والغاز والذي ارتهنت بسببه اوربا الى من يصدره لها وبقيت ناقصة الاستقلال الاقتصادي ، وبما ان اوربا بالنسبة لامريكا هي حديقتها الخلفية والاخ الاصغر لها الذي تعتمد عليه في عدة مجالات منها دعم النظام المالي العالمي المسيطر عليه بالدولار فان الاستقلال الاوربي بالطاقة سوف يعجل باكمال الاستقلال الاقتصادي وصعود اليورو كعملة اخرى تحل محل الدولار او تنافسه بقوة ، فيوفر ذلك قدرة اكبر على تحقيق الاستقلال السياسي عن امريكا ، وهذه ضربة ستراتيجية لامريكا لاتتحملها ولا تقبل بها لانها لو تحققت تنهي خططها بفرض سيطرتها المنفردة على العالم ويسقط مشروع النظام العالمي الجديد الذي تريد امريكا اقامته واساسه الدولار .
ب- لهذا كان لابد من تدخل امريكا في الجزائر وتولي المسؤولية المباشرة لتنفيذ خطة كانت فرنسا تتولى تنفيذها وهي تقسيم الجزائر بين البربر والعرب وبين المسلمين والمسيحيين – ولهذا تزداد الدعوة التبشيرية في الجزائر ويزداد عدد المسيحيين فيها - لتسهيل السيطرة عليها ، والصراعات في الجزائر لها صلة مباشرة بهذه الحقيقة . انه صراع امريكي فرنسي وصل مرحلة التحول الى جزء من ترتيبات امريكا العالمية الممهدة لنظام عالمي جديد اعلنت عنه في نهاية الثمانينيات لكنه لم يقم لان امريكا واجهت عقبات خطيرة ابرزها تفاقم ازمتها البنيوية وعجزها عن توفير متطلبات السيطرة على العالم بمفردها وبروز مقاومة شعبية عراقية مسلحة كشفت العيوب التي كانت امريكا تخفيها عن العالم فتدهورت قدرتها على الابتزاز وممارسة القوة المفرطة مع بقية العالم .
7-الوثائق : ما سبق من معلومات ومواقف واتجاهات ستراتيجية تدعمه وثائق خطيرة معلنة منها وربما اخرها وثيقة عوديد ينون الكاتب الاسرائيلي ( والذي كان مستشار مناحيم بيجن عندما كتبها ) والمعنونة ( ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينيات ) اكدت على ان تقسيم مصر والسودان والجزائر وبقية اقطار المغرب العربي يقع في صلب المخطط الصهيوني ودعت الى اشعال فتن طائفية وعرقية في مصر بين الاقباط والمسلمين ، وطرح اقامة دول النوبيين والسنة والفاطيميين ..الخ . بل ان تلك الوثيقة تعبر بقوة عن الندم للانسحاب من سيناء بعد توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد مع السادات رغم انها بقيت محيّدة عمليا ، ودعت الوثيقة الى خلق البيئة المناسبة لاعادة احتلال سيناء .
السؤال الجوهري هو : هل ما يجري الان في سيناء من اضعاف لسيطرة مصر عليها تمهيدا لفصلها عنها بعيدا عن خطة اعادة فرض سيطرة اسرائيل عليها ليس لانها حاجز طبيعي بين مصر والكيان الصهيوني فقط كما تروج الدعاية الصهيوامريكية بل لانها ، وهذا هو الاهم ، مكمن ثروات هائلة تحول الكيان الصهيوني الى قوة بالغة التفوق خصوصا بعد الكشف عن مكامن الغاز في الساحل والبحر الشاميين ؟ يتبـــــــــع ..
Almukhtar44@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق