في مقال تحت عنوان "الملجأ الأخير للأوغاد" نشرته العربي الجديد تحدث الكاتب والسيناريست بلال فضل عن صناعة الديكتاتور وادعياء الوطنية وقدرتهم على الحشد في معارك وهمية ومصطنعة واخبار مضللة وابطال وهميين .. مسقطا كلامه على النظام الحالى الحاكم في مصر.. وجاء في المقال:
كان يُفترض بالتجارب المريرة التي اكتوينا بنارها، عبر عقود من ممارسة "الوطنية الكذابة"، أن تعلمنا أن أكثر من يتبارون في إعلان حب الوطن هم المستبدون والضلاليّة وهلّيبة المال العام، لأنهم لن يجدوا وطناً أفضل منه، يتقبل حكمهم الفاشل بهذه السهولة. ولذلك، كان علينا تذكير أنفسنا بأن إنقاذ الوطن المنكوب بأفعال هؤلاء لن يكون بالتهليل والزعيق و"الخيلة الكدابة"، والتغني بالشعارات الرنانة التي "جابتنا ورا"، ولا تزال.
"اللي يعيش يا ما يشوف"، وقد عشنا وشفنا كثيراً من قبل، كيف تنجح الدعاية الكذابة في حشد المواطن البسيط نحو معارك مصنوعة، تشعره بانتصارات كاذبة، تخرجه من بؤس واقعه، وتجدد بداخله الأمل أنه يعيش في دولة لها رأس من رجلين، حتى لو ألهاه الصخب المفبرك عن إدراك أنه لا نفع من رأس دولته وأرجلها الراكلة وأذرعها الباطشة، إن لم يكن لديها عقل. لكن الجديد الذي عشنا وشفناه، في هذه الأيام المريرة، هو أن يتورط في ممارسة "الوطنية الكذابة" مثقفون كنا نراهم يعربون، دائماً، عن احترامهم وتقديرهم شخصيات مثل مايكل مور وناعوم تشومسكي وهوارد زن وجور فيدال وشين بين ومحمد علي كلاي، وعشرات غيرهم من المثقفين والفنانين، حين يتخذون مواقف جريئة ضد الحروب التي تخوضها الإدارة الأميركية، بدعوى الحرب على الإرهاب، أو الدفاع عن الأمن القومي واستعادة الهيبة الأميركية، معتبرين أن تلك المواقف المستقلة قمة الوطنية الحقيقية التي لا تربط مصالح الوطن بقرارات هوجاء، يصدرها الجنرالات، ليدفع أثمانها الباهظة الجنود والمدنيون، معتبرين أن هوجة الاتهامات التي تطال أولئك المثقفين، بسبب موقفهم، ينطبق عليها ما قاله صمويل جونسون في عبارته الشهيرة عن خطورة الوطنية حين تصبح "الملجأ الأخير للأوغاد".
ثم فجأة، وفي أعقاب طلعة جويةٍ، لا يعرف أحد لها "ساساً من راس"، وجدنا كثيرين من هؤلاء يتحولون إلى فروع متحركة للشؤون المعنوية، تردد كلاماً ظاهره الوطنية، وباطنه من خلفه الفاشية، يصادرون به على كل من يخاف على مصر من الدخول في مستنقع خارجي، للهروب من تبعات المستنقع الداخلي الذي قادها إليه نظام السيسي، ويفترضون أنك حين تنتقد جر الوطن إلى حرب غير محسوبة، وتتساءل عن جاهزية وكفاءة من يقود الحرب على داعش، أو حتى نزاهته، وأهليته المعنوية، لخوض الحرب، فأنت بالضرورة تؤيد داعش، وتقف معها، وهو ما يعيدنا ثانية إلى عقلية جورج بوش الصغير التي رفعت في أعقاب "11 سبتمبر" شعار "من ليس معنا فهو ضدنا"، وهي نفس عقلية خصمه أسامة بن لادن التي تحدثت عن انقسام العالم إلى فسطاطين، وهي ذاتها عقلية كل القادة المستبدين الذين أدخلوا بلادهم في مغامرات عسكرية، للتغطية على فشلهم وتخبطهم.
ليس من حق أحد، أياً كان موقفه، أن يلقي على الناس محاضرات في الوصفة المثالية لحب الوطن، فمن حقك أن تحب مصر كيفما شئت، وأن تتهم من شئت بعدم حبها، إذا كان ذلك يريحك، لكن ذلك لن ينفي حب مصر عمن يرفض أن يسلم المصريون عقولهم لأحد ثبت فشله وتخبطه، لأن حالة الحشد للحرب، في ظل الشعارات الوطنية الزاعقة، ونظريات المؤامرة، وروح الغضب الجماعي، ارتبطت بكوارث لا حصر لها عبر التاريخ. ومع أن الشعوب لا تستغني، أبداً، من أجل تحقيق التقدم، عن إذكاء الهِمَم وتحفيز الطاقات، لكن ذلك لن يكون إلا بترشيد الوطنية وعقلنتها، وليس بإشاعة مناخ الفاشية والتخلي عن حرية التعبير والديمقراطية وحق النقد، بزعم توحيد الصفوف، لأن وحدة الصف تصبح عيباً قاتلاً، حين يكون القائد متخبط القرار، أو منعدم الكفاءة، فينتهي بالصف الواحد إلى قرار الهاوية.
كان ينبغي لسكة "عندما نكون في حالة حرب لا تحدثني عن الحرية"، والتي "اتهرست في كذا شعب عربي وهرست كذا دولة"، ألا تنطلي من جديد على الذين رأوا كيف تم إدارة أكبر حملات نهب منظمة، بدعوى أن "مصر مستهدفة". لكن، إذا كان لتلك السكة المهروسة أن تؤتي أكُلها مع المواطن البسيط الذي وقع أسيراً لمناخ الهستيريا الإعلامية، المدارة بالأمر المباشر، فمن العار أن يتبناها كثير من المثقفين الذين يفترض أن يكونوا قد تعلموا من الواقع المرير الدامي، وإذا لم يستطع هؤلاء أن يدفعوا ثمن الوقوف ضد التيار، كما فعل المثقفون والفنانون الغربيون الذين كانوا يحترمونهم، فأقل واجب عليهم أن لا يتورطوا في التهليل لحروب غامضة النوايا، غير محسوبة الإجراءات، خصوصا إذا كان يقودها من لم يتورعوا عن قتل أبناء الوطن في شوارع الوطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق