فى دهاليز الحكم ، وخاصة فى مطبخ صنع القرار ، لا يوجد شىء يكون وليد الصدفة ، فلكل قرار أو قانون دوافع ، و أهداف يراد تحقيقها ، وهكذا تكون السياسات والتغييرات فى الرؤى والتوجهات مهما كانت صغيرة ، وخاصة فى اللحظات الفارقة للأمم والشعوب والدول ، لأن مدلول التغييرات فى مثل هذه الحالة يكون كبيرا للغاية . وينطبق هذا على حديث الرئيس السيسى أمس عن الأبرياء الذين ظلموا ،وجارى بحث حالاتهم تمهيدا للافراج عنهم ، فدوافع هذه الخطوة ربما تكون هى قناعة السيسى بأن الذين يلجأون الى العنف منذ ذكرى 25 يناير الماضى ربما يكونوا من أهالى الأبرياء الذين القى القبض عليهم ظلما ، ومن الدوافع أيضا محاولة السيسى تفادى الضغوط الدولية فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان ، ومنها محاولة إمساك خيوط شبكة النسيج الاجتماعى والحفاظ عليها من التهتك فى توقيت وبشكل لا يتحمله النظام الحاكم ، وقد يكون منها التمهيد لمصالحة فى الأفق البعيد بعد الاقتناع بالعواقب الوخيمة للمناطحة ولو على صعيد القوى المدنية مثلت عصب ثورة 25 يناير . و أكثر هدف إستراتيجى يريد السيسى تحقيقه من جراء ذلك هو تكريس انطباع بصرف النظر عن صحته من عدمه ، بأن كل الباقين فى السجون بعد قرارات الافراج المرتقية ، سجناء جنائيين مرتكبين لجرائم ، بما فيهم من سجن 4 سنوات لوجود مسطرة معه عليها شارة رابعة ، ومن حكم عليهم بالاعدام فى محاكمات تناولت مئات المتهمين ولم تستمر سوى يوما أوى يومين . و أعتقد أن السيسى لن ينجح فى تحقيق هذا الهدف ، لسبب مهم ، وهو أن الشباب الذين بدوا للجميع من كلمته ، هم الشباب غير المعارضين له ، و ليس أدل على ذلك من الحكم القاضى الصادر اليوم بسجن علاء عبد الفتاح وآخرين 5 سنوات، وهو الحكم الذى يخرجهم من دائرة الأبرياء الذين تحدث عنهم السيسى ، وكان يمكن أن يكون لخطوة السيسى مردودها السحرى لو أنها أعطت إشارات على أنها تغطى كل شباب مصر بكل قواها السياسية، بما فيها قوى الاسلام السياسى ، ولكن للأسف لم يتضمن حديث السيسى سمة التجريد فى ذلك الصدد ، وكأنه يخاطب فقط شباب تسلم الأيادى. أضف الى ذلك الى أن هناك تناقض فاضح واضح بين ما يقوله السيسى ورجالات نظامه ، وبين ما يفعلونه على أرض الواقع ، ففى الوقت الذى يظهرون فيه أنهم حريصون على إنصاف الأبرياء المظلومين فى السجون ، يصرون على إجراء تعديل كارثى فى قانون الإجراءات الجنائية ، يقضى بأن يكون للقاضى الحرية فى الاستماع للشهود من عدمه ، وهو ما ينذر بظلم كثير من الأبرياء فى الفترة المقبلة ، وهو ما أكد عليه معظم رجال القانون الذين إستطلعنا رأيهم فيه . ولأن الشىء بالشىء يذكر ، فهناك ملمح أخر لنظام حكم السيسى ، يجب معالجته فورا ، ويتمثل فى أن كل مسئول وكل قاضى اصبح - بعد اتخاذه لأى قرار أو حكم يشعر الناس بأنه قاسى- ينصب على مكتبه ما يشبه حلقة الذكر ويقسم بأغلظ الايمان ويقول : "ربنا اللى هيحاسبنى .. مفيش حد هيبقى معايا وأنا ما بين يدى الله .. و .... و ...." ، وهى موجة يرجع السبب فيها الى أن السيسى يكثر من قول " أقسم بالله .. والله العظيم " ، غير مدرك بأن القسم له أطره القانونية المنظمة له فيما يتعلق بشئون الحكم ، وليس سداحا مداحا ، فضلا عن الإكثار منه يشعرنا بأننا أمام نظام يقحم الدين فى السياسة ، برغم أنه اطاح بنظام سابق لذات السبب، بالإضافة الى أنه فى شئون الحكم يجب أن يكون الخوف من الدستور والقانون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق