حدثت الثورة ، وكان لابد وأن تحدث ، فالرئيس المخلوع ، حسنى مبارك ونظامه كان مثالاً للاستبداد والفساد ، وملأ الأرض جوراً ، وأنبت الفقر فى كل أرجائها ؛ فكان حتماً أن تثور عليه هذه الأرض ببشرها وتاريخها ، وأن تهينه كما أهانها لأكثر من ثلاثين عاماً من التبعية والفساد ، والاستبداد ومحاولة الامتلاك الشخصى للوطن عبر سياسات التوريث التى أودت به وبحكمه .
حدثت الثورة ، ثورة يناير 2011 ، وكان لابد وأن تحدث ، ولكن ماذا بعد أكثر من عامين ونصف على زلزالها ؟ للأسف لايزال الوطن يعانى ، إن لم تكن معاناته ازدادت ، واستشرت وبدأ يتفكك ، ويتسول المعونات ، ويلتحق بركب المصالح الأمريكية والإسرائيلية فى المنطقة والتى تستهدف تفكيك الدول الداعمة للمقاومة (مثل سوريا) باسم الثورات المزيفة مع الإبقاء على دول العمالة والقواعد العسكرية الأمريكية (مثل مشيخيات الخليج العربى المحتل بـ 9 قواعد عسكرية أمريكية) والادعاء بأنها الدول داعمة للثورات ، فأى ثورات تلك يدعمها رجال واشنطن وتل أبيب فى بلادنا العربية ؟!! ولنكن صرحاء حتى لو كانت صراحتنا جارحة ومؤلمة ، لقد صارت مصر دولة تابعة لكل هؤلاء بأشد مما كانت أيام حسنى مبارك، وعلى مستوى الداخل صار الفساد أكثر تغولاً وانتشاراً ، وبدا الوطن أكثر تفككاً وصار الجيش مشتتاً على حدود تم اختراقها من تنظيمات عنف دينى ترعاها واشنطن وتل أبيب (أو على الأقل تخترقها) والأشد ألماً صار الفلاح المصرى – مثله مثل باقى أبناء مصر – أشد فقراً وانهياراً ، والفلاح المصرى (والزراعة التى يرعاها) ، هو أصل مصر – كما هو معلوم لكل ذى بصيرة وذاكرة تاريخية - فإذا انهار انهارت مصر ، وهو ما يحدث الآن بالفعل ، وهى أوضاع من شدة انهيارها ، تذكرنا بالصرخة التاريخية الخالدة التى حفظتها لنا البرديات المصرية القديمة ، صرخة الفلاح المصرى الفصيح حين واجه ظلم وزراء الفرعون حين قائلاً له : أقم العدل .. أنت يا من مُدحت .. وأرفع الظلم عنى ، انظر إلى فإننى أحمل أثقالاً فوق أثقال .. استجب لصيحتى التى ينطق بها فمى وحطم الظلم ورسخ الحق فإنه إرادة الإله ؛ أما الظلم فهو منفى فى الأرض..) ..
هذه الصرخة التى سجلتها تسع برديات مصرية قديمة ، تثبت من جهة للكافة فصاحة وشجاعة الفلاح المصرى القديم فى التعبير عن الظلم الذى حاق بها ومن جهة أخرى تؤكد ظلم الفرعون الذى ظل يستمع هو وطاقم الوزراء والكهنة الخاص به فترة زمنية طويلة لهذا الفلاح الذى سرق محصول أرضه وأرض قريته بسبب فساد ودهاء وزراء فرعون ، ظل يستمع دون حل وكأنه يستمتع بأنين وصرخات الفقراء ؟! .
فهل نحن اليوم أمام مشهد مشابه فى مصر ؟ فلاح – وكل أبناء مصر هم هذا الفلاح – وفراعنة صغار من وزراء ومسئولين يستمتعون فقط بصراخ هذا الفلاح فى برامج التوك شو ، وفى إعلام ما بعد الثورة ؟ أم أن فى الأفق حلولاً وآمالاً قادمة ؟ وأى قيمة أو جدوى لحلول لا تنظر إلى انهيار مصر اقتصادياً وضياع دورها السياسى ، فى إطار من ضياع وانهيار المحيط العربى الذى تفتك به الفتن ، والصراعات ومخططات التفكك وسرقة الثروات وطعن المقاومة بقواها ودولها وأشغالها .. وكله للأسف باسم الثورات ؟ والثورات منها براء ؟ وهل يجدى اليوم أن نتحدث عن (الثورة) وبلادنا وثوارنا الجدد ، قد نسيوا قضية اسمها فلسطين ؟ بل ويساهمون اليوم فى تشويه قوى المقاومة فيه خدمة – من حيث لا يدرون – للعدو الصهيونى ! أى ثورة تلك وأى ثوار لايزالون يعيشون فوق أرضك يا وطن ؟! .
Email:yafafr@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق