أخشى أن تتورط الحكومة الحالية في مشروعات ضخمة غير مدروسة، وتتكرر "تجربة" مشروع توشكى الفاشلة التي ساهمت في استنزاف الاقتصاد المصري، وتبديد المزيد من الثروات، وإبعاد الأنظار عن المشروعات الحقيقية التي ينتظرها الشعب المصري.
أقول هذا بمناسبة ما يثار حول مشروع إقليم قناة السويس، والاستعانة ببيوت خبرة أجنبية، ووضع بنية قانونية للمشروع تعطي امتيازات كبيرة وغير مسبوقة للمستثمرين الأجانب في هذه المنطقة، التي لها أهمية بل وخطورة استراتيجية.
هناك معلومات متضاربة حول هذا المشروع، وقد كتب المستشار طارق البشري مقالا في غاية الأهمية منذ أيام يتهم فيه صراحة الحكومة بإعلان استقلال إقليم قناة السويس عن الدولة المصرية، وتحدث عما اعتبره نوعا من التلاعب القانوني في المشروع لنزع ولاية الدولة عن الإقليم من خلال صياغات ملتوية.
مصدر المخاوف، يعود إلى مالاحظناه منذ فترة، حول مشاركة مجموعة من رجال الأعمال المرتبطين بدوائر خارجية والمتورطين في بيع القطاع العام وتخريب الاقتصاد المصري خلال العقدين الماضيين، في أعمال التخطيط للحكومة المصرية الحالية، وأنهم صاروا يضعون لها خطط مستقبلية عن مصر (2017 -2025) وصدور إشارات من الحكومة تؤكد السير في ذات الاتجاه الذي نراه يصب – مالم يتم التصحيح- في السعي لتسليم مصر لذات الدوائر الاقتصادية العالمية التي تحارب مشروعنا للاستقلال الوطني.
وفقا لما هو معلن فإن الحكومة ستضخ المليارات من الدولارات، في مشروع إقليم القناة، وهناك قروض أخذتها الحكومة بالفعل من دول أخرى وتنفق منها الآن، وهناك استشاريون أجانب يتم الاستعانة بهم من قبل لجان لا يعرف الشعب عنها شيئا.
ما نؤكد عليه، أن مشروعات بهذه الضخامة تحتاج إلى حوار وطني واسع، ومصارحة، ووضوح حول كل ما يتعلق بها من تفاصيل، حتى يطمئن الشعب ويثق في قيادته.
فمصر تحتاج إلى مشروعات قومية حقيقية يلتف حولها الناس، تديرها الدولة ورجال الأعمال الوطنيون، تعيد الانتماء المفقود، وتستعيد الشعور بالاستقلال الوطني، وتحتاج إلى حذر من السير في فلك الاستثمار الأجنبي والاستمرار في التسول من الأغراب، والجري وراء المغامرين الأجانب، وتحويل المصريين إلى عبيد وخدم يبحثون عن سيد ينعم عليهم بوظائف خدمية لا تنتج رغيفا، ولا تصنع سلعة.
المخاوف تأتي من أن مثل هذه المشروعات الكبيرة، تتم الآن في غياب برلمان يناقش ويراقب ويحاسب.
للأسف، لا يوجد من ويراقب أداء هذه الحكومة ويحاسبها، وفي ظل حالة الفوضى السياسية الجارية هناك من يستغل الثغرات ويمرر قرارات ومشروعات قد يكون ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب.
هذه المخاطر تقتضي أن نسرع بانتخابات البرلمان، وأن تعمل كل القوى على الانتهاء من إقرار قانون الانتخابات وليس تأجيلها أو استبعادها، كما يعمل المعارضون المختلفون مع الإخوان والمعارضون للرئيس محمد مرسي.
إن استبعاد الانتخابات ليس في صالح مصر، وليس في صالح المعارضة، كما أنه ليس في صالح من في السلطة الآن، لأن هذا الفراغ السياسي يساعد قوى معادية لإفساد خططنا الاقتصادية واختراقها.
كل يوم يمر دون الاقتراب من انتخابات البرلمان يفتح الباب لمزيد من التخريب المنظم والعشوائي.
التخريب المنظم تقف خلفه دول ومؤسسات دولية، تسعى لوأد أي جهد تنموي حقيقي، وتقف ضد كل محاولة لبناء اقتصاد مستقل قادر على التطور والانطلاق.
والتخريب العشوائي يزداد مع الشعور بعدم الاستقرار، وإطالة فترة الفراغ السياسي، مع استمرار المعارك المفتعلة التي تهدف إلى استمرار الفوضى في الشارع.
إن انتخاب البرلمان الجديد بأقصى سرعة أصبح ضرورة، لاستكمال بناء النظام السياسي، ولتحصين البلاد من السقوط في الفوضى، ولقطع الطريق على كل انحراف بقصد وسوء نية، أو بجهل وعدم دراية.
على القوى السياسية - وبعض القضاة المسيسين الرافضين للانتخابات- أن يتوقفوا عن السير في طريق افتعال الفوضى ورعايتها، لأنها لن تصل بهم إلى شيء ولن تتحقق أهدافهم المستحيلة، وعليهم أن يعوا أن الانتخابات تنقذ مصر من الكثير من الشرور، وهي التي ستصحح الانحراف، وتمنع الاستبداد الذي يتحدثون عنه.
--------------------------
رئيس تحرير جريدة الوادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق