أن التزام الإخوان المسلمين بالعملية الديمقراطية لم يترجم أبدًا نحو الالتزام بالتقاليد الديمقراطية أو الليبرالية المتعارف عليها، وفي حين تجنب الإخوان، قبل الثورة، مواجهة الفجوة بين مفهومهم للشريعة والديمقراطية، فإنهم بعد وصولهم للحكم أصبحوا مطالبين بتوضيح نواياهم الحقيقية، وبيان موقفهم من الآراء المخالفة لهم. أن هذه المعادلة تحتاج لوقت حتى يخرج هذا التحالف بالنتيجة المطلوبة لإسقاط الإخوان جماهيريا كما أن الغرب لن يغير دعمه للإخوان طالما أن الاستقرار متوافر إلا أن الأزمات الكبيرة كالأزمة الحالية والتي قد تكثر مثيلاتها في مصر هذه الفترة بحكم ظروف المرحلة الانتقالية قد تعمل على اختصار هذا المشهد وحرق مراحله بحيث تعجل من اصطفاف المعارضة العلمانية مع الفلول بدعم المال والإعلام الخليجي والإسرائيلي في خندق واحد للإطاحة بحكم الإخوان وإحراج الغرب لتغيير موقفه – كما في تحفظاتهم على الإعلان الدستوري – فهذا الاستعجال الذي قاد لمثل هذا التخندق الذي اتضح للجميع أن سببه الحقيقي هو العداء الدفين للتيار الديني المتمثل بالإخوان المسلمين هذه المعادلة سترغم الإخوان قصرا على إعادة حساباتهم المتعلقة بأركان الحكم ! فإن كان تشبثهم بأمريكا وتنازلاتهم للعلمانيين على تواضع حجمهم في الشارع سيؤدي لخسارة الشارع نفسه بالنهاية فلم السير على هذه الطريق منذ البداية ؟ كما أن الأزمة الحالية قد علمت الإخوان أن التيار الديني من الحركات السلفية والدعوية هو الركن الركين والحليف الشعبي الاستراتيجي الذي يجب ألا تفرط به بعد وقوفه لجانبها في هذه الأزمة التي ميزت شكل الخريطة السياسية النهائية للقوى بعد الثورة فهو صراع تياران لا ثالث لهما تيار علماني يستقوي بالخارج وتيار ديني يعيش في محيط إقليمي رافض له كسلطة ومحيط دولي يتربص به الدوائر ..
أن الولايات المتحدة لم تخطئ بالعمل مع حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة، وأنها رفضت التماهي مع الدعاية المعادية للإسلاميين، وهو ما كان سينتج آثارًا سلبية، وفقًا للكاتب. كما وجه رسالة للأكاديميين وصانعي القرار الأمريكيين بضرورة مراجعة فهمهم للإخوان المسلمين وفقًا للمتغيرات الجديدة، فإذا كانت مصر قد تغيرت، فإن الإخوان تغيروا بنفس القدر، وهو ما يتوجب على الباحثين مراعاته.اليوم تعاني حركة الإخوان المسلمين من هجمات غير مسبوقة ومحاولة الإطاحة بهم وإظهارهم بأنهم لا يستحقون ذلك التوجه المساند لهم لجعلهم مرجعية السنة في العالم، ورغم فوزهم بانتخابات حرة في مصر وتأثيرهم في تونس وليبيا وكذلك تواصلهم مع الثوار في سورية، على الرغم من كل ذلك إلا إن عدم تفاهمهم مع حكومات دول الخليج التي تمثل جزءاً تاريخياً مهماً في المرجعية السنية يمكن إن يؤخر استحقاقهم لقيادة المرجعية السنية التي يحتاج إليها أهل السنة اليوم أكثر من إي وقت مضى.
للان الإخوان فاعل "ديمقراطي" إلا أنه ليس "ليبراليًّا": خلال السنين التي تلت عام 2000، أصبح للإخوان سجل بعمر عقدين، من المشاركة في الانتخابات الوطنية، والنقابات، بالإضافة إلى الانتخابات الطلابية. وكان الإخوان قد عملوا على إنتاج تبرير أيديولوجي لقبول الإجراءات الديمقراطية، بل وتبنيها أيضًا، وبدا أن الجماعة قد بذلت ما في وسعها لإظهار التزام الجماعة بالعملية الديمقراطية في ظل غياب فرصة فعلية للفوز في الانتخابات أو الوصول للحكم. وبطبيعة الحال؛ ساهمت خبرة الإخوان في تطوير ماكينة انتخابية فعالة جاهزة للتشغيل وقتما حانت الفرصة، وهو ما ظهر بشدة في المناسبات التصويتية المختلفة.
• التمييز بين الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة: إذ يعتبر الكاتب أن الجمع بين الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية في سلة واحدة يعد خطأ تحليليًّا ذا تبعات سياسية؛ إذ تنتهج الأولى أيديولوجية مختلفة، ومفهومًا مختلفًا لموقعها داخل المجتمع المصري، إضافة إلى رؤية إستراتيجية مغايرة، فضلا عن اختلاف قاعدتها الجماهيرية، وامتلاكها تفسيرات أكثر اعتدالا للمفاهيم الخلافية ق"الجهاد" و"التكفير"، علاوة على رؤية مختلفة حول شرعنه العنف.
• ظهور مجموعات شبابية من الإخوان المسلمين: وهي مجموعات أكثر انفتاحًا قامت بالتدوين والانخراط في التفاعليات المعارضة لمبارك، وفتحت المجال للمناقشة في الجماعة، وهي في الأغلب مجموعات صغيرة، غادر أغلبها الإخوان قبل الثورة مثل إبراهيم الهضيبي، وعبد الرحمن منصور، ومصطفى النجار. وفي حين تم انتقاد "لينش" نفسه لعقده لقاءات مع تلك المجموعات باعتبار أن ظهورهم ما هو إلا مناورة دعائية من الإخوان، إلا أنه كان محقًّا بشأنهم.إن عدم قدرة الإخوان المسلمين على التكيف مع الواقع الجديد بعد الثورة، إلى ما أشرنا إليه سابقًا من وجود فصائل وانشقاقات داخل الجماعة؛ إذ تعرضت الجماعة في أعقاب انتخابات مجلس الشعب 2005 التي حصل فيها الإخوان على 88 مقعدًا لحملة قمعية اعتُقل فيها قيادات من الجماعة وصودرت أموالهم. وأدت هذه الأحداث إلى تصعيد الجناح المحافظ داخل الجماعة الذي يفضل الانخراط في الجوانب الاجتماعية والعمل الدعوي على المشاركة السياسية، وهو ما انعكس في استبعاد كل من عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب من مكتب الإرشاد لصالح التيار المحافظ، وتبع ذلك عدة انشقاقات عن الجماعة من التيار الإصلاحي. وعند قيام الثورة كانت شخصيات قيادية وشبان أكثر انفتاحًا وحكمة واعتدالا في الجماعة قد انفصلوا عنها، أو خضعوا للقيادة المحافظة التي هيمنت عليها شخصيات حذرة متشككة بشكل مرضي ومتصلبة أيديولوجيًّا وقليلة الخبرة بشأن بناء شراكة متخطية للأيديولوجية، أو التوصل لحلول توافقية، ويتساءل الكاتب عن كيفية إدارة الجماعة للثورة وما بعدها من أحداث لو كان التيار الإصلاحي أمثال أبو الفتوح وحبيب هم المهيمنون على تكوين مكتب الإرشاد بدلا من الشاطر وبديع. أن هناك مزيجًا غريبًا من البارانويا والغطرسة تسود الجماعة، فضلا عن اعتقادها الدائم بالتهديد، وأن هناك مخططات لإفشالها داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما يتفق وطبيعة خبرة الحرس القديم المهيمن على مكتب الإرشاد، وهو ما ينذر بنتائج كارثية للوضع السياسي المضطرب في مصر.وحين زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما القاهرة عام 2009 أعلن عن بداية جديدة للعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي، كما أكد دعمه للتحولات الديمقراطية ومساندته للحلم العربي في قيام حكومات تعكس إرادة الشعب، منذ ذلك التاريخ توقفت آلة الدعم الأمريكي لحلفائها في العالم العربي، وقد التقطت الشعوب العربية بقايا أحلامها وجسدتها عبر ما أصبح يعرف لاحقا بالربيع العربي.
اليوم تتشكل مرجعية سياسية سنية يقودها الشارع العربي، وقد نجحت حركة الإخوان المسلمين، بما لديهم من تاريخ سياسي طويل، نجحت في فهم أصول اللعبة الدولية كما أنهم نجحوا في خلق أجواء ايجابية عنهم لدى القوى العالمية من أجل إن يصبحوا ممثلين للتيار السني في العالم.
وإذا كانت المرجعية الشيعية عند تشكلها في آخر السبعينيات من القرن الماضي لم تجد تيارات إقليمية ومحلية قوية تقف ضدها لأسباب عديدة لا مجال لاختصارها في هذا المقال، فان مرجعية الإخوان المسلمين على عكس ذلك تجد عداءً كبيراً من قبل تيارات حاكمة تقليدية كانت تملك بعض خيوط تلك المرجعية تساعدها على البقاء بالحكم وكذلك تيارات طائفية لا تعجبها توحيد المرجعية السنية خوفا على مكاسبها التي تحصلت عليها.ولعل اكبر التحديات هي ما نراه اليوم من مساندة روسيا للطائفية السورية خوفا من توحيد المرجعية السنية التي ستدعم الجمهوريات الإسلامية المعادية للروس والتي كانت ضمن الدولة السوفيتية القديمة، من أجل ذلك يلاحظ المراقبون اليوم توحيد جبهات عدة وأحيانا متناقضة من أجل الهجوم على تيار الإخوان المسلمين وعلى عكس ما هو متوقع، فلم تُهاجم الحركة وهي ضعيفة دون سلطة كما تهاجم اليوم وهي قوية تملك السلطة.
إن التوجه العدائي الظاهر والذي برز بشكل مفاجئ من بعض دول الخليج تجاه حركة الإخوان المسلمين وإظهار الحركة كغول يحاول افتراس دول الخليج والإطاحة بمكتسباتها، هذا التوجه ليس في صالح دولنا الخليجية، وعلى قادتنا التعمق في فهم السياسة البراغماتية الأمريكية التي أصبحت ترغب في التعامل مباشرة مع ممثلي الشعوب من اجل ضمان مصالحها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق