أرض كنعان/ بيروت/ نسخة منقحة..فيلم المخرج الأميركي الكبير بريان دي بالما، والذي يعرض لقطات حقيقية وتمثيلية لغزو العراق وخاصة جريمة اغتصاب وقتل الطفلة العراقية عبير قاسم الجنابي -14 عامًا- اضافة الى قتل أمها وأبيها وشقيقتها الصغرى ذات الخمس سنوات في المحمودية جنوب بغداد في مارس اذار سنة 2006م.
يعتبر الفيلم صادم، ومخيف، ومؤلم، ومرعب، وما إلى هنالك من صفات لها أن تمضي إلى ما لا نهاية، وتحديدًا في الجزء الأخير من الفيلم، ويكاد كل من شاهده أن يداهمه ألم يظل يتزايد. وقد تسبب هذا الفيلم فعليًا في مقتل اثنين من افراد سلاح الجو الامريكي في مطار فرانكفورت بالمانيا في الثاني من مارس اذار سنة 2011م من قبل مواطن ألماني من اصل ألباني مُسلم كان قد شاهد الفيلم على اليوتوب وودَ الانتقام للجنابي، حسب التلفزيون الالماني.
أراد دي بالما تسجيل موقفه من الحرب على العراق، والغزو الأميركي، وممارساته الوحشية في بلاد الرافدين، دون أن يكون على صعيد فني حاملاً لتلك الصفات السابقة، بمعنى أن التقنية التي بنى فيها دي بالما فيلمه كانت مميزة إلى أبعد حدّ، لكنها لم تكن صارمة ومحكمة بقدر يتناغم مع صرامة الموقف، والرصد لممارسات الكتيبة "ألفا" في مدينة سامراء شمال بغداد.
بداية الفيلم بطيئة ومتوترة، لا تفارق نقطة تفتيش لتلك الكتيبة سابقة الذكر، ويستعين الفيلم، الذي جمع مادته دي بالما من مواقع انترنت، بتقنية وثائقية وإخبارية، جعلت من الأفلام القصيرة التي يشاهدها المرء على الإنترنت مادة أساسية في فيلمه، إضافة للمراسلين الصحافيين، ووسائل الإعلام، وعليه يختلط الروائي بالتسجيلي، ويتعرف المرء الى الجنود الذين شكلوا شخصيات العمل الرئيسة من خلال جندي يهوى التصوير، ويستعمل الكاميرا بوصفها مفكرة يوثّق بها أيام خدمته في العراق.
يقول الفيلم بطريقة مباشرة لا تستدعي أي شك: إن العراق هو جهنم الجيش الأميركي، وإنهم هناك يخافون من كُل شيء، وسؤال دائم يتردد على ألسنة الجنود "ما الذي نفعله هنا؟!" ماداموا يعتبرون كل مواطن عراقي عدوا لهم، ويغدو ذلك تصاعديًا، فمن المشهد الذي يرى فيه المرء كيف يقوم الجنود بتفتيش السيارات، والصلافة التي يعاملون بها المواطنين العراقيين، وصولا إلى اطلاقهم النار على سيارة تتخطى الخط الأحمر المُعدّ لتقف السيارة عليه، وبالتالي قتلهم امرأة حامل، والريبورتاج الصحافي لإحدى الصحفيات الذي يقول فيه سائق السيارة إنهم أشاروا له أن يمضي لا أن يتوقف، في إيضاح لإشارات الجنود الأميركيين الملتبسة بالنسبة إلى المواطن العراقي، وليكون ثمن أي التباس مفارقة الحياة.
الجندي الذي يقتل تلك المرأة لا يشعر بأي ذنب، ليتوالى بعد ذلك -ومن خلال كاميرا الجندي الذي يوثق حياته- استعراض عشرات الأفكار الغائمة والملتبسة التي يحملها الجنود نحو العراقيين، مثل "أقزام علي بابا"، "المسؤولون عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ايلول"، "لنستعمل الأسلحة النووية ونهدم هذا البلد بأكمله"...إلخ.
ومن جهة أخرى، يقدم الفيلم خلفية بعض الجنود، مثل ذلك الجندي الذي يقول إنه لو لم يتطوّع بالجيش لكان إما جائعًا أو في السجن.
يصل المرء في النهاية إلى القصة الأكثر إيلامًا، ألا وهي إقدام جنديين على معاودة مداهمة بيت سبق أن دهماه واعتقلا والدا عراقيًا، لا لشيء إلا لاغتصاب ابنته، فتاة في الرابعة عشرة من عمرها يراقبها الجنود تذهب إلى مدرستها وتعود إلى بيتها.
يأتي قرار الجنديين بداية كمزحة تتطور إلى حقيقة، على اعتبار ذلك انتقامًا لزميلهم الذي قُتل بانفجار عبوة، ومع ممانعة الجنود الآخرين القيام بذلك، إلا أن الجنديين يقومان بالتناوب على اغتصاب الفتاة، ومن ثم حرقها بعد قتل جميع أفراد عائلتها، في مشهد صادم، يشج القلوب، وعلى شيء من توضيح عميق لبدائية متوحشة لا تعرف الرحمة.
الرد من المقاومة يأتي من خلال اختطاف الجندي صاحب الكاميرا وقطع رأسه في مشهد مروّع، لكنه وكما يبدو أن دي بالما أراده، أن يبدو طبيعيًا مقارنة بما ارتكبه الجنود الأميركيون. ينتهي الفيلم بمجموعة من الصور الحقيقية المروّعة للقتلى في العراق، وتتضمن صورًا للمرأة الحامل، والفتاة المغتصبة وجثتها المحروقة.
جرى تصوير الاحداث الرئيسية للفيلم في الاردن خلال سنة 2007م، وجرى عرضه في الولايات المتحدة خلال عطلة نهاية الاسبوع الا انه لم يحضى بمشاهدته سوى عدد قليل من المواطنين الامريكيين ضمن عائدات تقدر بنحو 25.628 ألف دولار فقط مقابل ميزانية انتاج الفيلم والتي تقدر بنحو 5 ملايين دولار، ولسوء الحظ ايضًا حجب موقع اليوتوب الفيلم في امريكا وبعض البلدان الاوروبية ليبقى العراق ضحية الحرية الغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق