عزف الكثيرون على أوتار مشاكل العرب المزمنة , وكان العزف دائما لحنا غريبا على اسماع العرب لانهم عزفوا الموسيقى التى وضعت لهم وغنوا الاغانى التى الفت لهم , والغريب ان هذا هو الحال منذ فتره زمنيه طويله جدا ومع ذلك لم يفطنوا اليها , بدأت هذه القصه منذ القرن الثامن عشر حين بدا الغرب يعيث فسادا فى قارات المعموره ويستعمر شعوب الارض غير عابئ باى قيم انسانيه او يردعه اى وازع من ضمير ومنذ ذلك الزمن والمستعمر الغربى يمكر ويخطط للتفوق والتحكم بمصائر الاخرين , والغريب ان الشعوب الاخرى العربيه منها وغير العربيه فى حاله اشبه بالغيبوبه , ويبدو ان المشهد التاريخى الى نحن بصدده الان هو استكمالا للمسلسل التاريخى الذى مر على بلادنا كثيرا , واننى اعتقد ان البدايه الفعليه لهذا المسلسل الاليم يبدأ من "مؤتمر فيينا "1814/ 1815 م والذى قررت فيه الدول الاوربيه العمل على تحطيم دوله الجزائر العربيه ذات الاسطول البحرى القوى وانعقد العزم فى عام 1819 م على تحطيمها فى مؤتمر " إكس لا شابيل " حيث وافقت 30 دولة أوربية على فكرة القضاء على " دولة الجزائر" و أسندت المهمة إلى القويتان انذاك فرنسا وانجلترا ، و توفرت الظروف المناسبة للغزو عندما تمكنت بحرية البلدين من تدمير الأسطول الجزائري في معركة " نافارين سنة 1827م ، حيث كان اسطول الجزائر والاسطول المصرى في نجدة الأسطول العثماني , حيث انهت هذه الموقعه السيطرة الجزائرية على البحر الأبيض المتوسط , والذى استمر لقرنين ونصف , وحطم جزء كبير من الاسطول المصرى القوى , وبعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ احتلت فرنسا الجزائر وارتكبت ابشع المجازر , وكان هذا التاريخ بدايه لانفراط العقد وسقوط الدول العربيه دولة بعد اخرى , فقد احتبى كل الحكام ببلادهم المقسمه ولم يهب احد لنجدة الجزائر وكان الاقرب اليهم محمد على باشا ذوى الدوله القويه , ولكن شغل هو وابراهيم ابنه بمقاتلة بنى جلدتهم فبدلا من ان توجه البنادق الى المعتدى على الجزائر , وجهها محمد على باشا الى السودان للقضاء على الثوره المهديه , والى نجد فى شبه الجزيره العربيه , والى عكا والى الاناضول وغيرها , ولم تمضى عشر سنوات على سقوط الجزائر القويه حتى تأمر السلطان العثمانى مع الغربيين من اجل اسقاط مصر الفتية الناهضه , والحقيقه ان سبب ذلك هو محمد على باشا نفسه والذى قادته اطماعه فى الزعامه الى محاربة الدوله العثمانيه واسقاطها , فقد اعد عدته بعد انتصاره الكبير فى يونيه 1839 على الجيش العثمانى فى معركة نصيبين فى جنوب تركيا للانقضاض على الاستانه عاصمة الدوله العثمانيه , ولم ينقذها من بين يديه الا استقواء الخليفه العثمانى بأوروبا , ورغم ان مغامرات محمد على الجريئه الناجحه يعتبرها الكثيرون انها اسست لاستقلال مصر واكتسابها شخصيه مستقله عن الامبراطوريه العثمانيه المتهاويه , الا ان القوميين يعتبرون ان اتفاقية " لندره" قد اسست لتقسيم الدول العربيه واخراجها من التوحد مع مصر لتعود مره اخرى الى الامبراطوريه العثمانيه , فقد كانت تضم مصر وشبه الجزيره العربيه والشام كاملة والسودان , ويظل الغرب يتلاعب بكل ماهو عربى قرابة الاثنين واربعين سنه حتى سقطت مصر تحت الاحتلال الانجليزى البغيض عام 1882وحينها سقطت المنطقه كلها وبعد ان كان جيش مصر فى عهد محمد على مائة الف جندى مسلحين باحدث الاسلحه , اصبح فى عهد احفاده اثنين وعشرين الف جندى ليس لديهم تسليح حديث او متقدم , وما اشبه الليلة بالبارحه فقد بدأت فى اواخر اربعينات واوائل خمسينات القرن المنصرم نهضه عربيه قوميه , ما لبث ان خمد وميضها وانطفئت جذوتها تحت ضربات الغرب واعوانهم واذنابهم من الصهيونيه العالميه , ثم جاءت فترة الارتماء فى احضان الاعداء والتسليم الكامل لهم باتفاقيات استسلام جرد فيها العرب من السيادة على اجزاء من بلادهم , تحت مسمى السلام واصبح من انجازات الزعماء عدم الدخول فى حروب مع العدو المحتل للارض المنتهك للشرف والكرامه , وانما اصبح امتصاص الذل ميزه يوصف بها اولئك الحكام , وكأن الشرف اصبح سبه وان العيش بذله غاية نبيله يسعى اليها العرب من المحيط الى الخليج , فتحتل دولة عربيه دوله عربيه صغيره فنستنجد باعدائنا ليحلوا لنا مشاكلنا العربيه , وتتحرش الدول الغربيه والامريكيه بدول عربيه وتعتدى عليها عسكريا او اقتصاديا او سياسيا فتساعد بقية الدول العربيه الاخرى المعتدين فى اعتدائهم على اشقائهم , او لايحركون ساكنا ولايملكون الا الشجب والاحتجاج اللفظى , وهاهى امريكا وحليفاتها تبذل كل لديها من اموال وامكانات لوجستيه لابقاء الدول العربيه كلها فى حاله من الفوضى وعدم الاستقرار بدأ من قضايا التمويل الاجنبى بدول الربيع العربى وحق المرأه فى قيادة السياره بالسعوديه وقضايا حقوق الانسان بالمنطقه العربيه والتى ينتهكونها هم فى بلادهم ليل نهار مع مواطنى الدول الاخرى وادل دليل على ذلك جونتناموا وما حدث وما يحدث فيها من انتهاك وحشى لكرامة الانسان , ولا يشغلهم سوى قضية الكفيل فى دول الخليج , ويتغاضون عما يصنعونه هم ليل نهار من الاسلحه التى يقتل بها الاف البشر كل يوم .
والغريب ان من العرب من يكفر بنظرية المؤامره ويبرأ منها وهؤلاء نقول لهم انظروا الى ما يحدث فى الارض الفلسطينيه المحتله وتعامى دعاة حقوق الانسان الغربيين والامريكيين عن الاف الانتهاكات لحقوق الانسان كل دقيقه , ويصدعون رؤسنا ليل نهار عن حقوق الانسان فى بلادنا .
وتأتى الطامة الكبرى من داخل البيت العربى الكبير جامعة الدول العربيه ليعدلوا او يحرفوا المبادره العربيه التى اطلقتها الجامعه العربيه عام 2002 بمبادأه من العاهل السعودى تماشيا مع القرارات الامميه رقم 242 ورقم338 والتى تقضىبالعوده الى حدود 67 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة ، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية معالكيان الصهيونى - وهذا لا اعتبره اضعف الايمان وانما ليس من الايمان فى شئ - والتى وافق عليها العرب بما فيهم الفلسطينين ورفضتها حكومة الكيان الصهيونى , ليستبدلوا بحدود ماقبل يونيو 1967 ليجعلوها الارض مقابل الارض بدلا من الارض مقابل السلام , اى ارض يملكها الكيان الصهيونى ليتبادلها مع اصحاب الارض الاصليين , اتريدون تبادل الارض الفلسطينيه بالارض الفلسطينيه , اتضحكون على انفسكم وتخدعونها اى عقل ذكى تفتق عن هذا الاختيار ؟
ان كل ما يحدث بالوطن العربى من اضطرابات وخلافات ومشاكل هى من صنيعة الامريكان والقوى الغربيه التى بدأت مؤامراتها منذ اكثر من ثلاثة قرون من الزمان والتى تهتم بحقوق الحيوان الغربى وترضى بانتهاك حقوق الانسان العربى , لقد آن للشعوب العربيه ان تفيق من سباتها وتعرف خطط عدوها , والتى تعمل دائما على توسيع الهوه الحضاريه بينها وبيننا , وابقاء بلادنا فى حاله من الانقسام والفساد والديكتاتوريه والاضطراب والتخلف الحضارى .
* خبير فى جامعة الدول العربية
maw01000@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق