11 مايو 2013

نحو ذاكرة للوطن " نخاسة الاوطان " بقلم د محمود ابوالوفا




لقد كانت مهنة النخاسة على مدار التاريخ مهنة قبيحة ومن يعمل بها يصير محل احتقار من البشر, ومرجع ذلك ان النخاسين كانوا يتاجرون فى البشر الذين كرمهم الله , فهى مهنة الساقطين والفاشلين وعبدة المال ممن خربت ضمائرهم من بنى البشر , وقد كان النخاسون يتاجرون فى آحاد الناس , ولما اختفت واندثرت تلك المهنه الحقيره , الا ان الحقراء الذين تهوى نفوسهم هذه المهنه طوروه لتصبح النخاسه فى الاوطان والشعوب بدلا من ان تكون فى آحاد الناس , وعلى امتداد التاريخ عاش نخاسوا الاوطان لكنهم خلعوا رداء النخاسة التقليدى ولبس اغلبهم رداء السياسيين , ولم يكن لهولاء النخاسين وطن او مله معينه بل كانوا بامتداد الاعراق والاوطان والازمنه والمهن , والغريب ان كثير منهم دار حوله الجدل حيث استطاع ان يخفى جرائمه فى نخاسة الوطن فافتتن به عوام الناس والسذج من المتعلمين , لكن الة القهر او الة الاعلام او كريزما القياده التى امتلكها البعض منهم استطاعت ان تخدع كل المفتونين والمنبهرين بنخاسى الاوطان , وتصل الماساة ذروتها عندما يكتب اسم البعض منهم بحروف من ذهب على صفحات تاريخ بعض الاوطان , حيث يزور التاريخ – وكم من احداث زورت بمصرنا الغاليه على امتداد تاريخها المجيد - لان نخاس الوطن استطاع ان يخدع جميع الشعب حتي الصفوة منهم , وربما غطى الكذب والضلال على الحقيقه ودفنت رفات الحقيقه فى صندوق محكم الاغلاق ومات سرها مع بعض سدنتها الذين لم يستطيعوا ان يعلنوها واضحة للشعب المخدوع او المغلوب على امره , ولقوا نفس مصير الحقيقة بأن عاشوا وماتوا ولم يسمع بهم احد , انتظارا لمحكمة العدل الآلهيه يوم يقوم الناس لرب العالمين , ودائما ورغم الجرم الذى يرتكبه النخاسون الا ان جرمهم يظل محفورا فى ذاكرة الشعوب لكن اسمائهم تذوب من ذاكرة الشعوب .

فمثلا اذا سألت إى مصرى عن حادئة دنشواى ستجد الكثير منهم يتذكرها كاملة لكن إن سألته عن أسماء نخاسى الوطن فى دنشواى ستجد صعوبه فى أن يتذكر القليل منهم أسم إبراهيم الهلباوى ذلك المحامى الذى وافق على انتداب الأنجليز له كنائب عام فى القضيه والتى إنبرى لها الهلباوى ليصورها على انها صراع بين ضباط إنجليز خيرين طيبين شجعان وبين فريق من الهمج المتوحشين ، ضباط ينتمون لجيش الاحتلال الانجليزي الذى "حرر" المصري وبين هؤلاء السفله من فلاحى دنشواى ... هكذا ترافع الهلباوي وأنبرى جلاد دنشواي فى لعبته وخان بنى جلدته وصدر الحكم فى اليوم التالى إعدام أربعه وجلد اثنى عشر اشغال شاقة للباقين لقد قتل الهلباوي شعبه كله , وهل يتذكر احد رئيس محكمه دنشواى بطرس غالى او أحمد فتحى زغلول إحد اعضاء المحكمه والذى كان رئيسا لمحكمة مصر الابتدائية ؟ و يروي لنا كتاب "حكايات من دفتر الوطن" كيف بذل إبراهيم الهلباوي جهداً ضخماً في تفنيد كل ما جاء في أقوال المتهمين والشهود ليهدم كل واقعةٍ يمكن أن تتخذ ذريعةً للتخفيف عن المتهمين الأبرياء في حادثة دنشواي ، وليثبت للمحكمة أن الحادثة أرتكبت عمداً ومع سبق الإصرار ، بل إنه فند التقارير الطبية التي قالت إن الضحية الوحيدة في الحادثة وهو الكابتن البريطاني بول ، قد مات متأثراً بضربة شمس ، حيث استطاع ان يحول الحق ليجعله دليلا للباطل , فانظر المهزله التى ساقها ليدلل بها على ان المتهمين هم من قتلوا بول , فقال " ان موت بول بضربة شمس لا ينفي أن المتهمين هم الذين قتلوه لأنهم هم الذين ضربوه ، وألجأوه إلى الجري تحت أشعة الشمس اللاهبة " فهل بعد هذا من نخاسه ؟ أضف إلى ذلك أن الهلباوي اتهم المتهم البريء حسن محفوظ بأنه "لم يكدر قريةً بل كدر أمةً بأسرها بعد أن مضى علينا 25 عاماً ونحن مع المحتلين في إخلاصٍ واستقامة وأمانة.. أساء إلينا وإلى كل مصري..فاعتبروا صوتي صوت كل مصري حكيمٍ عاقل يعرف مستقبل أمته وبلاده" !!!!!!
وساكتفى بهذا المثال من بين أمثلة كثيره لنخاسى الاوطان , ولكن أريد للقارئ إن يعرف أن مناسبة هذا المقال هو ما نشاهده من كثرة نخاسى الاوطان فى بلادنا .. ففى كل يوم تخرج علينا اسماء - يحسبها الناس كبيره - لاهم لها الا ان تهدم الاخرين , وفى سبيل ذلك لايهمهم ان يتلاعبوا بأمن هذا الوطن وباستقراره وبمستقبله ولا يمنعهم ذلك من إن يمارسوا مهنة نخاسة الاوطان , فكم الكذب والمغالطات والتطاول على الاخرين الذى يطل علينا ليلا نهار من الة الحقد والضلال الاعلامى الجباره والمغالبات القضائيه الفجه التى تتعارض مع كل منطق سليم , ولا تلمح وسط كل هذا الطوفان الا نخاسى الاوطان يمارسون دورهم بهمة تامه , والاغرب من هذا ان كل المتصدرين للمشهد لايوجد دليل واحد انهم يؤمنون بالديموقراطيه , وجميعهم يلوون اعناق الادله ليدللوا على صحة منطقهم العقيم , فى كل البلاد التى بها نظم ديموقراطيه ونخب تؤمن بالديموقراطيه توجد دائما منطقه وسطى تلتقى عندها الايدلوجيات والافكار والتنظيرات لمصلحة الوطن , لكن ان يكون الحال على مدار عامين او اكثر انقسام واحتقان كبير فيجب علينا ان نفتش فى هذا الجو الكئيب عن نخاسى الاوطان الذين لا هم لهم الا ان يحققوا اغراضهم الخاصه ويعيشوا حتى وان مات الشعب كله , واننا ابشركم بأنه – كالعاده – سيختفى كل هذا العفن وتنتصب مصر مرة اخرى متبؤة لمكانتها التى تستحقها وسط الامم .
*خبير بجامعة الدول العربية
maw01000@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: