الاغلبية لا ينتبهون لهذه المساله الاخطر فى العمل الدعوى والسياسي ويتخيلون ان القران نصوص جاهزة كالواح موسى بينما المتعمق فى حديث القران يرى اثر هذه النظرية واضحة الدلالة في كل الايات المنزلة(على مكث)فى الفترتين المكيه والمدنيه ايضا اذ كيف يكون شكل القران لو ان الله قد حدد لمحمد ان العدو المركزى للدعوة الاسلاميه هم المكون اليهودي والمسيحى ؟
من المؤكد ان الايات القرانيه ستكون مختلفه عما جاءت تتحدث عنه وان طبيعة الفكر الاسلامى المطروح قرانيا ستكون غير ذلك اكيد كان سيدخل فى اشتباك حاد مع اهل الكتاب منذ البدايات وفى مكه قبل ان يصل الى المدينه المنورة ومن المؤكد انه لن يطرح القصص القرانى فى العهد المكى من زاويه الصراع التناقضي الحاد بينهم وبين ملوك الاستبداد الفكري والسياسي ربما لن نجد مصطلح اهل الكتاب بما تحمله الكلمه من مراعاه عوامل ابداع التلاقي بين الاسلام وبين هؤلاء وربما لن ياتى التشريع باستحلال مأكولاتهم والزواج من بناتهم وما هو مؤكد ومن هذه الزاويه بالذات لم يكن ليفرح المسلمون بنصر الله وهو نصر الروم على الفرس وبالتاكيد سينقلب المشهد العاطفى الى حزن شديد وانعدام مشاعر الفرح بهذا الانتصار
حديثي هذا ياتى من باب اهميه تحديد معنى العدو المركزى فى الصراع السياسي والعقائدي وتاثيراته على مجمل حياة الدعوة والداعيه وعلاقاته مع المكونات المقابله للاسلام اذ لو لم يحدد الله عداء المسلمين المركزى مع الكفار من قريش لم يقل منذ البدايات ان لا لقاء على اية ارضيه عقائديه مع هؤلاء الكفار ولم نر اثرا للايه الكريمه ودو لو تدهن فيدهنون ولا الايه التى اتت بكل الوضوح ( قل ياايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما اعبد) وبالتاكيد فاننا لن نجد القران يتحدث عن تحليله للتاريخ كصراع بين المؤمنين وبين الاستبداد الشركى فى مواجهة المستضعفين من اهل الكتاب
وبالتاكيد لن نجد الدعوه الالهيه للمسلمين بضرورة التوجه الفكري لبحث التلاقي على الارضيات المشتركه بين المسلمين واهل الكتاب (قل يااهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ان لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا )
وعليه فان نظريه التناقضات الثانويه والمركزيه كانت حاضره فى القران المكى والمدنى ولم تاتى اياته عبثا وبدون ادراك لطبيعه الاختلاف بين هذا الفكر او هذا الفكر رغم التاكيد الالهى على المفارقه العقائديه بين الاسلام من جهة وبين كافة المكونات العقائديه سواء كفار قريش او كفار اهل الكتاب حيث اكد كفرهم اذ قال لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثه وكفر مثلهم من قال ان العزير ابن الله كما هى حال الكفار من قريش ورغم ذلك اكد القران على ضرورة التمايز فى التعامل بين هذه المكونات المختلفه الى درجه البحث عن امكانيه التحالفات مع العدو الثانوى فى مواجهة العدو المركزى المتمثل فى كفار قريش لولا ضرورات التمايز التى حكمتها نظرية التناقضات الثانويه والرئيسيه لاختفى فعلا مصطلح اهل الكتاب من القران الكريم بما تحمله من معنى ضرورات التعامل المتميز والمغاير لضرورات التعامل مع كفار قريش حتى على مستوى العلاقات الاسريه والاجتماعيه اذ اجاز القران زواج المسلم من كتابيه مع انه لم يجز زواج المسلمه من كتابي وهو معنى يتضمن الاتصال فى العلاقه الاجتماعيه بينما القطع فيما يتعلق بالعلاقه الفكرية قد يتساءل البعض ما الذي اعنيه بطرح هذا الموضوع ميته وضرورته فى اللحظه المعاصرة قد يتساءل البعض الم يستقر الوحى على هذه التقسيمات العقائديه بينما لا يحتاج منا الامر الا للقراءه فى القران وتطبيق مفاهيمه على الواقع المعاصر ؟
ما الذي تريده منا ؟
هنا المفارقة
ان القران بما هو منهج للوعى كانت نصوصه تتنزل على محمد ضمن تفاعلات هذا المنهج مع مكونات هذا الواقع الاجتماعى والسياسي والفكري عربيا وعالميا فى لحظه زمانيه معينه افرزت بدورها هذا النص القرانى مكيا او مدنيا بشكل اخذ فى الحسبان تطورات الحاله وتفاعلاتها مع الاحداث التى انتجها النص او توجه نحوها بالتحليل والنقد فى عملية بناء الانسان المسلم وسط تفاعلاته مع احداث عصره اخذا بعين الاعتبار التحولات الكائنه والمتحركه فى عملية تفاعلات جدليه وصلت الى حد الانتصار النهائي على كل اشكال الكفر فى الجزيره العربيه متاهلا الى نقلة التفاعل على المستوى العالمى كى تستقر الامور عبر الايه التى حملت اشارات منهجيه تؤكد على مركزيه العداء للعنصر اليهودى عبر ايات سورة الفاتحه من حيث الحكم الالهى عليهم باللعنة والغضب بما تحمله من حكم قدري الى يوم الدين (المغضوب عليهم)
ان النص القرانى الذي تنزل على قلب محمد كان حاله متحركه ولم يكن نصا اسقاطيا ساكنا له صفة التجاوز الزمانى والمكانى بينما كان المنهج الالهى يتخفي وراء هذا النص ليرسم الثوابت المتجاوزة بما يعطى صفة الوحى المتعالي على اللحظتين الزمانيه والمكانيه داخل هذا النص المغبر عن هاتين اللحظتين فى تطوراتهما وتاثراتهما بما قبلهما لتصنع ما بعدهما فى عمليه جدليه انتجت نجاح الدعوه بعد ان اتم الوحى رسم خارطة التحولات من جديد حيث اكتمل الدين فى جوهره واتم النعمه ورضي لنا الاسلام دينا فلم يعد هناك نبي بعد محمد وقد اعيد صياغه النص القرانى لا على اساس اسباب النزول ولا على اساس التسلسل الزمنى لايات النزول وانما جاء الترتيب الحالي لايات القران توقيفا من الله ليس للناس علاقه بترتيبه ولا حتى لمحمد صلى الله عليه وسلم بينما كان محمدا نهايه عصر النبوات
جاء الترتيب القرانى توقيفا من رب العزة والحكمه بما يوحى بضرورات الاخذ بالمنهج كوعى متجاوز لاسباب النزول والتنزيل ليعود القران بترتيبه الجديد انزالا كما فى ليله القدر ( انزلناه فى ليله القدر ليله القدر خير من الف شهران العمليه الاجتهاديه لم تتاتى بعد نهاية النبوة الا بفاتحه العقل المنضبط بالمنهج القرانى نفسه
وكما فى العلوم الموضوعيه فاننا فى العلوم القرانيه نحتاج الى عقليه تصعد بنا من الجزئى الى الكلي ومن المتناثر كما يبدو الى الناظم القانونى عبر الوحده القرانيه وهنا تكمن المفارقه بين منهجين فى التحليل والقراءه وبين عقليتين فى التحليل
عقليه ترى القران فى اجزائه وعقليه ترى اجزاءه فى كليته
عقليه ترى القران فى اسباب النزول والناسخ والمنسوخ والتسلسل الزمنى لا ياته المجزأه وعقليه تتجاوز زمنيه النص القرانى الى ازليه المنهج القرانى المتفاعل دوما مع متغيرات اللحظه الزمنيه
الان نعود الى مسالة التناقضات الثانويه والرئيسيه كنظريه مكتمله فى القران ونؤكد على خطورتها واثارها السلبيه على وعى الحركه الاسلاميه وانحرافاتها فى القراءه الخاطئه وما ادت وما تؤدى اليه من ضرورات التحالف مع اهل الكتاب ضمن العقليه النقليه السلفيه غير عابئة بمخاطر التحالفات مع اهل الكتاب من نصارى ويهود متمثلين اليوم بالاستعمار الغربي والحركه الصهيونيه العالميه
العقليه السلفيه قرات القران فى تدرج نزوله وفي اسباب هذا النزول وفيما انتسخ من ناسخ بعده لتجد هذه العقليه اننا امام تناقضين تناقضا رئيسيا وهم العرب الذين كفرو اليوم كعدو مركزى وبين اهل الكتاب نصارى او يهود
العقليه السلفيه نسخت الماضي والصقت وعيه على اللحظه المعاصره فانتجت هذه القراءه تحالفاتها المعاصره والتى يحاول السلفيون ان يجعلوها من بديهيات الدين والعمل السياسي اقتداءا بالقران فى عهد محمد بينما حملنا محمد امانه المنهج ولم يحملنا امانه التقليد
ان العقليه المنهجيه قد تجاوزت النص القرانى فى اجزائه وفى اسباب نزوله وفى تدرجه الزمنى الى النص القرانى فى كليته واعادة ترتيبه بما يلائم ضرورات الانزال فى كل لحظه زمنيه بما يعطيه صفة المنزه عن الحوادث واسباب النزول
هذه الرؤيه تعنى وتنادى بضرورة الوعى من جديد بالمكونات المقابله لمنهجية الحق فى الاسلام وهو يواجه منهجيه الباطل والصراع بما يعنى انتاجا نصيا معاصرا يدخل فى اطار الاجتهاد البشري المضبوط بضوابط المنهج القرانى
هنا يكمن السؤال الاخطر ما هى اللحظه الزمنيه التى نعيش اليوم ؟ من اين نبدا ؟ من نواجه من مكونات عقائديه معاصره فى دائرة الشر العالمى ؟
ولكن اهم من كل ذلك من هو العدو المركزي ؟ من هو الشيطان الاكبر فى مواجهة كل عوامل النهوض الاسلامى ؟؟؟
انها عمليه تحتاج الى وعى متجاوز وتحتاج الى اجتهاد عقلي فى تحليل الواقع
وهى عمليه مفارقه تماما لعقلية ناسخه مستريحه تقرأ نعم ولكنها لا تحلل ولا تستخلص بل تنسخ المقروء وتلصقه فى زمن بالتاكيد زمن مغاير لزمن الرساله الاولي حيث رسول الله وصحابته الكرام بينما تكمن صحة العقلية الاخرى فى انها عقليه اجتهاديه متفاعله مع المنهج القرانى فى كلية اجزائه وسوره واياته لا تبدأ بالقراءة باسم ربك فى معزل عن القراءة بمعية هذا الرب وانما بالدمج بين القراءتين كما بدأ محمد او بما طلب الوحى من محمد ان يقرأ باسم ربه فى معية ربه قراءه على ارضية الاصاله المنهجيه لا حتواء القراءه الموضوعيه فى السياسه والاقتصاد والاجتماع والتشريع كمنتج بشري يتحول الى اجتهاد له علاقه فى منتجاته بنص فقهى له علاقه بمعرفة مراد الله فى هذه اللحظه لهذا الحدث او ذاك المكون الاجتماعى والفكري هنا والان تتفتح الافاق على رؤية العدو المركزى ومخاطر من لايفهمونه ويدركون مخاطره فيقتربون منه سياسيا وعقائديا ان البحث العميق فى ايات القران وفي التاريخ وفي الواقع ترينا بان الشيطان الاكبر والعدو المركزى هى اسرائيل لا على المستوى المحلي والوطنى بل العالمى ايضا
* مفكر وكاتب فلسطينى امضى20 عاما فى سجون الاحتلال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق