غزة – الرأي – شعبان عدس
يُقابلون كل من يأتي إليهم بابتسامتهم التي تُخفي خلفها معاناةٍ لطالما كابدوها على مر حياتهم بسبب وضعهم الاقتصادي الصعب في ظل ارتفاع نسبة البطالة وقلة العمل، أو لربما لعدم مقدرتهم على أداء أي مهنه كونهم يعانون من أمراضٍ عدة.
كذلك هم الفقراء وأصحاب الحاجة الذين اصطحبتنا وزارة الشئون الاجتماعية في زيارتهم للإطلاع على معاناتهم وتقديم يد العون والمساعدة لهم من خلال بناء المنازل لبعضهم أو ترميم بعضها في ظل افتقارها لمقومات الحياة البسيطة التي يأملونها.
وأسهمت الشئون الاجتماعية منذ توليها زمام الأمور عام 2007 في تقديم مساعداتٍ عينية ونقدية تقدر بملاين الدولارات في مجالات عدة، أبرزها: "خدمة ذوي الإعاقة والرعاية والتأهيل، إضافة إلى مجال الخدمة الاجتماعية المتعلقة بالأسرة والطفل والمرآة".
تفكُك أُسري
عفاف المصري أحد تلك النماذج، فهي امرأة مطلقة من منذ سنوات، تخوض بأبنائها التسعة غمار الحياة الصعبة في بيتٍ يخلوا من أساسيات المنزل البسيط، فهي تشرب لجانب أولادها من المياه المالحة، أما عملية الاستحمام شتاءً فتكون بالمياه المُسخنة على نار الحطب.
المصري (40 عاماً) من سكان حي الزيتون بمدينة غزة تُشكو من قلة ما في يد، بعد انفصالها عن زوجها، لتقوم هي بدور الأبوين معاً من خلال تربية الأولاد ورعايتهم وتوفير لقمة العيش الكريمة لهم من خلال الأيدي الكريمة التي تمتد لها من حيناً لآخر بالقليل من الأشياء.
وتقول المرأة المكلومة: "أعيش إلى جانب أولادي في هذا البيت منذ نحو 7 سنوات دون مُعيل فأنا هنا أعاني بشدة من قسوة الحياة في ظل عدم وجدود مصدر للدخل كي يساعدنا في تغطية تكاليف الحية الصعبة التي أغطيها من خلال المساعدات".
وتشير في حديثها لوكالة "الرأي" إلى أن بيتها الحالي كان يفتقد للنوافذ والجدران إلى جانب شبكة مياه والصرف الصحي مما أثر على الحياة اليومية لها ولأبنائها مما شكل مخاطر صحية لها ولأبنائها خلال فصول السنة الأربعة وخاصة الشتاء.
وتتابع وعيونها توحي لوضعها المُتدهور "نحن لا نملك سخان شمسي ولا عفش للبيت، سوى القليل الذي نستر به حالنا من خلاله أمام الناس، أن الفقر الذي نعيشه يمنعُني من تحقيق أبسط أحلامي والمتمثلة في تزويج أبني البكر لأفرح به أمام من أعرف".
أما طفلها محمد البالغ من العمر (15 عاماً) والذي كان يراقبنا عن بعد بنظراته البريئة أختصر معاناته إلى جانب أخوته بالقول: "نحن في هذا المنزل أموات منذ سنوات، والحياة بالنسبة لنا مجرد تمرير وقت، ومع ذلك لم اترك المدرسة لكي انجح واجلب المال لأمي".
تصوير علاء السراج
مرضُ وفقر
حكاية من نوع أخر، تحكي فصول معاناة أخرى كابدها الموطن خضر موسى من خلال العيش لسنوات داخل غرفة وحيدة تكسُوها عدة ألواح من "الزينجو" إلى جانب أفراد عائلته الثمانية قبل أن تُدشن وزارة الشئون الاجتماعية لهم منزلاً يُعوضهم جزءاً من الحرمان.
ويُكابد موسى إلى جانب زوجته ضنك العيش بعد أن رُزقوا بخمسة أطفال، أربعةُ منهم يعانون من مرض "فقر الدم" الذي يؤدي من الحين إلى الآخر إلى تدهور حالتهم الصحية مما يدفع والدهم لتوجه بهم إلى المستشفى لتقي العلاج الذي يثقل كاهله بمزيدٍمن المصاريف.
ويشير الوالد لوكالة "الرأي" إلى أن بناء المنزل من قبل وزارة الشئون كان بمثابة حُلمٍ لطالما كان يتمناه هو وزوجته منذ أن تزوج قبل نحو 11 عاماً ليتخلص بذلك من حقبه وصفها بـ"السوداء" نتيجة ما كان يعانيه من حرارة الصيف والبرد القارص شتاءً.
المواطن موسى اصطحبنا إلى أحدى زوايا المنزل بعيداً عن الحضور مخاطباً إيانا بالقول: "كل ما أتمناه من الدنيا حالياً أن يتوفر لي دخل دوري أستطيع من خلاله سد حاجة أولادي وزوجتي ولو بالقليل، لنقضي حياة طيبة كباقي البشر بعيداً عن الهم والحزن".
القرابة السبب
ولعلل قصة الحاج محمد البرقوني من سكان مدينة غزة ليست بالأقل ألماً من القصص سابقة الذكر، فتقدُمه في العمر إلى جانب زوجته أثقل كاهله بمزيد من العبء في رعاية أبنائهم الذين أصابتهم الإعاقات المختلفة منذ زمن طويل لأسباب ألاهية وأخرى دنيوية.
البرقوني والذي يبلغ من العمر(76عاماً) يُعيل خمسة من الأبناء والبنات الذي يعاني بعضهم من الصمم والبعض الآخر من أعاقه حركية، إضافة إلى إصابة أحد أبنائه بحالة من "الصرع" نتيجة تعرُضه للإصابة بإحدى عينة التي فقد الرؤية فيها نهائياً.
ويعيش المُسن إلى جانب زوجته البالغة من العمر (65عاماً) مع أبنائهم الذين تبلغ أعمارهم ما بين الـ 28عاماً إلى 51عاماً في بيتاً يفتقر إلى أدى الشروط الصحية التي يجب أن يتمتع بها البيت البسيط، مما جعل الروائح الكريهة تلازمهم حياتهم اليومية.
وتُعد متطلبات حياته وأولاده، من علاج ورعاية صحية بشكل دوري ثقلاً يُرهق كاهله في ظل عدم مقدرته على العمل لتوفير المال، الأمر الذي دفع بوزارة الشئون الاجتماعية إلى تقديم يد العون لتلك العائلة من خلال ترميم المنزل وفق شروط صحية سليمة.
ويشير البرقوني في حديثة لوكالة "الرأي" إلى أن صلة القرابة بينه وبين زوجته تُعد السبب الرئيسي وراء إنجابه للعديد من الإعاقات التي حولت حياته إلى جانب حياتهم إلى جحيم لا يطاق، موضحاً أن الأطباء نصحوه بتزويج ذريته لفتيات ليسو من نفس عائلته.
وتتلخصُ أماني تلك العائلات التي قمُنا بزيارتهم، بحياة كريمة يعيشونها إلى جانب ذويهم في بُيوتاً متواضعة التفاصيل لعلها تستُر عورتهم التي يُوشك الفقر أن يكشفها بين الناس، الأمر الذين لا تستطيع أنفسهم العزيزة تحمله، رغم ثنايا حياتهم القاسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق