19 مايو 2013

الاديب الفلسطينى الكبير نازك ضمرة في قراءة نقدية لرواية ظمأ السنابل لإبراهيم عوض الله


هذا الأديب الصامت الساهي المتباعد عن الضجة والنقاشات والحوارات يكتنز إبداعاً فريدا في عالم التراجيدي تجلى في روايته المعنونة (ظمأ السنابل) والتي صدرت عن دار اليازوري للنشر والتوزيع عام 2007، وفي 143 صفحة من القطع المتوسط وعلى ورق أبيض مصقول جميل، ويبدو لي من اختيار نوعية الورق لهذه الرواية، لقناعة في نفسه بأنها رواية فريدة في دنيا لأدب العربي المأساوي.
 فالحكاية تبرز لنا عالم عائلة كتب عليها ان تعيش مآسي مضاعفة ومتلاحقة ومتوالدة، مثل شجرة الصبار العلقم، لا تنتج إلا صباراً مراً، او إن كل غصن عليها ينتج غصناً بأشواك أشد اذى والماً من غصن امه او غصن ابيه، فمن الجد تبدأ الحكاية وتنتقل للإبن، ثم للبنت ثم لآبن البنت وابن البنت، وكل قصة تنبع من القصة السابقة، وهنا أعيد ما سبق وقلته في مقال سابق عن كتابة إبراهيم فقيه، فهو أديب متخصص في توالد الحكاية من الحكاية التي قبلها، تماماً، وكأنه يشبه ملقن شهرزاد حين كانت تلهي شهريارعن قتلها باختراع قصة جديدة كل ليلة حتى يغفو وينام.
 ولم تكن شهر زاد تعرف كل تلك الحكايات والمفاجآت والقصص، ولكنها بذكائها وظفت أناساً يأتون لها بقصص العجائب من الفيافي والقفار ومختلف الأمصار، كيف لا وهي ابنة وزير المالك السابق المسجون، لأنه عارض شهريار في فكرته قتل اي امرأة يتزوجها بعد اول ليلة من زفافها إليه، وانتهت الفتيات الجميلات في عاصمة شهريار، أو صرن يهربن لبلاد المسلمين في الأقطار المجاورة، هذا الرأي قرأته في رواية (غازلة الظل) للكاتبة الأمريكية سوزان
فليتشر، وتدور الرواية حول قصص شهرزاد وإظهار قدرتها العجيبة على النجاة من القتل وهي المرأة ساحرة الجمال، وهي التي تقدمت بنفسها للزواج من الملك لتخلص المدينة من شروره وظلمه للمرأة.
وتحققت تلك المعجزة بألف قصة وقصة حتى أنجبت البنين والبنات للملك واضطرته للإقلاع كليا عن قتل النساء اللاتي يتزوجهن بعد أول ليلة، وبفضل ذكاء شهرزاد ومواظبتها على البحث عن قصة مثيرة جديدة، مقتنعة بأن شهريار ما هو إلا طفل في ثياب ملك، وبالمثل في رواية إبراهيم عوض الله (ظمأ السنابل) استطاعت امرأة الأب أن تستوعب هذا الإنسان الطفل الذي هو في ثياب رجل متمرد ظالم لا يعرف للقسوة حدود إلا بالموت وتغييب من يكرهه، وخاصة فلذات كبده أولاده وبناته، لأنهم ولدوا من امرأة اولى لم تستطع تحمل ظلمه وقهره وقسوته، فكرهت الحياة معه، وأقدمت علىأمور تغضبه حتى يطلقها، ويتقمص شخصية شهريار، أما زوجته الثانية، فقد حاولت أن تقوم بدور شهرزاد، أي أن تشغله عنها وعناولادها، لكنها لم تكن بطيبة شهرزاد، فشهرزاد تطوعت لتطويع شهريار وثنيه عن فعل الشرور، نجحت هذه الزوجة الثانية في ثنيه عن ظلم زوجته وأولادهما فقط، لكنها عرفت نفسيته الشريرة، فإما إن تكون تعلمت منه ميوله، او كانت شريرة هي الأخرى في الأصل، فطبقت المثل القائل (وافق شن طبقة).
إن قدرة الكاتب ابراهيم فقيه على تصوير التراجيدي بشكل منفر مرعب ومثير، لهي قدرة لم أواجه مثلها من قبل، وكاتب هذه السطرالعجوز، كان يقشعر خوفاً وحزناً والماً ونفوراً من تفاصيل الظلم الذي تصورة مواقف وقصص هذه الرواية، فإبراهيم فقيه يستحق بحقأن يكون رائد الرواية التراجيدية في الأدب العربي، ولم يسبق أن قرأت حكايات كمثل تشخيص وتصورات بطل الرواية الرئيس وهو
اب لأسرة عاشت في الأغوار اولاً، ثم انتقلت إلى عمان فإلى دولة بترولية، فمن قمته على زوجته الأولى التي فضلت غذاب الطلاق كي تبتعد عنه، ينتقل الغضب والنقمة والتعذيب إلى أبنائها وبناتها، وبالتالي والنتيجة يخسر كل ما وفره وما خطط له هو نفسه، فيقع في نتائح أخطائه وظلمه لأبنائه وبناته ويعود إلى عمان مطرودا من الدولة البتولية، فيلجأ هو وزوجدته الحاقدة مثله، والتي زادت من
استعار نار غضبه وحقده على ابنائه، عادت لتحتاج من ظلمتهم وحرمتهم نعمة الاستقرار لمجرد العيش كغيرهم من الأبناء، ومع هذا يطل بصيص أمل وشمعة تلوح في آخر النفق، فيدرك ابن الرجل الظالم لأولاده من المرأة الحاقدة اللئيمة مقدر ظلم ابيه وامه لإخوانه وأخواته من ام أخرى.

ليست هناك تعليقات: