يقيناً استدعاءُ العقل والفكر ومن ثم العمل الجاد المثمر، يعنى إدارة الفكر إجمالاً وإدارة الحركة كذلك، هو استدعاءٌ لأسبابِ مسبب الأسباب سبحانه وتعالى، وهذا ما ينقصنا حقيقة فى مصر، منذ عقودٍ وإلى الآن، إلا من رحم ربى ولكن فى «جزرهم المنعزلة»، وحتى ولو عظم نتاج هؤلاء «الاستثناء» فى جزرهم تلك، فإنهم لم يحبوا مصر كما ينبغى لحبها أن يكون، وإلا فأين منهم من اقتحم ولىِّ الأمرِ وفرض نصيحته عليه؟!..
وفى المقابل وبالتأكيد لسنا فى حاجة إلى تكرار ما لم نسأم من تكراره ولن نسأم بإذن الله، أن ولاةَ أمورنا اليوم، مقصرون منغلقون، مفتقدون للقدرة على الاختيارات العظمى، رؤى وسياسات وبرامج، فضلاً عن الكوادر المؤهلة لمباشرة هذه الاختيارات العظمى.
نعم هناك شئون هامة تحققت على الأرض، بل وشكرها المواطن وتحدث عنها فاضحاً للإعلام الكذاب، كما لا نغفل ما نلمحه من توجهات تبعتها دراسات وأعمال تمهيدية لمشروعات لا نقلل من شأنها ونتمنى بزوغها سريعاً، أيضاً نثنى على الجنوح نحو الواقعية الاقتصادية وهو ما تمثل فى التعاطى مع موضوع «آل ساويرس»، وإن كنا ننصح بوضع «معيار»، وبالمزيد من النضج السياسى فى هذا النوع من التناول وعدم الإفراط فى «الاحتفاء» فى شئون مماثلة قادمة.
كما لا نغفل أيضاً، أن الرئيس ومنذ بداية ولايته، أدار بتميز العلاقات المصرية الأمريكية والإسرائيلية، وعلينا ألا نلتفت للعجزة وللمراهقين سياسياً، الذين يتحدثون عن التناقض «البديهى من وجهة نظرنا» بين موقف الإخوان والقادة والساسة الإسلاميين من تلك العلاقات قبل الثورة و«السلطة» وبعدهما، فالموقف من العدو الاستراتيچى التاريخى لم يتغير، ولكنها «الإدارة والسياسة» ولا أزيد، ومع ذلك نتطلع إلى مزيد من «الإحاطة» الكلية، ومن ثم امتلاك الإرادة وفرض مكانة مصر ودورها الاستراتيچى، أما «روسيا والأزمة السورية»، فكان يكفى تطمينها على تواجدها فى المنطقة بعد رحيل بشار ونظامه، مع احتفاظنا بموقفنا القوى والمبدئى حيال شعبنا السورى الشقيق وثورته، أما عن إيران فنحن أفرطنا فى العطايا، وهو ما يمكن أن يعقد العلاقة معها قريباً حين نكتشف أننا أفرطنا، بينما كان يمكن بالقليل أن نأخذ منها الكثير.
وأخيراً ورغم كل النقد الذاتى الذى نمارسه كإسلاميين، فلن نأمن على مصر ولن ينفعها، إلا الشرفاء المخلصون الغيورون على أمنها واستقرارها ورخائها، والإسلاميون فى القلب من هؤلاء، وفى المقابل ورغم كل ما أثنينا عليه، فسنظل نُلح على «االرؤى الكلية» التى نعوزها بشدة، ومن ثم نتحدث عن نطاقٍ آخر هو الذى ينقل الأمم من حالٍ إلى حالٍ أبعد فى الطموحات، فما بالنا ومصرُ حقاً ثريةٌ وبكرٌ ومنتظرةٌ منذ عقودٍ، للاختيارات العظمى، ومن ثم للاستثمارات الاقتصادية العملاقة؟!..
وفى هذا النطاق الذى أقصده، أتساءل أن أين البنية المؤسسية للدولة الشاملة الناجحة، أتحدث عن بنية أساسة فى كافة جوانبها، ومن ثم فأين الرؤى المحققة لذلك، بل ابتداءً كيف ينبغى لها أن تُصاغ، فى رحاب فصيلة المبدعين؟!..
وكيف ينبغى لولى الأمر أن يعى، أن انفتاحه على العقل والعقول، فريضة؟
وكيف ينبغى لنا جميعاً أن نعى، أن العمل على التوازى هو سمة المديرين، ومن ثم فيستطيع المسؤول منا، أن يحقق عبر مساعديه مائة من الملفات فى آنٍ واحد، هكذا الأمر فى مؤسسة صناعية أو زراعية أو خدمية أو....، فما بالنا والمؤسسة التى نتحدث عنها، هى دولة، وأن هذه الدولة، هى مصر؟!..
والله لا أبالغ إن قلت ألفاً، بل والألوف من الملفات على التوازى، وأقسم ثانيةً أنى لا أبالغ.
وبعد فتلك كانت مقدمة لنداءٍ حان أن نطلقه وحان أن يُلبى.
نداءٌ للنخب المصرية الحقيقة، التى آن لها لا أقول أن تتصدر المشهد، فأبداً لم يكن ذلك مسعاها، وإلا فما معنى ما نعتناها بها بالانعزال فى جزرها، ولكن آن لها أن تخرج من انعزالها إلى آفاق العمل من أجل نفع مصر، ونفعها كذلك، ولا عيب فى ذلك أبداً، أقصد نفعها هى أيضاً، فتلك هى الواقعية التى يمكن أن تنقل المجتمع بشموله، المجتمع الحر والشفاف والطموح.
* هدفٌ ممكنٌ، ولكن تُرجم إلى أكذوبة كبرى تُرجمت بدورها إلى شعارات جوفاء، ورددتها الحكومات المصرية عبر العقود، مثل «القضاء على عوامل الطرد من الريف إلى الحضر، ومن ثم إيقاف الهجرة إلى المدن»، أو شعار مثل «تفريغ العاصمة»، وأنفقت هذه الحكومات مليارات وشيدت مدن جديدة مثلت للأمانة رصيداً لمصر، ولكن كان بإمكاننا وبنفس الإمكانات التى حققت هذه المدن، أن نحقق حصاداً أعظم مما تحقق بكثير، ولكن أبداً لم يكن المفكرون المبدعون هناك، وأبداً ما كان هناك إجمالاً «المديرون»، وكان الفساد، فما عذرنا اليوم؟!..
* منظومة الزراعة المصرية ككل، ومنظومة «القمح المصرى» كمثال، سبق أن تحدثنا عنهما مراراً، وحاجتهما إلى وعىٍ ومن ثم إلى هذا الإبداع، ولم أصدق مطلقاً ولن أصدق الانتاجية المتوقعة والمعلن عنها منذ شهور فيما يخص القمح، وحذار من أباطرة فساد النظام السابق فى هذه المنظومة والتى حذرنا منها، والتى تخلط المستورد الرخيص بالمحلى، بينما المسؤول «مش فى الصورة»، ولم يعِ النصح المتكرر فى هذا المجال.
لو كنت من الرئيس مرسى، لشغلت مستشارىَّ من أول يومٍ لهم فى الرئاسة، بموضوعات بعينها، طالما أن اختيارهم كان «سياسياً» وفقط، ولكنت حققت بذلك أهدافاً كثر، منها أن يشعروا بأهميتهم، ومنها أن أستريح من وجع الدماغ العاجل منه والآجل، ومنها أن أحقق بهم نفعاً لمصر.
لو كنت من الرئيس ولم أجد لهؤلاء المستشارين عملاً أسنده إليهم، لطالبت كل واحدٍ منهم على حدى، أن يأتى إلىَّ بفكرة مشروع كبير شريطة إمكانية تحققه، وكان هؤلاء وبالضرورة سيبحثون عن المبدعين وسينفتحون عليهم، حتى مستشار الشئون القانونية كذلك، لكلفته بنفس الأمر، وكنت سأشترى «دماغى» وأشغل أوقاتهم بما يحقق نفعاً لبلدى، ونفعاً جماهيرياً لنفسى أيضاً، وتواصلاً نخبوياً حقيقياً، يصنعه للرئاسة، هؤلاء كذلك.
يعنى الخلاصة، أن كان على الرئيس طالما الأمر سياسة فى سياسة، أن «يشتغلهم» مبكراً ويحقق بهم أإيضاً نفعاً لمصر، بدلاً من «اشتغالهم» لنا «جميعاً» وبالدور، عبر الإعلام، حتى لو كانوا على حق، ولكن..
ولكن الرئيس ظلم نفسه، وظلم معه مستشاريه، وظلم مصر كذلك.
أما المستشارون، فلقد ظلموا أنفسهم كذلك بأنفسهم ومنذ البداية، بقبول التكليف، بينما تعوزهم القدرة الذاتية، والإمكانات والمفاتيح أيضاً، والمخرجات الفكرية كذلك، لكى يفرضوا أنفسهم وبحسمٍ «علمىٍّ»، على الرئيس ومصر.
تحية للمهندس محمد سيف الدولة، فهو استثناء من «الثرثرة الإعلامية»، بين كل من استقال.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
الأحد 28 أبريل 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق