مدرعات للجيش المصري في شوارع القاهرة (8 يونيو/2014/الأناضول)
العربي الجديد - عبد العزيز مجاور*
حدث، في الأسبوع الماضي، هجوم من مهربين على دورية إسرائيلية، فما كان منها إلا أن صدت الهجوم، وقتلت ثمانية من المهربين، وجرح ثلاثة جنود. لعل الخبر يبدو عادياً وطبيعياً، ولم تقف عنده وسائل الإعلام كثيراً، لأن الأصل أن هذا هو المتوقع من الجنود، وأن النتيجة تبدو منطقية لجاهزية الجيش وامتلاكه ما لا يمتلكه الأفراد والعصابات، ولم يخرج علينا قادة الصهاينة بشعاراتٍ مثل (تحيا إسرائيل).
في المقابل، تعرض الجنود المصريون لعدة هجمات في الأعوام الثلاثة الماضية، أسفرت عن قتل عشرات من الجنود، وعدم إصابة الفاعلين بأذى، ففي الفرافرة في الوادي الجديد، تم قتل أكثر من 20 جندياً في يوليو/ تموز الماضي، وقبلها، في المكان نفسه، قتل ستة جنود على أيدي مهربين، وفي 5 أغسطس/ آب الماضي، تم الهجوم على دورية في مرسى مطروح، فأسفرت عن مقتل ضابط وأربعة مجندين، وفي سيناء حدثت مذبحة رفح (1) وبعدها رفح (2)، ثم فاجعة الأسبوع الجاري التي قتل فيها أكثر من 30 جندياً، وفي كل مرة، تكتفي قيادة الجيش وقادة الانقلاب بالشعارات الجوفاء في حب مصر وتحيا مصر، للمداراة على الفشل الذريع، من دون تقديم أي قائد عسكري للمحاكمة، أو حتى إحالته للتقاعد، ومن دون أن يحدثونا عن أسباب عدم جاهزية الجيش، وضعفه في صد الهجمات المتتالية في أماكن مختلفة (الوادي الجديد، مطروح، سيناء). بل على العكس، كان التصريح الفضيحة أنهم يتوقعون وقوع مزيد من الشهداء، ويبشرون الشعب بمزيد من الدماء، وفي الوقت نفسه، يعترفون بفخر بتصفية المواطنين في سيناء بالمئات، كما قال قائد الانقلاب، في بيوتهم، باعتبارهم تكفيريين وإرهابيين.
والسؤال ليس فيمن يقف وراء الهجمات، أو من نفذها؟ ولكن كيف فشل الجيش في صد تلك الهجمات؟ وكيف فشلت مخابراته في توقعها؟ وهل يقتصر تدريب الجيش على قتل الأبرياء، وتصفيتهم في بيوتهم فقط؟ وهل لا يستطيع الجيش صد أي هجوم سوى المعلن عنه مسبقاً، وبفترة لا تقل عن ثلاثة أيام حتى يستعد؟ وإذا كان حل المشكلة في تهجير أهل سيناء، فهل سيتم تهجير أهل الوادي الجديد ومطروح، وكل مكان يفشل فيه الجيش عن حماية جنوده؟
فإذا علمت أن تصنيف الجيش المصري بهذه الحالة، ووفقاً لموقع جلوبال فاير بور GFP، هو أقوى الجيوش العربية، فلا غرابة أن ترى الجيش السادس عربياً، وهو الجيش اليمني، ينهار في صنعاء في 48 ساعة أمام الحوثيين. وحتى لا يستغرب القارئ من الترتيب، عليه أن يعلم أن عوامل القوة يتم حسابها وفقاً لعوامل، منها مقدار الإنفاق على الجيوش وعدد السكان وعدد المجندين، وبالطبع، لا حدود للانفاق في مصر في ظل ميزانية سرية لا يطلع عليها ولا على سبل إنفاقها أحد، بخلاف المنشور في الموقع المشار إليه، والبالغ 4.4 مليارات دولار، ميزانية سنوية (31.5 مليار جنيه).
وهناك بدهيات ومسلمات قد يغفل عنها بعضهم، ويتناساها العسكريون عمداً، حتى يدلس على الشعب، ويبرر تقصيره وفشله، أولها أن وظيفة الجيوش تكمن في حماية حدود الدولة من أي أخطار خارجية، أي أن الأصل وجود تلك التهديدات، وليس حالة الاسترخاء، فإذا جاء عدو، ظهرت عورات الجيش، وارتفع عويلهم، بدلاً من مقاومة هذا الخطر. ومن العار على الجيش المصري أن يدعي، مثلاً، في قضية اقتحام السجون، أن بضع عشرات سيطروا على حدود مصر، إبان ثورة يناير، وقطعوا المسافات من سيناء حتى القاهرة، ليفتحوا السجون، ثم يعودوا مرة أخرى إلى سيناء، ويعبروا إلى خارج حدود مصر في أمان وسلام، فهذا يناقض بدهية وظيفة الجيش.
كما أن معيار نجاح الجيوش يكمن في صد العدوان الواقع عليها، وليس البحث عن مرتكب الجريمة بعد حدوثها، ولا يصبح مثل الطالب الذي يفشل في حل أي سؤال في الاختبار، فيبحث عمن وضع الأسئلة، لينال منه. والأموال التي يتم إنفاقها على الجيوش ليست إلا لهدف واحد، هو رفع استعدادها لصد الهجمات، وليس لمنعها من المنبع. وتكرار الفشل في صد كل الهجمات التي تمت على وحدات من الجيش المصري، في ثلاث سنوات متتالية، ليس له سوى تبرير واحد فقط، يكمن في فشل قيادته، وتحملهم بدماء الأبرياء من الجنود من الفرافرة إلى رفح.
ومن البدهيات والمسلمات أن تصفية الأبرياء وقتلهم في سيناء سيزرع الحقد في قلوبهم، ويزيد من حالة اغترابهم عن وطنهم الذي لم يقدم لهم شيئاً سوى طلقات الأباتشي التي تنهال فوق رؤوسهم، وإن استخدام قائد الانقلاب كلمة (تصفية) اعتراف رسمي ودليل دامغ على أن قتل المصريين في سيناء يتم بلا مقاومة، وبأحكام مسبقة تمت من دون قضاء ولا محاكمة، ولو كان هناك نائب عام في مصر لفتح تحقيقاً فورياً ليظهر للرأي العام أسماء المقتولين، وظروف قتلهم، ومن أعطى الأوامر بتصفيتهم، ومن حكم عليهم بأنهم تكفيريين وإرهابيين. ومشكلة مصر ليست في سيناء، بل في زرع الانقلاب العسكري الحقد والكراهية في قلب كل مصري حر، تجاه من يعتقل بناته ويقتل أبناءه، ويستبيح أموالهم وأعراضهم، ومن استهان بالشعب، وأخطأ قراءة التاريخ، فقفز على الحكم بالدبابة والمدفع، ويظن أن عجلة الزمان قد تدور إلى الخلف.
لابد من محاسبة كل المسؤولين عن القصور الأمني في مصر، بداية من قائد الانقلاب ومدير المخابرات ووزير الدفاع، ووصولاً إلى أصغر قائد قصّر في عمله. أما عن القرارات التي تعاقب أهل سيناء بفرض حالة الطوارئ، وحظر التجول عليهم، فلا جديد فيها، ولن تكون حلاً، فمصر كلها تحت الطوارئ والقهر منذ انقلاب يوليو 2013، وأهل سيناء يتم قتلهم يومياً وتهدم عليهم بيوتهم بلا قانون ولا قضاء، وكل يوم يتحفنا المتحدث العسكري بقتل العشرات، من دون أن يسأله أحد كيف قتلوا، والحديث عن تهجير أهل سيناء هو إعلان فشل جديد لقادة الانقلاب.
المسؤول عن قتل الجنود هو من جعل الجيش يترك وظيفته على الحدود، لينشغل بالسياسة والاقتصاد وعلاج الإيدز بالكفتة. ومن جهل موقع الجيش الحقيقي، فأمرهم بالوقوف لحماية قصره، والاعتداء على طلاب الجامعات، وحماية حدود ميادين القاهرة، وليس مستغرباً أن نجد قريباً من ينادي بتهجير سكان شارع طلعت حرب، لحماية ميدان التحرير.
*كاتب مصري، دراسات عليا في العلاقات الدولية، له كتاب "عام من الثورة المضادة"، ومقالات منشورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق