15 أكتوبر 2014

وائل قنديل يكتب: مصر الطلبة.. ومصر الطبلة

بكل فخر يتحدث رئيس جامعة القاهرة عن نجاعة "المنظومة الأمنية" التي تحكم الجامعة في بداية العام الدراسي، من دون أن ينبس ببنت شفة عن "المنظومة التعليمية".
الرجل أستاذ للقانون، ولطالما مارس طنيناً زاعقاً عن استقلالية الجامعة في أزمنة غابرة، وتمسّح في منصات الخطابة عن أهمية جلاء الأمن عن الجامعات، لكنه الآن صار يتحدث، ليس باعتباره عميدا سابقا لكلية الحقوق، وإنما كعميد أركان حرب في المؤسسة الأمنية، فلا يجد غضاضة في أن يباهي بشدة الإجراءات الأمنية التي أجبرت الطلاب على دخول الجامعة قفزاً من فوق أسوارها. 
رجل القانون يتحدث باعتزاز عن إنجازه التاريخي بضبط "الطبلة" التي كان الطلاب يتظاهرون على إيقاعاتها ضد احتلال شركة استخبارات خاصة للحرم الجامعي، فيقول في مداخلة تلفزيونية "لم نتمكن من القبض على هؤلاء الطلاب وتسليمهم للشرطة؛ بسبب المساحة الشاسعة للجامعة، لكننا تمكنا من مصادرة "الطبلة" التي كانت بحوزتهم". 
تصريح رئيس الجامعة يعبر بإيجاز دقيق للغاية عن حالة مصر الآن، المقسومة إلى مصرين: "مصر الطلبة" أو "الورد اللي فتح في جناين مصر" بتعبير شاعر الغضب الراحل أحمد فؤاد نجم.. و"مصر الطبلة" التي يمثلها رئيس جامعة القاهرة وزملاؤه في كتيبة رؤساء الجامعات المعينين بقرارات من المؤسسة الأمنية، والذين يبدعون في فنون الطبل والزمر لجنرالات الانقلاب، من الجيش والشرطة، حتى إن بعضهم لا يخجل وهو ينحني وينثني في وضعية الركوع لتقبيل يد مدير الأمن العام، أو يتباهى بأنه موظف أمن قبل أن يكون مسؤولا عن التعليم الجامعي، ويعلن بلا استحياء عن نجاحه في تجنيد عدد من الطلاب لأعمال التجسس والرقابة على زملائهم. 
غير بعيد عن هؤلاء، أساتذة جامعة ومثقفون وأدباء من نوعية الروائي يوسف زيدان يطلقون الصيحة تلو الصيحة، مطالبين الحكومة بإغلاق الجامعات لمدة عامين على الأقل. هكذا في كلمة واحدة يريدون إلغاء التعليم في مصر لمدة سنتين دراسيتين، كي لا يقضّ هتاف الطلاب الغاضبين مضاجع طبالي وزماري الانقلاب. 
ليذهب التعليم إلى الجحيم إذن، لينعم السادة حاشية السلطان برغد العيش في "مصر الطبلة" المغلقة المجففة، منزوعة الحراك، ممنوعة من الكلام والتعبير والمعارضة، وليهنأوا بمصر الصامتة صمت القبور، بعد امتلائها بجثث المعارضين ومن يفكرون في المعارضة وإزعاج جماعة الانقلاب، أو تهجير المحتجين على المشيئة الأمنية من الطلاب وأهاليهم، قسريا إلى "أي داهية" كما نعق عدد من مقدمي برامج الفضائيات الليلية.. وإذا لم يكن هذا هو المعنى الكامل للتمييز في المواطنة والتطهير العرقي، فماذا يكون الفصل العنصري؟ 
إن عقلية الغلق التي تحكم مصر الآن تضرب المثل في الغباء السياسي والفكري، ولا تريد أن تتعلم أبدا، فقد أغلقوا الميادين بذريعة القضاء على المظاهرات، فاشتعلت القرى النائية والشوارع الجانبية بمسيرات لم تتوقف على مدى 17 شهرا، كما جربوا إغلاق ملاعب الكرة في وجه الجماهير، وألغوا موسما رياضيا كاملا، فأضافوا زخما إضافيا من الغضب. وها هو النظام القمعي يواصل إبداعاته في الاستغباء من خلال التلويح بإغلاق الجامعات، ليقدم دليلا إضافيا على فشل مصر الرسمية المغلقة على عجزها وتخبطها. 
إن كل يوم في عمر الغضب النبيل ضد جريمة الانقلاب على ثورة يناير، يكشف مدى هشاشة المنظومة الانقلابية، التي تثبت يوميا أنها "طبل أجوف" تماما كأسطورة "فالكون" التي قدموها مثل بطل خارق منفوخ العضلات الأمنية، ثم تهاوت مع أول اختبار.

ليست هناك تعليقات: