قولون لنا إن قصصنا صارت حزينة وإن السواد أضحى يظلل لوحة حياتنا مقترنا بهذا الوجع الذي لا يفارقنا وتحكيه عيوننا وإن لم تبح به ألسنتنا، يقولون لنا لماذا لا تتحدثون عن الإيجابيات؟ يقولون لنا إن الحياة يجب أن تستمر ولا يجب أن تظلوا كثيرا تتحدثون عن المعتقلين والحريات، فالوطن في مرحلة فارقة لا مكان فيه لهذه الأحاديث وحتى إذا كان هناك بعض المظلومين الذين لا يستحقون السجن فهذا مقبول طالما أنه يحمى الوطن !
كيف يستمر الوطن وكيف يحيا وأبناؤه يموتون بمرارة الظلم ونار القهر؟ كيف يحيا الوطن والأمهات لا تعرف جفونهن النوم شوقا وحزنا وقهرا على أبنائهن الذين غيبتهم أسوار السجون وزنازين المعتقلات؟ كيف يحيا الوطن ويتقدم والمظالم لا تتوقف بل تتسع وتضم لدائرتها مزيدا من الأبرياء.
الكلمة كانت سلاحه والعاطفة كانت نشيده والإبداع كان لحنه والرقى الإنسانى كان سمته، هكذاعرفناه يغرد بأبيات الشعر المشوب بعبق البحر وتوهجه، تنفس في الاسكندرية نسائم الحس وارتوى من دفق الموج وإبائه، حمل اسم الوطن وطاف به بين أرجاء الأرض يشدو بكلماته وأشعاره وينبئ العالم عن أرض للحضارة والفنون تمتد جذور إبداعها في عمق التاريخ، حلق في فضاءات الأدب العالمية ومثل مصر بالمحافل الدولية وحصد العديد من الجوائز الأدبية، منها جائزة عبدالله باشراحى، لإبداع الشباب بمصر بديوان «كم أنت حلوة» عام 2005، وصدر له ديوان «فضاءات الحرية» بالاشتراك مع الشاعر البرتغالى «تياجو باتريشيو» والشاعر الإيطالى نيكى داتوما والشاعر السورى عبدالوهاب العزاوى عام 2011. وحصل على جواب شكر من هيئة أبوظبى للثقافة والتراث بمشاركته بمسابقة أمير الشعراء بأبوظبى على إنجاح هذه المسابقة التي اشترك بتنظيمها، وكان من ضمن الفائزين الأوائل، وأخذ درعا بلقب «شاعر الرومانسية» عام 2007، كما شارك بمؤتمر الحب والسلام بإيطاليا وفاز بجائزة الشعر «الحب والسلام» على مستوى العالم.
هكذا كان فنانا لا يملك سوى الكلمات لم يحمل سلاحا، لم يقتل متظاهرا، لم يفقأ عين شاب ويحرمه من نور الحياة ليقول له أحدهم (جدع يا باشا)، لم يقتل العشرات في سيارة ترحيلات، لم يفعل لهذا الوطن سوى الحلم وكان الحلم جريمته، حارب الفساد في مكان عمله بمكتبة الاسكندرية وحين أصبح أسيرا استغل خصومه الفرصة وفصلوه من عمله وكأن الوطن يعلن أنه لا مكان للشرفاء فيه !
عشرة شهور وعمر حاذق خلف قضبان السجون بلا جرم ارتكبه ولكنه يدفع ثمن قانون جائر يعادى الانسان ويقيد حريته وهو (قانون التظاهر) الذي صدر وسط هوجة التطبيل والنفاق للسلطة التي مازالت تعتقد أن البطش هو سبيل التقدم ومفتاح الاستقرار، وحولت هؤلاء الشباب إلى مجرمين يقضون فترات عقوبة تمتد لسنوات بلا ذنب اقترفوه سوى التعبير عن الرأى بسلمية.
والأشد نكاية أن عمر حاذق لم يكن يتظاهر من الأساس وإنما كان يسير في الطريق فرأى اعتداء وحشيا على صديق يعرفه فحاول فض الاشتباك وايقاف الاعتداء على صديقه فاعتقلوه وقدموه للمحاكمة التي قررت إلقاءه في غياهب السجون عامين، نعم عامان مسلوب الحرية رغم أنه عاش يغنى للحرية ويطالب بها لكل المصريين، هل يحيا الوطن وعمر ( عمر) تُسرق منه شهور وسنوات؟ وهل ارتاح المطالبون بالتنكيل بالشباب وهم يرون أمثال عمر حاذق ويارا سلام وسناء سيف وغيرهم يقضون أروع فترات شبابهم أسرى بالسجون تحت زعم حماية الوطن ؟
إننا لا نحمى الوطن بل نزرع فيه بذور الكراهية ونقتل الانتماء في نفوش شبابه وزهوره، إن هذه الصفحة البائسة من تاريخ مصر يجب أن تنتهى بلا رجعة، الحرية واجبة على الفور لكل سجين رأى وكل معارض سلمى زُج به في السجون عقابا له على رأيه وموقفه السياسى، لم تعد هناك أعذار مقبولة ولا تبريرات مقنعة للتنكيل بهؤلاء الشباب، توقفوا عن الكذب وعن تضليل الناس، هؤلاء الشباب لم يجرموا حتى يُلقى بهم في أقبية السجون، عاقبوا القتلة الحقيقيين وحققوا القصاص العادل لأسر الشهداء، وطاردوا من سرقوا أقوات الشعب وبددوا ثرواته.
عمر حاذق ليس من أعداء الوطن، يار سلام وسناء سيف والطفل محمود محمد وشيماء محرز واليمانى وصبرى ياسين وكثيرون غيرهم لا نعرف أسماءهم ليسوا أعداءا للوطن، أعداء الوطن من يمارسون وأد الأحلام وقمع المستقبل ومطاردة جيل كل جريمته أنه طلب الحرية وتمسك بها رغم قسوة الثمن
حملات غسيل الأيدى الإعلامية التي تصاعدت الأيام الماضية للتحقير من قضية المعتقلين حملات منحطة تهدف لمحوالحقيقة وتثبيت الظلم والتعايش معه، إذا لم تستطيعوا إنصاف المظلوم وإدانة الظالم فاصمتوا ودعوا الأحرار يصرخون ويطالبون بحريتهم.
هنا وطن يبكى شبابه وينعى مستقبله، هنا وطن يرثى حلم الحرية والكرامة، هنا وطن لن يرضى شبابه بغير ما حلموا به وناضلوا من أجله، مجنون من يتوهم أنه يستطيع طمس ضوء الشمس ولن ينال سوى أن تحترق يداه، الحرية لكل مظلوم نعرفه أو لا نعرفه نحبه أو لا نحبه، الحرية للمستقبل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق