في خطبة عرفات، حيث اجتمع ثلاثة ملايين من المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، حذّر مفتي عام السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ قادة الأمة الإسلامية مما سماها «الفوضى الخلاّقة التي تراد للمسلمين»، داعيا « القادة والرؤساء إلى الوحدة «لمواجهة ما سماها بـ «عصابات الإجرام»، في اشارة الى تنظيم «داعش».
يبدو ان المفتي الذي كان يعلق على تصريح شهير لوزيرة الخارجية الامريكية السابقة كوندوليزا رايس في مطلع العام 2005، لم يتبلغ بعد بأن «الأمة الاسلامية» تجاوزت «الفوضى الخلاّقة» الى مرحلة «المجازر الخلاّقة»، وان دماء المسلمين صارت انهارا في غير بلد مسلم، ليس بأيدي «الكفار او اعداء الدين»، ولكن بأيدي المسلمين أنفسهم، إما في اطار صراعات طائفية ومذهبية، او حتى بين ابناء المذهب الواحد.
بل ان هذا العيد «المفترض للمسلمين» يطرح سؤالا جديا بشأن ما ان كان المسلمون ما زالوا «أمة» حقا، في ظل هذا الحال من الانقسام والتفتت والتحاقد والتقاتل والتوتر والحصار والدمار؟
الواقع الحزين ان هذا «الاضحى» يحلّ فيما يتراجع وصف «المسلمين»، وهو الذي اختاره الله لهذه الأمة، كما ورد في الآية القرآنية الكريمة (هو سماكم المسلمين) لمصلحة اسماء اخرى مثل (السنة والشيعة والسلفيين والوهابيين والصوفيين والاسلام السياسي والداعشيين) وغيرها.
ويجد المتابع لبيانات وزارات الخارجية وتصريحات السياسيين حول العالم، انهم يتحدثون غالبا عن «سنّة» او «شيعة» وليس عن مسلمين. هكذا اصبحوا يروننا، ربما لأننا هكذا اصبحنا فعلا.
إنه عصر الطائفة والمذهب الذي اصبح اقوى عند كثيرين من الدين والجنسية والوطنية والقومية واي انتماء آخر، على الرغم من ان الاصل في الاسلام هو ان المسلم ليس مضطرا ان يتبع ايا من المذاهب، ولا يوجد اي مبرر ديني للتعصب لمذهب دون آخر.
وبالطبع فإن الاختلافات المذهبية ليست جديدة، وليس مطلوبا او واقعيا تسويتها جميعا، الا أنها في هذا الزمن اصبحت مسوّغا ليقتل المسلم أخاه المسلم بغير حق، وهذا جرم يهون امامه عند الله «ان تحطّم الكعبة حجرا حجرا « كما ورد في الحديث الشريف.
نعم ان بعض المحسوبين على المسلمين هم اليوم ألدّ اعداء المسلمين. ولم يعد المسلم للمسلم كـ»البنيان يقوي بعضه بعضا» كما في الحديث المعروف، بل كالعدو يقتل ويكفّر ويشرّد بعضه بعضا.
لا مفرّ من الإقرار بأن العالم الاسلامي اليوم في حالة تتراوح بين «الانهيار والحريق»: مئات الآلاف من المسلمين يُذبحون بدم بارد، ملايين يُشرّدون داخل بلادهم او خارجها، ابرياء يُذبحون باسم الدين على الهواء مباشرة، آلاف النساء تسبى وتغتصب وتُباع كالبضاعة في الاسواق، اطفال يروعون او يُفجرون الى اشلاء عن قصد، كما حدث في مدرسة بحمص قبل يومين فقط من «هذا العيد»(ولم يمنع هذا الرئيس السوري من تلقي تهاني العيد(…).
يحق للمسلم وهو يرى هذه الاهوال غير المسبوقة ان يسأل: ان لم يكن ما يحدث هو العيد لأعداء المسلمين فمتى يكون عيدهم؟
ماذا يحتاج الاعداء لأن يفعلوا أصلا اكثر مما نفعل بأنفسنا؟ بل ألم يقترف بعض المنتسبين للإسلام ما لم يرتكبه حتى الدّ الاعداء في حق المسلمين؟
اما اذا كان هناك من وسيلة للاحتفال حقا بهذا الاضحى، فهي ان يجتمع علماء الاسلام الحقيقيون البعيدون عن ابواب السلاطين، ليبحثوا في سحب بساط الدين عن هذا المشهد العبثي في دمويته، ليرجع الدين لله كما هو في اصله، وليس لفلان اوعلان. ليرجع الى جذوره النقية من الموروثات التي انبتت كل هذا الشر المتمثل في «داعش» وغيره. وليرجع المسلمون الى إسلام ما قبل الانقسامات والصراعات التاريخية التي جعلتهم فرقا وشيعا، وما زالت تشعل الحروب وتودي بالأبرياء بعد مئات السنين، رغم ان اصحابها اصبحوا بين يدي الله وهو أعلم بهم، يحكم لهم او عليهم.
الا ان خطوطا حمراء كثيرة ربما تعوق تحقيق مثل هذه الأمنيات، واهمها ان الدين اصبح سلاحا سياسيا تستخدمه دول وحكومات وجماعات لتحقيق اهداف سياسية، ولا تجد وسيلة أكثر نجاعة منه لابتزاز مشاعر الناس، واستنفار نخوتهم، وان كان لخوض المعركة الخطأ في مواجهة العدو الخطأ.
وطالما بقي الاسلام مرتهنا بأيدي هؤلاء، فإن دعوة مفتي السعودية المسلمين الى «الوحدة» ستسقط هذه المرة، كما دائما،على آذان صماء، كما ان «عصابات الإجرام» التي اشار اليها لن تتورع عن تصعيد إجرامها في حق المسلمين، وباسم الإسلام البريء منهم ايضا.ا لك من عيد أيها «العيد».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق