"السيسي لو طلبني في شقة هروح.. موتوا بغيظكم"
قالتها بنت من بنات مصر على تويتر، على رؤوس المغردين، بنت عادية، محجبة بالمناسبة! لم تخجل، لم تخش على سمعتها، لم تقم وزنا لأبيها ولأمها ولأهلها الذين سيتضررون في سمعتهم من جراء ما فعلت، لم تحسب حسابا لشيء سوى إغاظة الإخوان، لعلك لاحظت استخدامها لعبارة موتوا بغيظكم، وفي هذه – وحدها – يكمن تفسير الظاهرة الممتدة منذ 3/7 حتى الآن.
رضي الناس بكل شيء، رضوا بانقلاب عسكري على المسار الديموقراطي، رضوا بالتفويض بالقتل، وما أبشعها من جريمة، رضوا بفض رابعة، ونحن الشعب الموسوم بالعاطفية، رضوا بقتل الطلاب في الجامعات، في قاعات الدرس قبل المسيرات والمظاهرات، رضوا بدستور عسكري، رضوا بإغلاق صحف وقنوات، وإيقاف برامج، رضوا بمذابح لا تقل عن رابعة بشاعة، رضوا بالمستوى المتدني في أداء السيسي، رضوا بسذاجته، ولغته الأراجوزية، وأدائه الركيك، الرقيع، رضوا بأكاذيبه المتكررة، رضوا بكل شيء، والأنكى أن المثقفين رضوا معهم، من يدعون أنهم التيار المدني رضوا معهم، الروائيون والشعراء، والسينيمائيون، وكل من يدعي وصلا بقيم الحرية والديموقراطية والمجتمع السليم، رضوا، ووقعوا على بياض، وبصموا بالعشرة، وقلعوا حتى ورقة التوت، ومشوا "ملط" يعلنون رضاهم وتسليمهم في أقذر حالة استربتيز سياسي شهدها تاريخ مصر الحديث، حتى من وضعوا أيديهم في يد الاحتلال البريطاني وادعوا أن العلاقة بين مصر وإنجلترا علاقة زواج كاثوليكي لا طلاق فيها لم يكونوا بهذه الخسة والبشاعة.
بعض من رضي وباع نفسه بالرخيص، لم يكن صاحب مصلحة مباشرة، ولم يكن يوما معرضا بالضاد العارية، ولم يتعرى يوما أمام سلطة أو مغريات، فما الذي جرى؟.
ما جرى كثير.. فمنهم من باع وقبض، لا شك في ذلك، لكن منهم أيضا، وهذا ما ينبغي أن يعلمه الإخوان ويتعلموا منه، من دفعه الغضب، والحنق، والغيظ، من خطاب الإخوان طوال ستة استحقاقات انتخابية ناجحة، كان بوده أن تحترق الدنيا ومن عليها فقط ليحترق الإخوان، حتى حرق الجثث في رابعة لم يزده إلا تشفيا وغلا.
لا شك أنها جريمة في حق النفس، أن يترك أحدهم نفسه ليصل إلى هذه الحالة المزرية، إلا أن مسئولية الطرف الذي أوصله لذلك لا تقل بحال.
السيسي يفقر المصريين ويرفع عنهم الدعم، وهو يتودد، ويلين الصوت، ويخبرهم بصوت يشبه صوت ماجدة الصباحي وهي تنادي رشدي أباظة "مندوح" أنهم نور عينيه، فيصدق البعض لأنه يريد أن يصدق، ويغتاظ البعض الآخر لكن ليس بالقدر الذي يدفعه لأن يحرق الأخضر واليابس.
3 سنوات، والإخوان لا يتركون فرصة في استحقاق انتخابي، أو مظاهرة لن يشاركوا فيها، أو تعليق على مقال لم يعجبهم، أو مشاركة في فاعلية هنا أو هناك، 3 سنوات، منهم عام حكمهم، وهم يوسعوننا مكايدة سياسية، موتوا بغيظكم كانت شعار المرحلة، موتوا بغيظكم في استفتاء مارس، موتوا بغيظكم في البرلمان، في مجلس الشورى، في انتخابات الرئاسة، في تشكيل الحكومة، في طرح الدستور دون توافق، في الاستفتاء على الدستور، في الإعلان الدستوري المكمل، موتوا بغيظكم في اعتصام يوليو، في مذبحة ماسبيرو، في محمد محمود، في منح طنطاوي قلادة النيل، في الثناء على الشرطة بوصفهم في القلب من ثورة يناير، في كل هذه الأحداث وغيرها الكثير، كان الخطاب الإخواني "العام" في المنتديات الاجتماعية، على المقاهي، في أشغالنا ومصالحنا، على تويتر، على الفيس بوك: إما معنا أو.. موتوا بغيظكم
لماذا لم يصمت الإخوان، ويكتفوا بتحصيل مكاسبهم دون استفزاز للناس؟، لماذا لم يتبنوا لغة أكثر تصالحية؟، لماذا لم يبتكروا صيغا أخرى للمكايدة السياسية؟!!!، لماذا لم يكتفوا بحصر خطاب المكايدة في دائرة النخب، دون الناس، رأس مالهم، وعنوان صعودهم؟!!!!، لماذا .. لماذا .. لماذا؟؟؟
ولماذا هذا الكلام الآن وقد سجنوا وشردوا وقتلوا ودفعوا الثمن أضعافا مضاعفة؟، الحق أنهم دفعوا وما زالوا، وأي كلام عن حراك ثوري من 3 يوليو الأسود حتى الآن دون إعطاءهم حقهم هو محض افتراء على الحقيقة، وكل محاولات التشكيك في النوايا، والجزم بأن حراكهم انتقامي وليس ثوري هو محض افتراءات أصحابه على الغيب والحقيقة، فلا القلوب وما بداخلها ملك لأحد سوى من خلقها، ولا حراك الشباب، خاصة في الجامعات التي يرتعد السيسي ورجاله أمام رجالها ويؤجرون عليهم مرتزقة لتركيعهم، يجوز وصفه بالحراك الانتقامي، الإخوان، وشبابهم على وجه الخصوص، يدفعون الضريبة من أموالهم، ودمائهم وأعراضهم، إلا أن هذا كله لا يخلو من تصدير الخطاب نفسه، اختلفت درجة الخطاب باختلاف المواقع، من السلطوي، إلى المقموع، المطارد، المطلوب من عصابة تحكم البلاد تحت تهديد السلاح، لكنه الخطاب نفسه، هو هو، ذلك الذي يدفع بنت من عيال الناس أن تخرج على الملأ متصدقة بعرضها إذا كان في هذا سبيلا لإغاظتهم!!!
ليس في الأمر مبالغة، والطبيعة البشرية في السياسية مبحث لا يتجاوزه سوى حديث عهد بها، والناس تحركهم مشاعرهم أكثر مما تحركهم عقولهم، وتقديراتهم المتزنة لمصالحهم، ما حدث حدث، ومن الممكن تدراكه، إلا أن الاستمرار في اتهام الناس بأنهم عبيد، وبأنهم يرقصون للسيسي، وبأنهم لا يحترمون الحرية والديموقراطية، كل هذا الكلام الفارغ وغيره الكثير، لن يغير من الحقيقة شيئا، لقد حاز الانقلاب العسكري لحظة وقوعه رضا شعبيا لأنه كان وسيلة الميتين بغيظهم أن يردوها للإخوان، تراجع البعض، وظل البعض الآخر على موقفه، غضب يزيد وينقص، شهداؤكم دفعوا بدمائهم ثمن تراجع المتراجعين، وأحياؤكم يدفعون بخطابهم كل متابع إلى مزيد من فش الغل، ولو وصل الأمر إلى ذهابها إلى السيسي في شقة، فقط لكي تموتوا بغيظكم، فمتى تنتهون، وتكونون على مستوى ما قدمه الشباب، وما زالوا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق