اللغة العربية ليست في محنة، الدليل على ذلك الجنون العنصري لليمين الفاشي في إسرائيل، كلما ازداد التحريض ضد كل ما هو عربي تنكشف حقائق النظام العنصري أبعد وأعمق.
من البداية كنت على قناعة إن اللغة العربية لا تشكل مجرد لغة رسمية ثانية في إسرائيل، إنما تشكل هوية قومية لوجود أقلية قومية لم ينجح الإرهاب الصهيوني بإلحاقها ببقية شعبها المشرد. صحيح ان إقرار اللغة العربية جاء مع "استقلال" إسرائيل وربما كان يهدف إلى إظهار الوجه الديمقراطي للدولة الجديدة من جهة، ومن جهة أخرى فرض نظام حكم عسكري امبريالي من مخلفات قوانين الانتداب الاستعماري البريطاني على الأقلية العربية، شمل كل مجالات حياتها بما في ذلك حرية التنقل والعمل.
كانت كتب التعليم تخضع لمراقبة المخابرات. مستوى النصوص لا يمتُّ بصِلة لأية فكرة إنسانية ولا أقول وطنية، ما زلت اذكر جملة في كتاب تعليم قراءة عربية: "نبت العشب على الدرج" هذا هو المستوى التعليمي الذي ساد مدارسنا وقس عليه سائر المواضيع، ضمن إرهاب المعلمين وفصل كل معلم وطني او يتجاوز الرقابة العسكرية على مواد التعليم.
في تلك السنوات كان ما يسمى "القسم العربي" (عمليا قسم الحكم العسكري) في وزارة المعارف تحت إدارة المخابرات (او "الشين بيت" بالأسم الدارج وهو اول حرفين من كلمتين عبريتين- שירות בטחון - الخدمات الأمنية) مسؤول عن تعيين المعلمين. حتى الوظائف في القطاع العام أو الخاص تحتاج إلى موافقة المخابرات أو الحكم العسكري الذي يدير الشؤون العربية.
فرض علينا حصارا ثقافيا ورقابة على المطبوعات. كانت الكتب العربية نادرة جدا، ولا يطبع كتاب إلا بعد إن يمر على الرقابة العسكرية. كانت محاولة لقطعنا عن جذور لغتنا وانتمائنا القومي. اللغة العربية رسمية شكلا.
في تلك السنوات العجاف ثقافيا لعب الحزب الشيوعي دورا تثقيفيا يحتاج إلى دراسة تقييميه خاصة. كانت صحافته نافذتنا الوحيدة على الثقافة العربية والإنسانية. ليس صدفة أن جميع الأسماء الأدبية المرموقة في ثقافتنا صلب عودها وأرست جذور ثقافتنا العربية عبر صحافة الحزب الشيوعي. بل وأميل إلى خلق اصطلاح "أدباء التيار الشيوعي" – وليس شرطا المنتمين فقط لهذا التيار أو للفكر الشيوعي- إنما القصد التيار الأدبي الذي تثقف ونما في أحضان الصحافة الشيوعية، بغياب أي صحافة وطنية، وبوجود صحيفة يومية هي صحيفة مكتب رئيس الحكومة الذي قال مستشاره (لوبراني) في تلك الأيام انه يريد تحويل العرب "الى حطابين وسقاة ماء" لذا لا ضرورة لتقييمها لأنها ما دون الصفر فيما قدمته لمجتمعنا وثقافتنا وانتمائنا الوطني وإعادة هيكلة مجتمعنا المدني. الصحافة الشيوعية لعبت بالأساس دورا وطنيا قوميا بإعادة اللحمة للبقية الباقية في وطنها وإعادة بناء المؤسسات الوطنية والعامة، ورؤيتها بالثقافة سلاحا هاما في تكوين وصيانة الشخصية القومية التي واجهت المستحيل وتجاوزته. تماما كما انتشر اصطلاح "أدباء المهجر" لتمييزهم عن سائر الأدباء، بسبب الدور الثقافي الذي ميزهم وميز جهودهم بتحديث اللغة العربية والمساهمة بإنقاذها من التتريك والتفكك.
حين اذكر ذلك إنما أسجل حقيقة ثقافية تاريخية وطنية وليس ترويجا لرؤية سياسية لحزب ما، رغم أن قناعتي ما زالت أن سياسة الحزب الشيوعي هي المؤهلة أكثر من غيرها للتعبير عن واقع الجماهير العربية ومطالبها بالمساواة في الحقوق وحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بما يضمن الحقوق القومية للشعب الفلسطيني وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة.
إذن هناك أسباب للرعب من اللغة العربية.
النظام الإسرائيلي الصهيوني في تطبيقاته السياسية يواظب على سياسة تجاهل وجود قومية عربية، أو أقلية قومية داخل الخط الأخضر (دولة إسرائيل) يقسمنا إلى طوائف وأجزاء طوائف، بل ورئيس الحكومة نتنياهو لا يلفظ تعبير "العرب" عند الحديث عن المواطنين في إسرائيل، استبدل ذلك بصيغة عنصرية "غير اليهود".. اجل هناك وباء عنصري اسمه "اليهود وغير اليهود" برع فيه بيبي نتنياهو. الصيغة الدارجة عند الحديث عن الأقلية القومية العربية هي "المسلمين، المسيحيين، الدروز والبدو" لماذا أخرجوا البدو من إطار المسلمين؟ طبعا هناك سياسة لفصلهم عن بقية شعبهم أسوة بما يجري مع أبناء الطائفة المعروفية الدرزية. في الفترة الأخيرة ينشط كاهن مسيحي لدقّ أسافين الفصل بين المسيحيين والمسلمين لكنه لن يدقّ إلا أسافين عزله واحتقاره.
ما علاقة ذلك بقانون إلغاء مكانة اللغة العربية؟
لا شيء يبدأ من الصفر. اللغة العربية باتت تقلق اليمين. الأدب العربي داخل إسرائيل لم يتطور كما خطط له بغرف المخابرات. الثقافة هي القاعدة المادية القوية التي لا تتأثر بالمتغيرات السياسية والأبرتهايد ضد أقلية قومية. لهذه الثقافة لغة خلقت أجواء من التحدي نثرا وشعرا. هذا لا يتمشّى مع فكر إنشاء وطن قومي يهودي في ارض "بلا سكان لسكان بلا أرض". الثقافة العربية الفلسطينية داخل إسرائيل ارتبطت بالأرض والدفاع عنها. حتى المصادرات لم تردع ثقافتنا من ارتباطها بأرض الوطن. إذن خرافة "سكان بلا ارض سقطت". الأرض لها هوية حتى لو صودرت ليسكنها مائير كهانا وسوائبه. الأرض لها لغتها الأم التي تقلق الإعلام الإسرائيلي الرسمي فيقوم بسرقة الأسماء وتهويدها وسرقة حتى القبور وتهويدها وتشويه التسميات العربية للأماكن لخلق وهم توراتي نقضه حتى الباحثين اليهود (راجعوا كتاب "التوراة مكشوفة على حقيقتها" لباحثان يهوديان، حيث اثبتوا بطلان أية علاقة بين قصص التوراة والحقائق التاريخية والجغرافية لأرض الميعاد- الكتاب منشور بالانترنت – صدر بالعبرية تحت اسم – בראשית ישראל).
اللغة العربية تعكس للعالم صورة مختلفة عن الواقع السياسي والاجتماعي للديمقراطية الإسرائيلية. ليس فقط في المناطق المحتلة أو شبه المحتلة أو المحاصرة، إنما تشمل أيضا الممارسات العنصرية والتمييز القومي ضد الأقلية القومية العربية داخل الحدود التي أصبحت متفق عليها بأنها لدولة إسرائيل، رغم أن القانون يفترض المساواة، بل وهناك قرارات للمحكمة العليا ترفض التمييز بكل صوره وأشكاله، لكن المؤسسة تمارس التمييز بدون رادع، اليوم وصلنا للغة العربية، بوهم ان إخراجها من تعريفها القانوني كلغة ثانية معترف بها سيغير الواقع.
من الواضح ان اللغة القومية (العربية في حالتنا) هي لغة شعب وليست لغة طوائف أو "غير يهود" حسب تعبير رئيس الحكومة.
ان مكانة اللغة العربية لا تتعلق بأي قانون عنصري. من الواضح ان وجود مجمع للغة العربية بات يثقل على ضمائرهم العنصرية، يقلّصون الميزانية المخصصة له بهدف شل نشاطاته، الان مع اقتراح قانون ابرتهايدي جديد ضد لغة الأقلية القومية العربية سيلغون مجمع اللغة العربية الذي يقوم بنشاطات تثقيفية ولغوية هامة جدا لا تتمشى مع سياسة المؤسسة العنصرية الحاكمة في إسرائيل.
هناك جانب آخر ليس أقل أهمية، اللغة العبرية ستبقى لغة محلية وليس لغة شرق أوسطية، لا فرصة أمام العبرية لتتجاوز محليتها، بينما اللغة العربية هي لغة شرق أوسطية ولها الفرص الواسعة لتصبح لغة عالمية، بل هي اليوم لغة عالمية ومحطّ اهتمام كبير في الجامعات العالمية، ليس بسبب العدد الكبير للعرب (350 مليون) إنما لقيمتها الثقافية وما شكله العرب من انجازات علمية وحضارية في التاريخ الإنساني، حتى التنوير الأوربي ينسب للمفكر العربي ابن رشد، وان لا ننسى ان اللغة العبرية عادت إلى الحياة في أحضان اللغة العربية..
فقط الولد العاق يتبرأ من والده!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق