في مقال تحليلي نشره موقع "آسيا تايمز" تحدث الباحث مونتي بالمر "Monte Palme" (أستاذ فخري في جامعة فلوريدا والمدير السابق لمركز الدراسات العربية والشرق أوسطية في الجامعة الأميركية في بيروت) عن الحرب السعودية على الإخوان انطلاقا من الأراضي المصرية.
أعلنت المملكة السعودية الحرب على جماعة الإخوان، الحركة الإسلامية ذات الشعبية الضخمة، والتي لها فروع وشركات في جميع أنحاء العالم. ولم يصنف النظام الملكي السعودي الإخوان ضمن المنظمات الإرهابية، وفقط، ولكن أيضا يراها تهديدا كبيرا أخطر حتى من تنظيم القاعدة.
ويقول الكاتب إنه ربما لم يكن أمام النظام الملكي السعودي سوى خيارات قليلة في هذا الشأن. فقد اكتسح الإخوان السلطة في مصر وتونس بعد ثورات الربيع العربي في العام 2011، وخشي النظام الملكي السعودي من أن يكون الهدف القادم. وهذا هو ثمن كونها غنية، ضعيفة، وغير راغبة في اختبار دعم الجماهير في الانتخابات أو حرية الصحافة.
وقد اختار النظام الملكي السعودي مصر كساحة معركة في حربها على جماعة الإخوان. وفي هذا يقول الكاتب إنه من الصعب مناقشة هذا الاختيار، ذلك أن جماعة الإخوان تأسست في مصر، ومرشدوها من مصر، وهي مركز العمليات العالمية لجماعة الإخوان المسلمين، ويشرف على فروع الجماعة مراقبون عامون من مناطقهم الأصلية، ولكن القرارات الرئيسية المتعلقة بالسياسات تصدر من مصر.
السعوديون يعرفون أن محاولات تدمير فروع الإخوان في المنطقة لن تكون مجدية طالما ظلت قيادة الإخوان تحكم من مصر، ذلك أن مهاجمة فروع الإخوان سيهدد استقرار الأردن والكويت وحلفاء آخرين للسعودية يتمتع الإخوان فيها بحضور راسخ، ولذلك، فإن سحق جماعة الإخوان في مصر، سيكون بفصل رأسها وسحق روحها.
ومن ثم، يقول الكاتب، فإن شظايا وغبار المعركة لن يصل إلى الخليج كما لن يلوث بهذا النظام الملكي السعودي، والذي نصب نفسه (وفقا للكاتب) حاميا للإسلام، يديه بالدماء. في الواقع، فإنه يمكن لها أن تتجنب القتال تماما عن طريق توكيل الجنرالات المصريين لخوض الحرب بالنيابة عنها.
ولم تكن شعبية الإخوان هي التي أزعجت النظام الملكي السعودي، فحسب، كما يرى الكاتب، ولكن أيضا السياسات التي تبعتها جماعة الإخوان بعد انتخابها على رأس السلطة. الإخوان، أو هكذا بدا للنظام الملكي السعودي، كانوا عازمين على استخدام الحكومة المصرية كمنبر لنشر رؤية جذابة وتقدمية وواقعية للإسلام في جميع أنحاء العالم العربي. وهذا يشكل تهديدا مباشرا لكل من المملكة السعودية والرؤية الوهابية "المتطرفة" للإسلام النقي الذي تستند إليها في شرعيتها الدينية.
ويضيف الكاتب أن أمن النظام الملكي السعودي يتطلب هيمنة الوهابية على العالم الإسلامي السني. ومع تبني الإخوان في نشر دعوتهم المزيد من الاعتدال الجذاب والبراغماتية، سوف يضعف هذا أكثر السعوديين.
وما يشكل خطرا، على وجه الخصوص، أمام السيطرة السعودية على العالم الإسلامي السني هو جهود الإخوان لتحويل الأزهر، أقدم جامعة إسلامية في العالم، لتبني رؤية الإخوان الواقعية والتقدمية للإسلام. السعوديون يسيطرون على مكة المكرمة والمدينة المنورة، أقدس البقاع الإسلامية، ولكن كان الإخوان على وشك السيطرة على الأزهر الذي يعتبر أعلى سلطة دينية في العالم الإسلامي السني. وفي الوقت نفسه، فإن قطر، المنافس الرئيس للسعودية للسيطرة على الخليج وراعي جماعة الإخوان، بدت عازمة على استخدام حكم الإخوان المسلمين لمصر لكسر الهيمنة السعودية في الخليج
وكان هذا التحرك فعالا، حيث إن صحافة المعارضة المصرية، الممولة من السعودية، شنت حملة دعائية ضد دولة قطر بدعوى أنها استولت على الأزهر. ويرى الكاتب أن الجهود القطرية لتعزيز سيطرة الإخوان على الأزهر تناغمت مع الجهود القطرية لتعزيز فروع الإخوان في الخليج والدول المجاورة. ولا تزال السعودية، حتى اليوم، تلقي اللوم على قطر لدعم رؤية الإخوان الجذابة في مساجد المملكة. وانضمت إلى قطر حكومة تركيا في محاولة لجعل مصر محور العالم العربي السني تحكمها رؤية معتدلة وواقعية للإسلام القادر على التعايش مع الغرب لصالح كلا الطرفين، وكل هذا زاد السعودية غما إلى غم. كما إن كلا من قطر وتركيا ترى أيضا في العالم الإسلامي الجديد كأساس للتصالح بين السنة والشيعة والتوفيق بينهما في صراعهما المستمر منذ قرون. وقد شكل هذا، وفقا للكاتب، تهديدا خطيرا للنظام الملكي السعودي الذي يخوض حربا مريرة باردة مع إيران الشيعية، ويمثل، بالمستوى نفسه، تهديدا للعقيدة الوهابية السعودية التي تعتبر الشيعة كفارا.
وقد شنت صحافة المعارضة المصرية الممولة من السعودية تحذيرية وتشكيكية محمومة ادعت فيها الإخوان كانوا على وشك تحويل مصر إلى أرض خصبة للتشيع. وربما استجابة لتأثير النفوذ التركي، يقول الكاتب، واصلت جماعة الإخوان إتباع إستراتيجية ديمقراطية في مصر، على نحو لافت، خلال عامها الوحيد في السلطة، حيث كانت الصحافة حرة وإن لم تكن مسؤولة، ولم تُقيد المظاهرات، وسُمح لجميع الجماعات السياسية، بما في ذلك التيارات الجهادية واليسارية المتطرفة، بإنشاء الأحزاب السياسية. وحتى أسوأ من ذلك، يقول الكاتب، أظهر الإخوان تحديهم من خلال الدعوة للحرية والديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة.
وأصبحت الديمقراطية، بشكل واضح، سلاح الإخوان لاكتساح العالم العربي، وهو السلاح الذي لم يكن السعوديون يخشون أكثر منه. ذلك أنه لو أجُريت انتخابات نزيهة واحدة، يقول الكاتب، وتمكنت مصر وتونس من تقديم دليل عملي، فإن نظام الحكم في السعودية سيصبح على هامش التاريخ. وقد التقط فروع الإخوان في الكويت والأردن الدعوة، الأمر الذي أدى إلى إرباك هاتين الديمقراطيتين الكاذبتين. في حين، وعلى النقيض من ذلك، شجعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هذه اللحظة النادرة من الحرية في مصر وحاولتا، وبتشجيع من تركيا، دفع إخوان مصر نحو مزيد من الاعتدال. على كل حال، منحت براغماتية الإخوان الغرب بديلا عن الوهابية السعودية التي أدانتها واشنطن، باعتبارها محضنا للتطرف والإرهاب. كما أدركت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضا، كما يقول الكاتب، أن الإسلام جزء عميق لا يتجزأ من النفسية العربية، حيث إنه لا يمكن أن تكون هناك حكومة مستقرة في العالم العربي دون تمثيل إسلامي. شئنا أم أبينا، يقول الكاتب، فإن فكر الإخوان الميَال نحو الاعتدال التركي كان الخيار المفضل للغرب.
فلم يُعرَض الإخوان الشرعية الإسلامية للمملكة العربية السعودية للخطر، فحسب، ولكنهم أيضا كانوا على وشك إضعاف علاقات السعودية بالولايات المتحدة، الراعي الرئيس لها. ولذا تحركت الثورة المضادة التي دعمتها السعودية للإطاحة بنظام الإخوان في مصر، ولكنها لم تفعل شيئا يذكر لتهدئة مخاوف النظام الملكي. بل على العكس من ذلك، فإن مقاومة الإخوان للانقلاب العسكري في مصر أظهرت عاطفة قوية وقدرة تنظيمية كبيرة، بما أدخل البلاد في الفوضى وألقى بظلال من الشك على قدرة نظام مبارك الذي أُعيد إحياؤه في مصر على مواصلة المسيرة. وما غذى الفوضى أن مختلف الجماعات الجهادية المعادية لجماعة الإخوان قد انضمت إلى المعركة عن طريق اغتيال ضباط وإنشاء إمارة مصغرة في سيناء وأماكن أخرى.
ومع وضع أموالهم حيث يخافون، ضخت السعودية وحلفاؤها في الخليج مليارات الدولارات في مصر على أمل أن تتمكن الدكتاتورية العسكرية من سحق الإخوان في مصر، قاعدة انطلاقهم. ووعدت بمليارات أكثر. وإذا أمكن الجيش المصري من سحق الإخوان، فإن الخطة السعودية تكون قد حققت نجاحا، وستتحول مصر إلى مركز لتحالف سعودي مصري إسرائيلي يهدف إلى إرجاع العالم العربي إلى عصر المستبدين الذي ساد قبل ثورات الربيع العربي.
وعلى طول الطريق، يقول الكاتب، سوف تعزز السلطات المصرية الاستقرار في المنطقة عن طريق قطع شرايين الحياة من الإخوان المسلمين لحماس ويُقضى على الجهاديين والملاذ الآمن للإخوان في اليمن وليبيا وغيرها من المناطق التي يمكن للجيش في مصر، الممول من السعودية، الوصول إليها. وسوف تتلاشى، بهذا، التطلعات الديمقراطية في المنطقة تتلاشى دون إلهام من مصر.
ويرى الكاتب في الأخير، أنه مع تغييب الإخوان ستعود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى دورهما التقليدي في دعم المستبدين، ويكون النظام الملكي السعودي قد أرجع المنطقة إلى عصر القمع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق