تقول الأسطورة أن الحكم عنوان الحقيقة...أما في زمان الإنقلاب العسكري في مصر فلا مكان للأساطير. فقد أنكسرت كل الأساطير علي صخور الحقائق الدامغة والدلائل الموثقة والإستنتاجات العلمية المذهلة كتلك الأسطورة السخيفة التي كانت تروج لوهم أن الطب علم وبحث علمي وتجارب معملية ونشرات دورية ..إلخ ، و لكنها سرعان ما أنكسرت في عهد "نور عيننا" علي صخرة "صباع كفتة" .لم يعد المرء بحاجة لبذل الجهد كي يبرهن أن مصر باتت بلا قضاء في زمن الانقلاب، وأن من يحدد توجهاتها هو قائد منقلب قاتل تعاونه عصابة من المستشارين. فمن قتلوا عمدا 37 نفسا في سيارة ترحيلات وأحرقوا جثثهم عيانا بيانا يحكم على أحدهم فقط ب10 سنوات في حين أنه ليس المسؤول الرئيسي عن هذه المجزرة، في وقت تلفق فيه التهم المسيسة ل 529 شريفا تتمثل في "التحريض" على العنف، ومنهم رئيس مجلس الشعب المصري المنتخب (الدكتور الكتاتني) الذي كان معتقلا سياسيا بالأساس وقت حدوث أعمال العنف تلك.. هؤلاء الشرفاء يحكم عليهم بالإعدام في غيابهم وغياب مرافعات محاميهم وغياب الإعلام فضلا عن عدم السماح لذويهم بالحضور، وذلك بعد جلسة واحدة لم تستغرق أكثر من 10 دقائق وهي جلسة افتتاحية حجزت القضية للنطق بالحكم بعدها بساعات.
أحكام الإعدام هذه برأيي تحمل رسالتين يجب الإنتباه لهما: الرسالة الأولى رسالة إرهاب ومساومة؛ إرهاب للثوار حتى يترشح السيسي في هدوء ويكمل مسلسل ترشحه الهزلي. فلم يكفه الانقلاب والقتل وتكميم الأفواه واعتقال المعارضين للانقلاب وتلفيق القضايا على خلفيات سياسية، كما لم يكفه "تفصيل" قانون للانتخابات يحمل كل ضمانات التزوير لإرادة الشعب.. لم يكفه هذا كله فراح يطلق أذرعه "الشامخة" لتكون "منصة" جديدة تخطت جريمة ضياع العدالة إلى الضلوع بعمل مادي في إزهاق الأرواح، سواءً كان هذا بالتواطؤ تارة بتخفيف الأحكام على من قتل العشرات مع سبق الإصرار والترصد ليصل الحكم إلى أقل مما يصدر ضد من يمارس حقه في التظاهر السلمي من الشباب المصري الثائر، أو بالفعل تارة أخرى حين تصدر أحكام إعدام جماعية لأكثر من 500 من المصريين من خصوم الانقلاب السياسيين بتهمة "التحريض" على العنف في حين يبرئ كل من قتل المصريين الثوار من 25يناير 2011 وإلي الآن.
أما المساومة فهي: إما أن تعترفوا بالقاتل زعيما منزها وبالمنقلب رئيسا منصبا وإما فمصيركم الموت. فالجميع دماؤه مباحة، ومن لم تطله رصاصات الغدر في الشوارع من الثوار والمتظاهرين السلميين الرافضين للانقلاب لكونه في سجون الانقلاب، فستطاله قذائف "أذرع" السيسي "الشامخة" من على "منصات" القضاء، ولا صوت يعلو فوق صوت معركة الانقلاب العسكري ومحاولات ترسيخ دعائمه التي مازالت هشة وواهنة حتى الآن بفضل هذا الصمود الأسطوري الرافض للانقلاب سواء من الرئيس المنتخب محمد مرسي هو وكل المعتقلين السياسيين معه، أو من الثوار الذين يقدمون الأرواح والدماء رخيصة في سبيل وطن حر.
أما الرسالة الثانية من هذه الأحكام فتهدف إلى استكمال محاولات سلطة الانقلاب جر الشباب الثائر للعنف والقتل، حيث لم ينجحوا حتى اﻵن في جرهم إلى هذا المستنقع الخطير والمدمر. فمازالت هناك جماعة تطلق على نفسها "أنصار بيت المقدس" هي من تعلن كل مرة مسؤوليتها عن حوادث القتل التي تقع بين حين وآخر ولم نسمع حتى الآن خبرا واحدا عن القبض على أي من أفرادها وإصدار حكم ضده بالإعدام. فبعد أن تعلن كل القوى السياسية المنخرطة في استكمال مسار الثورة إدانتها القتل والإرهاب وتعلن جماعة "أنصار بيت المقدس" مسؤوليتها عن أحداث قتل إرهابية، تفاجئنا سلطات الانقلاب بعد دقائق، ومن دون تحقيقات، بإعلان مسؤولية خصومها السياسيين السلميين المنتخبين المكملين لمسار ثورة 25 يناير عن هذه الحوادث.. وكأن هذه الحوادث الإرهابية هدية لسلطات الانقلاب لإلصاق تهم القتل والإرهاب بالثوار، ومسوغ لمزيد من القمع والقتل ومصادرة الحريات للمصريين بدافع محاربة الإرهاب. كل هذا وجماعة "بيت المقدس" حرة طليقة لا يلحقها أذى!
اللافت للنظر أن ترى شعار جماعة بيت المقدس مرفوعا في مؤتمر دعائي لمجموعة من مرتزقة السيسي "يبايعونه فيه رئيساً" ضمن مجموعة أطلقت على نفسها "القوى الوسطية"، وبرغم أن هذا الحدث تم تصويره إعلامياً ومازال موثقاً بمقاطع الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن التكتيم الإعلامي عليه من إعلام الانقلاب يثير نفس علامات الريبة والاستفهام التي يثيرها الحدث ذاته.
إيماني أن الثوار سيستوعبون هذه الرسائل، ولن يدعوا لسلطة الانقلاب الفرصة لتحقيق أهدافهم، فلن يرهبهم أو يبتزهم إرهاب الانقلاب كما فشل من قبل في تحقيق هذا من خلال كل مجازره ضد الإنسانية التي قام بها في "رابعة والنهضة ورمسيس والمنصورة وأكتوبر وستاد بورسعيد وماسبيرو ومحمد محمود ومحيط مجلس الوزراء وموقعة الجمل". كما لن ينجح إرهاب الانقلاب في إثناء الثوار عن أحد مصادر قوتهم المهمة ألا وهي سلمية ثورتهم التي يقدمون في سبيلها اليوم تلو الآخر الأرواح والدماء والمصابين.نعم سلميتنا أقوى من رصاصكم.
كما أنني أعتقد أن الانقلابيين لن يجرؤوا على تنفيذ هذه المسخرة القضائية، ليس لأنهم أصحاب عدل وحق، فهم قتلة بالأساس وأيديهم ملطخة بالدماء، ولكن لأنهم ببساطة سيواجهون بإدانات واسعة النطاق ممن يخشونهم بما قد يضعهم في بداية لطريق اللا عودة من العزلة الدولية خصوصاً بعد أن باتت انتهاكاتهم الفجة ورائحتهم الكريهة تزداد في وتيرة متصاعدة وأصبح من المحرج لأي إنسان يحمل قلبا وعقلا السكوت عنها، حتى ولو كان من قوى أيدتهم في البداية.. فالاتفاق لم يكن على هكذا فظائع وجرائم!
هذا هو نهج الثورات عبر تاريخ البشرية؛ شعب حر أبي ثائر لا يقبل الضيم ولا ينزل على رأي الفسدة، وشهداء يضحون بأرواحهم ودمائهم، ومصابون يقدمون الغالي والرخيص، ومعتقلون يضحون بحرياتهم خلف زنازين العبودية والاستبداد ومبعدون ملاحقون يخاض في أعراضهم ووطنيتهم. وفوق كل هذا إرادة الله سبحانه وتعالى التي لا تعلو فوقها إرادة بشر، وسننه عز وجل التي لا تبديل لها، فيجريها الله سبحانه وتعالى على من يؤمن به ومن لا يؤمن به. ومن سننه الكونية كما ورد بالأثر: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّ عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَخِيمَةٌ وَعَاقِبَةُ الْعَدْلِ كَرِيمَةٌ وَلِهَذَا يُرْوَى أن "اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً".
يسقط يسقط حكم العسكر ..و ثورتنا منتصرة بإذن الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق