هناك قاعدة إعلامية شهيرة تقول ان "كلبا عض رجلا" ليست خبرا، وانما الخبر هو ان "رجلا عض كلبا". والخبر اليوم ليس ان كتائب القسام جماعة ارهابية، وانما ان محكمة مصرية هى التى قضت بذلك، وليس محكمة اسرائيلية.
1) فحين تقضى محكمة القاهرة للأمور المستعجلة فى 31 يناير 2015 بأن كتائب القسام هى جماعة إرهابية، فهى تسجل سابقة لم تحدث من قبل فى تاريخ المحاكم المصرية والعربية منذ بداية المشروع الصهيونى منذ ما يزيد عن قرن من الزمان، حتى فى أشد لحظات التوتر بين الأنظمة المصرية وبين الفلسطينيين. فمحاكم السادات لم تفعلها فى عز اتفاقيات كامب ديفيد.
2) كما أن صدور حكم قضائى مصرى بهذا الشكل فى تماهى كامل مع مواقف وادعاءات وحملات العدو الصهيونى ضد الأخ والصديق الفلسطينى، يحمل إساءة بالغة لمصر كلها وليس لقضائها فقط.
3) وهو حكم متناقض مع تاريخ قضاء مجلس الدولة المشرف فى قضايا الصراع العربى الصهيونى، الذى أصدر عديد من الأحكام لصالح القضية الفلسطينية وضد اسرائيل وضد العلاقات المصرية الاسرائيلية، مثل حكمه فى قضية تصدير الغاز لاسرائيل، وحكمه الأخير بإلغاء مولد أبو حصيرة، وحكمه فى 2009 بحق قوافل الإغاثة المصرية فى الذهاب الى رفح ومناصرة الشعب الفلسطينى فى مواجهة الحصار.
4) وهو حكم متناقض أيضا مع الثوابت الوطنية المصرية والعربية، التى لا تزال تعتبر ان اسرائيل هى العدو الرئيس لمصر وللأمة العربية، وترفض الاعتراف بمشروعيتها، وترفض المعاهدات التى وقعتها بعض الأنظمة العربية معها فى كامب ديفيد واسلو ووادى عربة. وتصر على تحرير كامل التراب الفلسطينى. وبأنه واجب على كل الشعوب العربية، وان المقاومة هى رأس حربة، تقف وحدها فى الصفوف الأمامية لمواجهة آلة الحرب العسكرية الاسرائيلية للدفاع عنا الأمة كلها وليس عن فلسطين فقط. وأن دعمها بكل السبل والإمكانيات هو واجب على الجميع. وان الملاحم البطولية التى سطرتها المقاومة على مر العقود هى وسام شرف على صدر كل الشعوب العربية، ودليل على أننا أمة حية لم تمت ولن تستسلم.
5) وهو حكم معكوس، يصدر ضد أهلنا وإخوتنا فى فلسطين. وكان الأولى أن تصدر عشرات الأحكام القضائية المماثلة ضد مذابح إسرائيل وإرهابها، ضد كل هذه الاعتداءات الإجرامية التى شنتها على فلسطين ولبنان فى السنوات الماضية وآخرها عدوان الجرف الصامد، الذى أودى بحياة أكثر من 2000 شهيد فلسطينى ربعهم من الأطفال .
6) وهو حكم متجاوز حدود الاختصاص، حيث درج مجلس الدولة على الحكم بعدم الاختصاص فى كل ما يتعلق بأعمال السيادة، وهو ما حدث بالفعل فى عدد من الدعاوى التى طالبت بالغاء معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية، والتى حكم برفضها من حيث انها من الأعمال السيادية التى ليس لمجلس الدولة حق التعقيب عليها.
7) وهو حكم متجاوز ايضا من حيث عدم توفر شرط الاستعجال فى نظر مثل هذه الدعوى امام القضاء المستعجل، ولقد سبق بالفعل منذ بضعة أيام أن قضت محكمة القاهرة للامور المستعجلة برفض دعوى مماثلة بسبب عدم الاختصاص.
8) ولا يشفع للحكم، صدوره فى اجواء سياسية واعلامية محتقنة ومعبئة ضد الجريمة الارهابية فى العريش، فالقضاء يجب أن ينأى بنفسه عن أى مؤثرات سياسية أو اعلامية.
9) كما أن حملات التشهير الاعلامية الموجهة ضد كل ما هو فلسطينى، والتى لم تتوقف منذ أكثر من عام هى حملات مضللة، اذ انها تتهم أطرافا فى غزة فى الضلوع فى الأعمال الإرهابية فى سيناء مع تجاهل تام لأى إشارة لأى دور محتمل لاسرائيل فيها. رغم أنه لم يثبت أبدا تورط المقاومة الفلسطينية فى أى منها، ورغم أن بوصلة المقاومة الفلسطينية كانت الدوام فى مواجهة العدو الصهيونى فقط. ورغم ان الحدود المصرية الغزاوية لا تتعدى 14 كم، بينما حدودنا مع (اسرائيل) تزيد عن 200 كم. ورغم أن الأنفاق تم هدمها، ومعبر رفح مغلق معظم الوقت امام الفلسطينيين، بينما معبر منفذ طابا مفتوح لدخول مئات الاسرائيليين يوميا بدون تأشيرة.
10) صحيح أنه أصبح واضحا للجميع الآن، ان النظام المصرى الحالى بقيادة السيد عبد الفتاح السيسى، قد قرر أن يبحث عن بوابة الاعتراف الامريكى الاوروبى والدولى، عبر بوابة اسرائيل، وانه فى سبيل ذلك انتهج سلسلة من المواقف التى لم يجرؤ مبارك ذاته على انتهاجها، بهدم الأنفاق تحت الارض مع اغلاق المعبر فوق الأرض لإحكام الحصار على غزة، وإزالة مدينة رفح من الوجود لإقامة المنطقة العازلة التى كانت تطلبها اسرائيل منذ سنوات، ورفع درجات التنسيق الامنى معها بشكل غير مسبوق، والتصريحات المستمرة بأن السلام اصبح فى وجدان كل المصريين، وبأهمية الدفاع عن الأمن المصرى الاسرائيلى المشترك والتصدى للعدو المشترك...الخ
كل هذا صحيح، ولكن لا يجوز بأى حال من الأحوال أن يتورط القضاء بصفته سلطة مستقلة، فى أى توجهات وسياسات، للسلطة التنفيذية.
ولكن للأسف هناك من يصر على تسييس القضاء المصرى وأحكامه، ليس فقط فى ملف فلسطين، وانما فى عديد من الملفات والقضايا الداخلية الأخرى.
11) وأخيرا وليس آخرا يجب التأكيد على أن تقييم حركات التحرير والمقاومة لا يتم فى ساحات القضاء المصرية أو الاقليمية أو المحاكم الجنائية الدولية، وانما يتم فى وعى وضمائر الشعوب وفى ساحات المعارك والفداء والاستشهاد وسجون الاحتلال وقبور الشهداء.
***
وفى الختام أقول لأهلنا فى فلسطين، لا تحزنوا، فهذا الحكم لا يعبر عن الشعب المصرى، بل لقد وقع علينا جميعا كالصاعقة. ونصيحتى اليكم أن تتجاهلوه قدر الإمكان، فلقد صدر من محكمة غير مختصة، حكمها غير نهائى، وسيتم وتصحيحه باذن الله فى درجات التقاضى الأعلى.
ورغم كل حملات التحريض الإعلامية الموجهة، الا انه لم يصدر اى اتهاما رسميا ضد اى من فصائل المقاومة الفلسطينية من الجهات المعنية بهذا الملف فى مصر. وليس لنا أى مصلحة فى زيادة درجة التوتر القائمة الآن بين مصر وفلسطين، فصبرا جميلا.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق