(نيويورك) ـ إن على سلطات القضاء المصريالتحقيق في مزاعم تفيد بأن الشرطة عذبت أحد أساتذة الاقتصاد وشقيقه. وقد تم احتجاز عبد الله شحاتة، المستشار السابق بوزارة المالية، وشقيقه أسعد، منذ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
وكان أحد المحامين قد قال لـ هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الأول إن المحققين عرضوا شحاتة، الذي كان يوماً رئيس فريق التفاوض المصري مع صندوق النقد الدولي، وشقيقه، للصدمات الكهربية وغيرها من ضروب الإساءة لإرغامه على الاعتراف بحيازة السلاح وتهم أخرى تتعلق بالعنف. لم تلتفت النيابة إلى محاولات المحامي لتقديم شكوى من التعذيب، بحسب تقارير.
وقال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "إن الصمت الحكومي حيال تقارير تفيد بأن الشرطة عرضت أستاذاً جامعياً للصدمات الكهربية تظهر مدى انحراف مصر عن مسارها منذ الربيع العربي. فبينما تواجه مصر تهديدات حقيقية، ترد السلطات بأساليب من شأنها مضاعفة المظالم، فقد كانت الوحشية المتفشية للشرطة من البواعث الجزئية لانتفاضة 2011".
بعد نحو أسبوعين من اعتقال شحاتة، أدلى ناطق باسم وزارة الداخلية بتصريح مصور بالفيديو ومنشور على صفحة يوتيوب الخاصة بالوزارة، يرد فيه مقطع فيديو لشحاتة وهو يعترف بتصنيع المتفجرات وتزويد متظاهري الإخوان المسلمين بها.
وقد ظهرت تقارير عديدة عن إساءات مماثلة أثناء الاحتجاز خلال العامين الماضيين، بحسب تقرير صادر في يناير/كانون الثاني من "المجموعة المتحدة"، وهي مكتب محاماة مصري حقوقي مستقل. قال التقرير، الذي يغطي الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2013 حتى أغسطس/آب 2014، إن محاميي المجموعة المتحدة أجروا مقابلات مع 465 من الضحايا المزعومين للتعذيب وإساءة المعاملة بأيدي الشرطة، وقدموا 163 شكوى للنيابة، لم تصل منها إلى المحاكم سوى سبع. أما بقية القضايا فإن 69 منها قيد التحقيق، بينما رفضت النيابة 87 قضية، كما ورد في التقرير.
تزامن اعتقال شحاتة مع مداهمات أمنية أوسع نطاقاً لاستباق احتجاجات خططت لها الجبهة السلفية، وهي جماعة إسلامية محافظة، وأطلق عليها المنظمون اسم "ثورة الشباب المسلم" على موقع فيسبوك. وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني اعتقلت الشرطة عشرات المتظاهرين في مواجهات مع قوات الأمن يوم الجمعة، جنحت إلى العنف في حي المطرية شمال شرق القاهرة، مما أدى إلى وفاة اثنين من المدنيين وضابط جيش واحد. كما قتل اثنان من ضباط الجيش يومذاك في حوادث منفصلة لإطلاق النار في الإسكندرية والسويس، بحسب تقارير إعلامية.
وقال عزت غنيم، محامي شحاتة، لـ هيومن رايتس ووتش: "دمروا كل ما بالمنزل، وأخذوا عبد الله وزوجته وابنه المعاق ذهنياً البالغ من العمر 17 عاماً، لكنهم تركوا الزوجة والابن في الطريق إلى مقر الاحتجاز، قائلين إنهم لم يعودوا بحاجة إليهما".
كان شحاتة يقود اللجنة الاقتصادية لحزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين حتى قيام الجيش بعزل الرئيس محمد مرسي، أحد قادة الحزب، من منصبه في يوليو/تموز 2013. وقد قامت الحكومة الجديدة لاحقاً بحظر جماعة الإخوان. وينكر شحاتة وشقيقه أي صلة لهما بالمظاهرات أو بالجماعات التي تعتمد العنف، بحسب غنيم.
كما قال غنيم وبعض أقارب شحاتة إن ضباط الأمن الوطني أساءوا معاملة شحاتة وعرضوه للصدمات الكهربية هو وشقيقه لمدة 4 أيام في أحد مباني الأمن الوطني بمدينة الشيخ زايد، جنوب غرب القاهرة، قبل إحالتهما إلى نيابة أمن الدولة العليا. وقد أمرت النيابة بحبسهما على ذمة التحقيقات في تهم تتضمن الانتماء إلى جماعة إرهابية ـ هي الإخوان المسلمين ـ وحيازة أسلحة.
قال غنيم: "كانوا يريدون تصوير [شحاتة] وهو يردد اعترافات يملونها عليه .. وكلما كان يرفض كانوا يعاودون كهربته. كما عذبوا شقيقه أسعد أمام عينيه للإساءة إليه نفسياً".
التقى غنيم بشحاتة في مكتب النيابة بعد أيام من احتجازه، أثناء جلسة استجواب النيابة الأولى. لم تقم النيابة بإبلاغ غنيم مسبقاً بموعد الجلسة، فطلب من بعض زملائه إبلاغه عند قيام السلطات بإحضار شحاتة إلى مكتب النيابة.
وقال غنيم إنه شاهد آثار تعذيب ظاهرة على جسم شحاتة عند التقائهما في مكتب النيابة، وأخبره شحاتة بما حدث. وطلبا من وكيل النيابة إيداع شكوى بحق الضباط الذين عذبوه والأمر بتوقيع الكشف الطبي لإثبات التعذيب. فرد وكيل النيابة بأنه يعرف "كل شيء" مما حدث لشحاتة منذ اعتقاله، كما قال غنيم، ورفض اتخاذ أي إجراء. قامت النيابة بتجديد حبس شحاتة الاحتياطي الأصلي البالغة مدته 15 يوماً 3 مرات.
وفي 18 ديسمبر/كانون الأول ظهر شحاتة في جزء من تصريح مصور بالفيديو للواء هاني عبد اللطيف الناطق باسم وزارة الداخلية ومنشور على قناة يوتيوب الخاصة بالوزارة تحت عنوان "ضبط 102 من عناصر تنظيم الإخوان الإرهابي بعدد 5 محافظات لارتكابهم أعمالاً إرهابية". قال عبد اللطيف إن شحاتة كان عضواً في خلية للعمليات الخاصة مكونة من 9 أشخاص تم اعتقالهم في محافظة الجيزة. وكان يتكلم أثناء عرض مقطع صامت لشحاتة، وادعى أن الشرطة صادرت 150 طلقة نارية و4 زجاجات محشوة بالمتفجرات من منزل شحاتة. ثم تحدث شحاتة معترفاً بدوره في تصنيع تلك المتفجرات وتوزيعها.
قال غنيم إنه لم ير المواد المزعوم مصادرتها قط، وإنها لم تعرض في جلسة استجواب النيابة.
وقال غنيم: "كانت البنود المصادرة والتي تم عرضها في مكتب النيابة مجرد قرص صلب واسطوانتين مدمجتين واثنتين من قطع الذاكرة المحمولة، وجواز سفره فقط".
وبحسب محمد، شقيق شحاتة الأصغر، قامت السلطات باحتجاز شحاتة في زنزانة عزل مع نزيل واحد آخر في سجن العقرب مشدد الحراسة بمجمع سجون طرة في القاهرة. وقال الرجلان إنهما كانا ينامان على الأرض بدون فراش. وفي أواخر يناير/كانون الثاني نقلت السلطات شحاتة من عنبر المسجونين السياسيين إلى عنبر الجنائيين. كما حرمته السلطات من أية مساعدة طبية في التهابات بالرئة والجلد أصابته داخل السجن، بحسب غنيم. ولم تتمكن عائلته من زيارته إلا مرة واحدة لمدة 10 دقائق، مع الحديث معه عبر حاجز زجاجي. ولم تسمح لهم سلطات السجن بتوصيل أطعمة أو أغطية أو أدوية شحاتة الخاصة بعلاج ارتفاع مستوى الكولسترول. وقال محمد لـ هيومن رايتس ووتش إن شقيقه محتجز بدوره في سجن طرة، لكنه يتمتع بحق الزيارات العادية.
عاد شحاتة إلى مصر بعد الحصول على الدكتوراه من إنجلترا، وتم تعيينه أستاذاً مساعداً للاقتصاد بجامعة القاهرة. وقد خدم منذ 2007 كمستشار لوزراء المالية. وبعد ثورة 2011 أشرف شحاتة على اللجنة الاقتصادية لحزب الحرية والعدالة، كما عينه هشام قنديل، رئيس وزراء مرسي، لقيادة مباحثات مصر مع صندوق النقد الدولي.
وقال أحد زملاء شحاتة في جامعة القاهرة، متحدثاً بشرط حجب هويته، إن زملاءه حاولوا الاستعانة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، ذي الصفة شبه الحكومية، لزيارته في السجن، لكن "لا أحد [في المجلس] يستطيع التدخل".
وقد أقر الرئيس عبد الفتاح السيسي، في خطابه بتاريخ 20 يناير/كانون الثاني الذي ألقاه احتفالاً بيوم الشرطة، 25 يناير/كانون الثاني، بأن الشرطة ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان في الشهور الأخيرة، لكنه قال إن تلك الانتهاكات متوقعة في وقت مرور البلاد بـ"ظرف استثنائي". وقال السيسي: "ستكون هناك تجاوزات، لكن هل نقر التجاوز؟ لا نقرّه".
ومصر طرف في معاهدة مناهضة التعذيب إضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللذين يحظران أي شكل من أشكال التعذيب أو إساءة المعاملة ويلزمان السلطات باتخاذ إجراءات إيجابية لحماية الضحايا، عن طريق إجراء تحقيقات مدققة ومحايدة وسريعة في مزاعم التعذيب، والتقدم باتهامات جنائية حيثما استلزم الأمر.
كما أن الدستور المصري الجديد يعتبر التعذيب جريمة تستوجب العقاب كما تنص عليه المادة 52. وتمنح المادة 55 للمتهم "حق الصمت"، وتهدر أي قول يصدر عنه تحت وطأة الإكراه البدني أو النفسي. وتنص المادة 54 من الدستور المصري على أن "كل من تقيد حريته... يمكّن من الاتصال بذويه وبمحاميه فوراً... ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه".
وقال نديم حوري: "إن تعذيب المحتجزين في مصر ليس مجرد ‘تجاوز‘ أو استثناء، بل هو واحد من انتهاكات حقوقية عديدة في مناخ من الإفلات من العقاب. وعلى السيسي وضع حد لإفلات الشرطة المتفشي من العقاب، وليس الإدلاء بتصريحات الاستهجان الهزيلة، التي تعمل في واقع الأمر على تعزيز الشعور بأن الانتهاكات مبررة ويمكن التسامح معها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق