عندما يكون هذا هو المستوى السياسي لمن يقودون الحرب على الإرهاب، فليس عليك إلا أن تطلب السلامة من الله لكل نفس بريئة، ارتبط مصيرها بقائدٍ تصور له الأحلام والكرامات التي يؤمن بها، أن السماء ستمنحه استثناءً خاصاً، ليكون الرئيس الوحيد في العالم الذي يحصل من تكرار الخطايا نفسها على نتائج مختلفة، أقل دموية وفشلاً.
ليست العمليات الإرهابية الأخيرة وحدها التي أثبتت أن عبد الفتاح السيسي أصبح ورطة لمصر وشعبها، ولنفسه أيضا، فقد ثبت لكل عاقل أنه كذلك منذ مذبحة رابعة التي وقعت في ظل قيادته الفعلية لمصر، حيث أصبح بعدها جزءا من المشكلة، يستحيل عملياً أن يكون جزءاً من الحل، واستحالة ذلك لا علاقة لها بزياط الزائطين معه أو ضده، ولا بالمؤامرات الكونية المزعومة التي تجعله يخوض حرباً متخيلة مع العالم، بل لها علاقة بنموذج الحكم الذي تبناه، وأصبح مرتبطاً به في أذهان مؤيديه: نموذج (افرم يا ريس) الذي يستحيل أن يحقق استقراراً دائماً في أعقاب أربعة أعوام فقط من ثورة شعبية، اختار السيسي وأجهزته الأمنية التعامل معها، بوصفها مؤامرةً لهدم الدولة وإسقاطها، وهو اختيار يدفع ثمنه الجميع، الآن، لأن كل مسؤول لا يدرك أن اندلاع ثورة يناير كان تعبيراً عن انسداد كامل في شرايين المجتمع، وفشل شامل لدولة اللواءات والمحاسيب، يقوم، للأسف، بتوريط نفسه، قبل أن يورط المجتمع بأكمله، في قرارات خاطئة، تواصل إبعاد مصر كل يوم عن بر الأمان.
على الجانب الآخر، مهما كان الثمن فادحاً ودامياً، ليس لأي تنظيمات إرهابية في مصر مستقبل، لا داعش ولا غيرها، لسببٍ لا علاقة له بموازين القوى العسكرية، وتطورات الواقع اليومية، بل لأنها جسم غريب على تكوين المجتمع وتفكيره وطريقته في التعامل مع الحياة، وما يمنحها كل هذا التأثير في سيناء ليس سوى الغباء الإجرامي الذي تمارسه أجهزة الدولة هناك منذ عقود، والذي تطور بفضل "استراتيجية الكفتة" إلى معارك طائشة، تربي كل يوم عدواً جديداً، وتعطي للإرهاب أكثر ما يتمناه: "الحاضنة الشعبية" التي إن لم تسانده وتساعده، فهي، على الأقل، تغض الطرف عنه، أو حتى تعتبره شراً مكافئاً لشر من يقتل من دون حساب، ويظلم من دون رقيب، بزعم أنه يمتلك القانون ويحمي الدولة، وهو واقع يومي مؤسف، لن تنهيه نحنحة الخطب، بل بوادر التغيير الفوري. إن أي قراءة عاقلة لتصريحات السيسي التي أدلى بها عقب العمليات الإرهابية الأخيرة، تجعل من عدم التفكير في ما (بعد السيسي)، جريمة يرتكبها كل من يربط مستقبل مصر بشخص، أياً كان، مثلما كان عدم التفكير في ما بعد مبارك، بعد العبّارة الغارقة، جريمة ارتكبها كل من لم يروا نُذُر المستقبل الكابوسي، ولا علاقة للأمر هنا بذلك الغباء الذي يروّجه بعض أنصار جماعة الإخوان، حين يظنون أن حل مشكلة مصر يكمن في مجيء صدقي صبحي، أو أي "قائد مؤمن" غيره، ليعيد سيئ الذكر محمد مرسي إلى الحكم، لأن أي تصور يعتمد على الماضي، من أجل حل مشكلات الحاضر وصناعة المستقبل، سيكون مصيره المزيد من الفشل، والمزيد من الدماء، حتى لو كان صاحبه من أولياء الله الصالحين، أو رجلاً أوتي مفاتيح العلوم وأسرار التكنولوجيا.
تلك الرغبة المحمومة في استعادة ماضي الدولة القمعية هي التي تجعل السيسي أكبر حليف سياسي للتنظيمات الإرهابية، خصوصاً عندما تظهر قراراته، وتصريحاته المتتالية، أن لديه فهماً خاصاً لضرورة الاستفادة من أخطاء تجربة مبارك، يتلخص في ضرورة إحكام السيطرة على الإعلام، لكي لا يصدر عنه نقد حقيقي، تستفيد منه أي معارضة جادة، وتأميم أي تحرك شعبي في الشارع، ليكون في اتجاه التفويض والتصفيق فقط، وتحويل كل مفردات العمل السياسي إلى تُهَم سيئة السمعة، يعتبرها رجل الشارع خطراً على مستقبله، فيبارك قمع من يدعو إليها، حتى لو كان من العشاق السابقين لـ "سواد نور عينين" السيسي. ليس بالسيسي، ولا بأي مستبد آخر، تنجح مصر في القضاء على الإرهاب، ليس لأن الإرهاب صاحب حق، أو ذو مستقبل، بل لأن طريق الانتصار عليه لن يكون عبر حكام يكررون الماضي، أياً كانت نياتهم حسنة، أو مناماتهم مبروكة، بل سيكون فقط عبر دولة مؤسسات، تؤمن بالحرية، وتكفل الكرامة الإنسانية، وتطبق العدالة الاجتماعية، والمؤسف أن من يدفع ثمن غياب تلك الدولة، ليس السيسي، ولا غيره من القادة، بل المواطن المصري العادي، ضابطاً كان أو جندياً أو عابراً في الشارع، يبحث عن الرزق، ويسأل الله الستر والسلامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق