يشهد عضو من إدارة فريق الزمالك بأنه توجه إلى زملائه، وقال لهم عند انتهاء الشوط الأول من مباراة (الزمالك وإنبي) في ملعب الدفاع الجوي قبل أيام بأن هناك قتلى، ورغم ذلك استمرت المباراة بشكل طبيعي، استمرار المباراة رغم وجود قتلى خارج الملعب يعبر عن استهتار كبير بدماء الإنسان المصري، ليس فقط من قبل الأمن، بل من قبل أناس مدنيين ورياضيين، أي من قبل المواطن المصري نفسه، وهذا مؤشر شديد الخطورة.
الأخطر من هذا، أنه بدلا من التحقيق في الكارثة بشكل موضوعي للوصول إلى المسؤولين حقا عن الإهمال وسوء الإدارة والاستعداد، قالت جهات أمنية إنها حصلت على اعترافات من ثلاثة شبان بأنهم تلقوا مالا من شخصيات كبيرة (في إشارة للإخوان) بهدف افتعال شغب وفوضى وإرباك الأمن، و «لم تنشر أسماء هؤلاء المسؤولين حفظا لسير التحقيق» وما زالت التحقيقات مستمرة.
مرة أخرى تفوح رائحة التنصل من المسؤولية ورميها على «المؤامرة» الإخوانية.
مخيف جدا أن الأمر لم ولن يتوقف عند تدافع جمهور وإفراط باستخدام الغازات في مكان حشر فيه المئات أو الآلاف من الناس الذين منعوا من دخول الملعب!
الخطر هو في محاولة التخلص من المسؤولية في قضية بمثل هذه الخطورة بواسطة إلقائها على مشجب التآمر الذي أصبح الحل الأمثل لحل مشاكل العالم العربي الداخلية، وهذا يشمل كل مجالات الحياة.
تهمة المؤامرة حظي بها الرئيس المعزول محمد مرسي «التخابر مع حماس»، وذلك لتبرير سجنه وتشديد وتبرير الحكم ضده. كذلك صدر مؤخرا حكم آخر بتصنيف الذراع العسكرية لحركة حماس (القسام) بأنها منظمة إرهابية، وأتى هذا بعد يوم أو يومين من الهجوم الإرهابي الذي أدى لاستشهاد عشرات الجنود المصريين، في تضمين بأن للقسام يدا في هذه العملية الإرهابية، ومرة أخرى لتبرير كل قمع يمارس ضد القوى السياسية الإسلامية، وللتهرب من مواجهة المشاكل الحقيقية الداخلية وخصوصا الأمنية وأسبابها.
مما لا شك فيه أن هناك أيدي تحيك في الظلام ثوب الخراب والدمار لمصر، بغض النظر عمن يحكمها، السيسي أو مرسي، ناصري أو شيوعي، رأسمالي أو اشتراكي أو إسلامي، فليس هذا هو المقياس الذي تقاس فيه مصر.
هناك قوى لن يهدأ لها بال حتى ترى العالم العربي وظهيره الإسلامي كله قاعا صفصفا، هذه القوى تعرف أن مصر ومناعتها هي قوة لكل الأمة العربية وخصوصا لشعب فلسطين، ومصر لن تستطيع القيام بدورها الطبيعي إذا ما تخلخلت وضعفت وخربت مثل سوريا.
هذه القوى تخشى استقرار مصر، فتأخذ دورها كقوة عربية وإقليمية أولى، سواء في الحرب أو السلم، ولهذا لا تنظر إلى اللحظة الزمنية إذا ما كان هذا الرئيس معها أو ضدها، إذا كان يصدر لها الغاز أو لا يصدر، إذا كان ينسق معها أمنيا أو لا ينسق، إنما هي تنظر إلى المستقبل، إلى الغيب، فإضعاف مصر هدف استراتيجي وليس تكتيكا مؤقتا، ومن لا يقتنع فلينظر إلى وضع المنسقين الفلسطينيين أمنيا مع إسرائيل كيف يتم التعامل معهم كأعداء يجب إضعافهم وتبديدهم وحتى التخلص منهم.
المخيف أن بوادر ما حدث في سوريا بدأت تظهر في مصر، فقد أعلن فرع داعش في «ولاية سيناء» إعدامه لعشرة مصريين ذبحا، بحجة تعاملهم مع الجيش المصري وإرشاده إلى مخابئهم، وأضافوا لهم تهمة (التخابر مع إسرائيل) لتحليل الذبح أكثر على الطريقة الداعشية، وكان قد سبق هذا عمليات مشابهة إضافة للعملية الإرهابية الكبيرة قبل أسابيع قليلة.
هذه الأعمال الهمجية والاتهامات، ثم الاتهامات المضادة والفبركات، والفبركات المضادة وحرب أفلام الفيديو، تذكر ببداية الحرب الأهلية في سوريا، والنتيجة التي كانت دمارا للجميع.
هذا القلق يجب أن يزداد بعد زيارة الرئيس الروسي لمصر، الذي قدم ضمن هداياه للمشير السيسي قطعة كلاشنيكوف، هدية رمزية تقول إن البندقية هي الطريقة المثلى لحل المشاكل مهما كان نوعها.
وقد تبع إهداءه الكلاشنيكوف بيان مشترك حول «ضرورة محاربة الإرهاب»، هذا المصطلح الفضفاض والمبتذل والمثير للاشمئزاز خصوصا والعالم يعرف أن بوتين شد على يد بشار الأسد منذ بداية تدمير بلده بحجة مكافحة الإرهاب.
روسيا لا تختلف عن أمريكا في سياستها تجاه العرب والعالم، فمصالح روسيا أولا، وخصوصا بيع السلاح وهو أهم مصادر دخلها، وتحتل المكان الثاني في العالم بعد أمريكا في تصديره، أما العرب فهم أهم مستورد للسلاح في العالم من كلا الجانبين المتنافسين على هذه السوق الهائلة.
الخوف كل الخوف هو أن تتدهور الأوضاع في مصر من خلال الحلول الأمنية غير المجدية، وأن تدفع مصر أكثر بكثير مما دفعت حتى الآن.
لهذا ليس أمام الأخوة المصريين سوى الحوار وإبداع الحلول السلمية لمشاكلهم الداخلية،
فالقوة مهما كانت كبيرة وساحقة لن تحل القضايا المعقدة وخصوصا مشكلة الأمن والإرهاب، كذلك لا تحل مشكلة فساد الحكم والاستئثار بالسلطة، الحل الأمني والكلاشنيكوف ليس اللغة التي يجب التعامل بها مع شعب مصر العريق، الانفراج في العلاقة الداخلية بين المركبات السياسية للمجتمع المصري سيوفر الكثير من الدماء والدموع والآلام على المصريين والعرب.
تقول أغنية قديمة لنجاح سلام من الزمن الجميل «أخونا في العراق أخونا في اليمن، أخونا في عمان أخونا في عدن، أخونا في الجزاير أخونا في قطر أخونا بكل دار وطننا في خطر». الأمة كلها كانت وما زالت في خطر، هذا الخطر محدق الآن بمصر، ولن ينقذها سوى أبنائها بحكمتهم ومسؤوليتهم تجاه بلدهم وأنفسهم وأبنائهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق