أجرى الحوار: هاني بدر الدين
- العراق يشهد منذ عشرين شهراً ثورة شعبية انطلقت في ست محافظات
- حكومة المالكي عملت على تشويه صورة الثورة بالأكاذيب وقمعت المتظاهرين والمعتصمين فتحولت الثورة للعمل المسلح على يد عشائر المحافظات
- شبح الحرب الطائفية يطل برأسه في العراق منذ سنوات
- ميليشيات مرتبطة مع السلطات الحاكمة وراء استهداف المساجد
- "عصائب أهل الحق" أخطر الميليشيات وهي مدعومة ومسلحة ايرانيا وحكوميا، وتعد المخلب الذي تستخدمه الحكومة لتصفية خصومها وتهديد معارضيها
- فتاوى بعض المرجعيات "التحريضية" استخدمت ذريعة لإعلان ما يسمى "الجهاد الكفائي" الذي استخدم حكوميا برضا المرجعيات للتحشيد الطائفي
- الثورة العراقية لم تنته ولم تختف لأنها ليست ضد شخص المالكي وإنما ضد نظامه والعملية السياسية التي أنتجت هذا النظام
- نحذر من أية أفعال تمس أبناء الشعب العراقي على اختلاف أديانهم وإثنياتهم ومذاهبهم
- أولويتنا هي القضاء على الوضع الشاذ التي نشأ بعد الاحتلال
- دور إيران سيزداد مستقبلا بناء على التوافق مع أمريكا بعد اللقاءات السرية الأخيرة التي تمت رعايتها بينهما في أمكنة ما في المنطقة العربية
- تفاهم إيراني – أمريكي على الحل المؤقت لبعض المشكلات العالقة وفي مقدمتها موضوع الملف النووي في مقابل التعاون لمحاربة الإرهاب
- العراق يتعرض لأوضاع مشابهة لما جرى في 2006 و2007 ونشهد ترتيبا أمميا تقوده أمريكا لإعادة ترتيب الاوضاع في المنطقة انطلاقا من بغداد بعد تداعيات الربيع العربي
- الخدمات في العراق تكاد تكون معدومة والضروريات الأساسية غير متوفرة
- المخاطر المحدقة بوحدة العراق كبيرة في إطار تفاهم دولي وإقليمي على محاولة فرض خيار التقسيم كأمر واقع
- الغارات الجوية الأمريكية ضد تنظيم (الدولة الإسلامية) تفتح الباب مجددا للتدخل العسكري وإعادة انتشار قوات الاحتلال
- للأسف.. العرب لا يمكنهم أن يفعلوا شيئا لمساعدة العراق.. فالإرادة غير موجودة والقدرات غير متوفرة والنوايا مختلفة
- العبادي كالمالكي.. كلاهما نتاج حزب طائفي في إطار عملية سياسية محكومة بقواعد محاصة طائفية وعرقية مقيتة
الدكتور مثنى حارث الضاري، مسئول قسم الثقافة الإعلام في هيئة علماء المسلمين في العراق، وأحد الناشطين في الجبهة الرافضة للعملية السياسية في العراق ما بعد الاحتلال الأمريكي لبلاد الرافدين، وبعد سنوات من العملية السياسية والمقاومة ضد الاحتلال والثورة ضد نوري المالكي والميليشيات، وحكومة حيدر العبادي رئيس الوزراء الجديد، تأتي أهمية الحوار معه.. الدكتور مثنى قال في حواره مع "الأهرام العربي" أنه لا يوجد اختلاف بين العبادي والمالكي، كما أن العرب لا يستطيعون أن يساعدوا العراق، وأنه يبدو أن هناك تحالفا من دول المنطقة مع العبادي لدعمه مقابل القضاء على ما يسمى الإرهاب في العراق.
- إذا أردنا أن نقدم الصورة الحقيقة للأوضاع في العراق.. سياسيا وأمنيا واقتصاديا.. ماذا تقولون؟
ما يجري في العراق منذ عشرين شهراً هي ثورة شعبية حقيقة لتحقيق مطالب الشعب الراقي، وانطلقت في ست محافظات في وسط العراق وغربه وشرقه وشماله، وعبرت عنها جموع شعبية بلغت مئات الألوف، خرجت في تظاهرات واعتصامات سلمية للمطالبة بحقوقها، وقد وجدت هذه المطالب صداها عند كثير من العراقيين، فيما لم يستطع كثيرون ايضا التضامن معها بسبب الضغوط السياسية والأمنية التي تمارس على كثير من أجزاء الوطن، فضلا عن الدور الحكومي الذي حاول أن يبرز المطالب الجماهيرية على أنها "خدماتية" وليست مطالب بحقوق مهدورة وكرامة مهانة وأرواح مسترخصة ودماء مسفوكة لأسباب طائفية بحتة، فضلا عن عدم الاعتراف بمشروعية هذه المطالب واتهام المتظاهرين بالإرهاب أو حماية الإرهاب، وتشويه صورة الثورة بالأكاذيب والقصص المفبركة والنقول المفتعلة على مدى عام كامل، فضلاً عن الاعتداء على التظاهر والاعتصام بين الحين والآخر، وسفك دماء المعتصمين كما حدث في الفلوجة ومجزرتي مسجد سارية في ديالى والحويجة في كركوك وغيرها، وأخيراً اتخاذ كل ما تقدم كمبررات لضرب الثورة ومحاولة تصفيتها، وهذا ما حصل عندما تم استهداف ساحة التظاهرات الأكبر في الرمادي فاندلعت على إثرها الثورة المسلحة على يد عشائر المحافظة ضد نظام العملية السياسية المرعي أمريكيا، ثم انخرطت هذه العشائر مع فصائل المقاومة في إطار المجلس العسكري العام لثوار العراق.
- إذا بدأنا بعودة شبح الحرب الطائفية في العراق.. برأيكم من المسئول عنها؟ وكيف يمكن اجهاضها؟
نعم.. شبح الحرب الطائفية يطل برأسه منذ سنوات ولكنها لم تحصل في السنوات السابقة لأسباب عديدة، من أبرزها عدم توفر الأرضية المجتمعية القابلة لذلك على الرغم من السعي المحموم لأحزاب العملية السياسية الطائفية لها، وبعد انطلاق الاعتصامات والتظاهرات الشعبية في المحافظات الست؛ نهجت هذه القوى والأحزاب نهج تفعيل هذا الموضوع من جديد بحجة كون المطالب (سنية) وليست عراقية، والتشكيك بوطنية أبناء المحافظات المنتفضة، كما عملت هذه القوى في الوقت نفسه على توفير بيئة الحشد الطائفي عن طريق استفزاز هذه الجماهير الضخمة ومحاولة استخراج رد فعل طائفي منها؛ يبرر لها هذا الأمر، وعلى الرغم من ظهور بعض الاصوات هنا وهناك كرد فعل، إلا ان الأمور جرت على خلاف ما أرادت الحكومة وهذا ما اضطرها لشن حربها على المحافظات المنتفضة.. وهنا لابد لنا من بيان موضوع مهم متعلق بهذا الشأن؛ فالظلم واقع على العراقيين جميعا، وإن كان على (السنة) منهم أكثر بحكم استهدافهم طائفيا وعرقيا على خلفية موقفهم من الاحتلال وتبني خيار المقاومة؛ إلا ان هذه المظلومية الواقعية استغلت من بعضهم للتباكي على (أهل السنة) لتحقيق أهداف سياسية بحتة للأسف، كما فعل بعض السياسيين السنة (مع الأسف)، واستطاعوا في مرحلة ما أن يلبسوا على الجمهور (السني)، ولكن القضية ليست بهذا اليسر والسهولة، وفيها انواع من لفت النظر عن الموقف الحقيقي والمنطقي الذي وقفه (السنة) في غالبهم بعد الاحتلال، والى الآن لم يلامس احد من هؤلاء السياسيين هذه المطالب ملامسة حقيقة.
- استهداف السنة بالعراق وفي المساجد.. من يقف وراءه؟ وهل يمكن أن نرى تفجيرات في مراقد الشيعة؟
الاستهداف معلوم وليس مجهولا وليس جديدا، وتقف وراءه ميليشيات معروفة بأسمائها وارتباطاتها واعلانها وتفاخرها بذلك أحيانا، وهي ميليشيات تتماهى مع السلطات الحاكمة التي تغض الطرف عنها وتدعم بعضها وتوفر التسهيلات لبعضها الآخر وتدعم قسما ثالثا دعما مباشراً وكاملاً؛ لأنها تحقق لها أهدافها غير المعلنة او اهدافها غير القانونية، وردود الافعال المماثلة على هذه الافعال موجودة للأسف منذ زمن طويل، ولكن هناك فرق ظاهر بينها وبين أعمال الميليشيات؛ فالذي يستهدف المراقد (الشيعية) غير مرضي عن سلوكيته (سنيا) ويتصرف بوحي نفسه ويتم انتقاد تصرفاته بشكل علني، فيما توفر السلطات الحكومية الغطاء الشرعي للميليشيات التي تقوم باستهداف المساجد وتبرر لها اعمالها بحجة ردة الفعل كما حصل في أحداث سامراء في عام 2006 على سبيل المثال، وكما يحصل الآن في جرائم الميليشيات في كثير من المناطق العراقية، ولعل جريمة مسجد مصعب بن عمير في ديالى هي الاقرب إلينا الآن.
- كيف تصاعدت سطوة الميليشيات في العراق؟
الميليشيات لم تختف أبدا ولم تكمن، وسطوتها في تزايد، ولكن الأضواء هي التي عادت للعراق في دورة موت جديدة، وإلا فإن المعاناة التي يعانيها العراقيون من الميليشيات مستمرة، وهيمنتها على الواقع العراقي طاغية منذ عام 2006 وحتى الآن، والجديد هو ظهور تشكيلات وأنواع جديدة منها ومن ابرزها ما تسمى (عصائب أهل الحق) المنشقة عن جيش المهدي والمدعومة والمسلحة ايرانيا وحكوميا، وأصبحت المخلب الذي تستخدمه الحكومة لتصفية خصومها وتهديد معارضيها، واستعراضات هذه الميليشيا علنية في شوارع بغداد وساحاتها.
- ما صحة أن الميليشيات في العراق تلقى دعما من الحكومة ومن إيران؟
تحدثت سابقا عن بعض جوانب ذلك.. وأؤكد أن الدعم الإيراني لا يمكن إخفاؤه والعلاقات واضحة من خلال لقاءات مستمرة ومتواصلة بين الطرفين وصورها تظهر على الإعلام، فضلاً عن الإمكانات المادية الكبيرة واستخدام الإمكانات الحكومية في هذا السياق، ودفاع بعض مسئوليها عن ايران واعترافهم صراحة بولائهم لها، وماذا بعد الولاء؟! وأخيراً: فقد بدأت صور جولات (قاسم سليماني) مسؤول فيلق القدس الإيراني في العراق وإشرافه على بعض المعارك؛ تنتشر في الإعلام، ومنها معارك محافظة ديالى ومعركة (آمرلي) الآخيرة في محافظة صلاح الدين.
- لماذا كان هناك قبول كبير برحيل المالكي من رئاسة الوزراء رغم محاولاته المستميتة للبقاء في سدة الحكم؟
القبول والترحاب كبير ومن جهات وبحيثيات مختلفة؛ بسبب المضار التي خلفها والسياسيات الاستئصالية التي قام بها والإحراج الذي سببه لرعاته الأمريكان والإيرانيين، والمأزق الذي وضع فيه عمليتهم السياسية، حتى أوشكت على الانهيار.
- كيف تنظرون لفتاوى بعض المرجعيات لدى الشيعة التي اعتبرت أنها تحريض على الوضع الطائفي؟
هي فتاوى تحريضية مضموناً وشكلاً، ومقدمات ونتائج وتداعيات، ولا يمكن وصفها بغير ذلك، واستخدمت ذريعة الإرهاب لإعلان ما يسمى الجهاد الكفائي الذي استخدم حكوميا برضا المرجعيات للتحشيد الطائفي.
- ثورة العشائر على المالكي وحكومته.. إلى أين وصلت؟ وهل اختفت وانتهت بتغييره؟
هذه الثورة صفحة من صفحات حركة تحرير قامت بعد الاحتلال مباشرة، كان الفصل الاول منها المقاومة المعروفة التي أسهمت بشكل كبير بل استطاعت أن تجبر قوات الاحتلال بغض النظر عن الطريقة التي خرجوا بها والإخراج الذي جرى فيها، بعد ذلك تعرفون المؤامرة الكبيرة التي جرت على المقاومة في عام 2006 و2007 من خلال ما يسمى بـ"الصحوات"، ثم تجدد الامل عند العراقيين من خلال العمل السياسي السلمي الذي كان يحضّر للثورة مع بقاء المقاومة وجزء كبير من المقاومة لم يلق سلاحه كما يشاع بأن المقاومة انتهت في عام 2007 وأن المقاومة انتهت بخروج المحتل عام 2011 وما الى ذلك، وطبعا هي ضعفت وهذا واقع ونقر به، ولكن كان السبب المباشر في ذلك هو كون عدو المقاومة في وقتها وحتى الآن؛ هو (الولايات المتحدة الأمريكية) مدعومة بتحالف دولي كبير، وتعاون إقليمي معلوم، فضلا عن ذلك استخدمت أيادي عراقية للأسف لمحاولة اجهاض المقاومة بحجة مقاتلة ما يدعى بالإرهاب.
وهذا ما ينقضه الواقع بحكم كون المقاومة العراقية حركة تحرير وليست حركة عنف ورد فعل طارئ وقد استطاعت أن تستمر وتعود من جديد، مستفيدة من استطاعت الحاضنة الشعبية لها إعادة بناء نفسها بفضل الانتفاضات المتعاقبة منذ منتصف عام 2010 وحتى الثورة الشعبية في نهاية عام 2012، حيث بدأ الحراك السلمي العراقي في منتصف عام 2010 وهذه المرة من جنوب العراق فيما عرف في وقتها بـ"ثورة الكهرباء" في البصرة، وفي 25 فبراير/ شباط 2011 انطلقت الانتفاضة العراقية بشكلها الأول الذي استمر تسعة أشهر، واستطاع ان يحقق نتائج كبيرة من أبرزها اثبات فشل العملية السياسية، ثم أخيرا جاءت التظاهرات والاعتصامات الضخمة في المحافظات العراقية طيلة عام 2013 التي استطاعت أن تعيد بناء الحاضنة الشعبية، وإعادة خيار المقاومة الى الساحة، وانتهت هذه التظاهرات بعد بدء المالكي معركته ضد ساحات الاعتصام وهجومه على ساحة العزة والكرامة في الرمادي بتاريخ 30 ديسمبر 2013، وخلاصة ما تقدم: أن الثورة لم تنته ولم تختف؛ لأنها ليست ضد شخص المالكي وإنما ضد نظامه والعملية السياسية التي انتجت هذا النظام.
- كيف تنظرون للوضع في شمال العراق في ظل محاولات الاكراد للاستقلال؟
الأوضاع في الشمال بدأت بالعودة إلى ما كانت عليه من تطبيع مع حكومة بغداد ومشاركة في أعمال الحكومة، بعد قطيعة استمرت قرابة العام، أما محاولات الاستقلال فليست جديدة وهي مطروحة منذ مدة طويلة، وتطوراتها مرهونة بالتطور العام للأحدث في العراق، والجديد هو امتداد النفوذ الإيراني إلى باقي مناطق كردستان بعد أن كان قاصرا على محافظة السليمانية.
- سمعنا وشاهدنا جرائم شنيعة ارتكبتها "داعش" سواء ضد غير المسلمين (المسيحيين وغيرهم) أو حتى ضد بعض المسلمين.. ما موقفكم من داعش؟
موقفنا واضح وصريح ومعلن في هذا الصدد، وتضمنته بيانات وتصريحات صحفية وحوارات اعلامية، وفيما يخص موضوع الأقليات قال بيان للهيئة في الشهر الماضي: إن جميع فئات وأعراق وأطياف المجتمع العراقي هم أبناء أصلاء للعراق وركيزة أساسية اجتماعية وسياسية في بنائه وتشكيل خارطته، ونموذج للتعايش المجتمعي السلمي، الذي يفتخر به أبناء العراق عبر تاريخهم الطويل، وليس من أهداف الثورة استهداف أي من هذه الركائز، وإن أي صراع في هذه المناطق سيولد مشاكل كبيرة نحن في غنى عنها، ويؤدي إلى تأزيم الأمور في هذه المناطق التي تحتضن أعداداً كبيرة من النازحين من وسط العراق وغربه وشرقه فضلاً عن النازحين من مدينة الموصل وأطرافها، وإننا في هيئة علماء المسلمين؛ ندعو الجميع إلى ضبط النفس وعدم الانجرار وراء ثغرات من شأنها إضاعة حقوق الشعب العراقي الثائر، وخدمة أهداف طارئة تفضي إلى تمزيق الشعب العراقي أوصالا، ونحذر من أية أفعال تمس أبناء الشعب على اختلاف أديانهم وإثنياتهم ومذاهبهم.
- هل الاولوية للمقاومة حاليا هي الخلاص من ارهاب داعش أم من قمع الحكومة؟
الأولوية هي القضاء على الوضع الشاذ التي نشأ بعد الاحتلال وتسبب في ظهور كل الظواهر التابعة والتداعيات الخطيرة على وحدة العراق شعبا وأرضا وهوية وتاريخا ومقدرات، وهو وضع لا يريد الاحتلال الامريكي المستمر والمتجدد ولا النظام الاقليمي في المنطقة للعراق أن يتخلص منه، وما يجري في العراق الآن هو اعادة انتاج لأوضاع مررنا بها سابقا ولاسيما في عامي 2006 و2007 وهو حاجة ضرورية لإنجاح سيناريو أمريكي مطروح الآن بقوة يتمثل في تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة لإعادة ترتيب الاوضاع في المنطقة انطلاقا من العراق بعد تداعيات الربيع العربي، وتستخدم من اجله كل الوسائل الممكنة ومنها اثارة موضوع الإرهاب لتحشيد الدعم الدولي في حلف جديد شبيه بالحلف الذي قام بغزو العراق في عام 2003 وان كان بشكل آخر وبطريقة هادئة وبذرائع أكثر احكاما وأدق إعدادا.
- كان البعض يتهم هيئة علماء المسلمين بالإرهاب.. وهي التهمة التي توجه حاليا لداعش.. كيف ترون وضعكم بين ممارسات داعش وبين قمع الحكومة ورفضكم للعملية السياسية؟
كانوا ومازالوا يتهموننا، وكانت الطريقة التي تستخدم مع القوى المناهضة للاحتلال واضحة؛ حيث دأبت العديد من الدول والمنظمات الدولية على الاهتمام بوجهة الهيئة وغيرها من القوى المناهضة للاحتلال في محاولة لإضفاء الشرعية على الأوضاع الشاذة في العراق، ولما يئسوا من هذا ورأوا اصرار القوى المناهضة للاحتلال على تبني خيار رفض العملية السياسية؛ بدأت تهمة الإرهاب، وهنا اذكر بأننا اتهمنا منذ الأيام الأولى بعد ثلاثة أشهر من الاحتلال بأننا أيتام النظام السابق، ثم اتهمنا بأننا ندعم الإرهاب، ثم اتهمنا بعد ذلك بالإرهاب ووضعنا على القوائم الدولية وتوبعنا ولوحقنا واغتيل كثير من أعضاء الهيئة والقوى المناهضة للاحتلال ووضعت علينا محددات ومقيدات في كثير من الدول. وعليه فوضعنا صعب حيث نوضع دائما بين المتناقضات ويراد منا ان نختار بينها، مع أن خيارنا مستقل ومبني على تحقيق مصالح عامة وليست خاصة، ومن هنا توجه لنا الاتهامات وتمارس علينا الضغوط من كثير من الأطراف والجهات التي تنهج مناهج خاصة ورؤى أحادية.
- هناك اتجاه لدى دول الخليج بمساندة الحكومة العراقية الجديدة ضد داعش.. ما رأيكم؟
نعم هذا موجود وملاحظ، ويبدو ان هذا الاتجاه هو محاولة للتطبيع مع الوضع القائم في العراق بحجة الوقوف أمام الارهاب والقبول بالأمر الواقع والتعايش مع النفوذ الإيراني، بناءً على رؤية غير واقعية تقوم على أساس تحقيق وضع أفضل لأهل السنة في إطار العملية السياسية (وكأنك يابو زيد ما غزيت ولا رحت ولا جيت).
- هل ما زالت إيران تسيطر إلى حد كبير على الاوضاع السياسية والميدانية بالعراق؟ وكيف يمكن إنهاء ذلك ليكون القرار بيد العراقيين؟
نعم وهذا واقع لا مجال لإنكاره ويكابر من يقول غير ذلك، وهو سيزداد في المرحلة المقبلة بناء على التوافق مع أمريكا وتقاسم الأدوار بحسب اللقاءات السرية الأخيرة التي تمت رعايتها في أمكنة ما في المنطقة العربية، وتم بموجبها التفاهم على بعض الملفات العالقة بين الطرفين، وفي مقدمتها موضوع الملف النووي في مقابل التعاون لمحاربة تنظيم (الدولة الإسلامية)، وأسفر ذلك عن تعاون أمني وعسكري تمثل في مشاركة قوات إيرانية في معارك أربيل وديالى، وتقديم الدعم التسليحي للبيشمركة على سبيل المثال بموافقة بغداد.
- في ظل تدني أوضاع المعيشة وضعف الخدمات.. كيف يمكن إعادة بناء العراق من جديد رغم الخلافات السياسية والتدهور الامني؟
الخدمات في العراق ليست ضعيفة وإنما تكاد تكون معدومة في كثير من مناطقه، والضروريات الأساسية غير متوفرة فضلاً عن الانهيار في النظام المعيشي في العراق، نحن نتحدث عن مستويات تحت خط الفقر وانعدام المقومات الأساسية للعيش من غذاء ومستلزمات طبية وصحية، فضلا عن الجوانب الأخرى كالتعليم والأمن وأوضاع المرأة والطفل والبيئة، فإذن العملية هي إعادة بناء حقيقية وجذرية، وهو ما لا تستطيع حكومات العملية السياسية أن تقوم به؛ لأنها حكومات وظيفية تحقق أغراضا خاصة بالقوى المشكلة لها، بعيداً عن النظرة الكلية الاصلاحية تجاه الشعب العراقي وما يعانيه.
- هل ما زال من الممكن بقاء العراق موحدا.. أم اننا بصدد تقسيم وشيك للغاية لبلاد الرافدين؟
نعم ممكن، وإن كانت المخاطر المحدقة بوحدة العراق كبيرة في إطار محاولات حثيثة لتفاهم دولي وإقليمي على فرض خيار التقسيم كأمر واقع، وحصر مشكلة ما يدعى بالإرهاب في ما يدعونه (الإقليم السني).
- كيف ترون الغارات التي تشنها أمريكا على مواقع داعش.. وكيف تنظرون للدور الامريكي حاليا في العراق؟
رأينا في هذا الشأن عبرنا عنه بالنقد الشديد وقلنا "للأسف الشديد فإن هناك من يتصرف في هذا البلد العريق الذي يقطنه أكثر من ثلاثين مليون نسمة تصرف المالك أو الوصي، غير مفكر بالعواقب؛ ومن ثم وقع المحظور، واستجدت مشكلات كبيرة، سيدفع الجميع ثمنها وفي مقدمة ذلك القرار الأمريكي المدان بشدة على كل الأحوال بتوجيه ضربات جوية، تحت ذريعة مساعدة العراقيين وحماية الأقليات، وهذا تطور خطير وبداية لمتغيرات سيئة، وباب لتدخل عسكري وإعادة انتشار جديد لقوات الاحتلال الأمريكي وفق اتفاقية الإذعان المعروفة، ومع أننا متضامنون مع كل الأبرياء من كل الطوائف والأعراق والإثنيات الذين تضرروا بسبب المعارك في شمال عراقنا الحبيب؛ إلا أننا نرى في هذا التدخل الأجنبي مصيرا قاتماً، وفوضى جديدة سيتم إدخال المنطقة في أنفاقها المظلمة، وسيعطي الذرائع من جديد لتدخلات الدول الإقليمية وفي مقدمتها إيران، وهذا كله سيعزز من جديد نزعات التطرف، والاندفاع بغرائز الثأر والانتقام، مما سيزيد المشهد العراقي تعقيداً، ومصير العراقيين جهالة وضبابية، ولن يعدم المجتمع الدولي ـ لو كان جادا في الحفاظ على الأقليات ـ من وسائل أخرى تحقق له هذه الغاية دون التورط في إشعال المنطقة من جديد".
- ماذا يمكن ان يفعله العرب للحفاظ على وحدة العراق وانهاء حالة الفوضى والتردي الأمني به؟ وكذلك القضاء على الارهاب؟
للأسف.. لا يمكن أن يفعلوا شيئا، فالإرادة غير موجودة والقدرات غير متوفرة، والنوايا مختلفة، والخلافات تحكم الموقف العام للنظام العربي الرسمي، ووجهة نظر التخلي عن المسؤولية هي الطاغية، لا وجهة نظر الحرص على حسم الأمور كما ينبغي لها ان تحسم.
- كيف ترى مستقبل العراق في ظل حيدر العبادي رئيس الوزراء الجديد؟
مستقبله كماضيه حيث لم يحدث ما يدعو للتفاؤل والاستبشار فالقادم مثل الراحل - هذا إذا رحل فعلاً- فكلاهما نتاج حزب طائفي في إطار عملية سياسية محكومة بقواعد محاصة طائفية وعرقية مقيتة، والرعاة هم أنفسهم، فمن أين للعراقيين من أمل في مستقبل جديد، والأشكال تتغير والمضمون واحد والعناوين تتبدل والمغزى والمخرج واحد وهو نتيجة لمدخل معلوم بطلانه منذ أول يوم للاحتلال.
- كيف تقيم اداء حكومة المالكي ودوره في الاوضاع الحالية بالعراق؟
تقييم آداء حكومة المالكي في مرحلتيها وعلى مدى ثماني سنوات؛ يظهر من نتائج ما وصل إليه العراق الآن ولا أظن عاقلا منصفاً ينكر مدى الهاوية التي وصلنا إليها بفضل هذا (الأداء)، أما العقلاء غير المنصفون فهم كثر ولكل موقف تبرير ولكل مصيبة عندهم تخريج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق