في خطابه بتاريخ 28 مايو في ويست بوينت, شدد أوباما على الحاجة إلى "التفكير في العواقب" عند الدخول في الحرب. هذا المبدأ جدير بالثناء, ولكن لا يبدو أنه اعتمد عليه في الاستراتيجية التي كشف عنها على شاشة التلفاز في 10 سبتمبر, التي كانت تهدف إلى "إضعاف وتدمير" الدولة الإسلامية المعروفة باسم داعش.
كان هناك في الواقع سؤال مهم واحد كان ينبغي تقديم إجابة عليه, ولكن لم يتم التعامل معه في ذلك الخطاب, وهذا السؤال هو: كيف يمكن منع إيران –وبالتالي حليفها السوري؛ نظام الأسد- من الاستفادة من مواجهة داعش.
هذا اللغز الاستراتيجي لا يجب التعامل معه باستخفاف. تعتبر داعش عدوا لمحور إيران- سوريا, وإضعافها سوف يصب في النهاية لصالح هذا المحور ما لم يتخذ إجراء مقابل لمنع وقوع مثل هذه النتيجة في النهاية.
صحيح أن الرئيس أوباما أعلن أن الولايات المتحدة سوف توسع نطاق دعمها للمتمردين السوريين, وهي خطوة يتوقع أن تعيق نظام الأسد. بالنظر إلى توازن القوى الحالي على أرض المعركة في سوريا, فإنه من غير المحتمل أن مثل هذا الدعم يمكن أن يكون كافيا لمنع النظام السوري من الاستفادة من تدمير داعش على يد الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك, لم يذكر الرئيس أوباما في خطابه المتلفز كيف ينوي المضي قدما في منع الميليشيات الشيعية الموالية لإيران والتي تعمل في العراق من تشديد قبضتها على أرض المعركة في العراق في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة داعش.
الأمر الأكثر إثارة للقلق, هو الاحتمال الكبير بأن يستغل ملالي طهران الفرصة التي يقدمها التركيز الدولي الحالي على تهديد داعش واستخدامها خلسة لتعزيز نيتهم القوية في المضي قدما في برنامج التسليح النووي.
الحكمة التقليدية في واشنطن – والتي شهدت تقبلا واستجابة من الرئيس أوباما- تميل إلى تغذية توقعات الملالي. في الواقع أصبح من المألوف الدعوة إلى استيعاب مصالح إيران وذلك لضمان الحصول على دعمها في القتال ضد داعش. هناك أصوات متفرقة فقط تحذر من التعامل مع إيران كشريك في هذا المسعى.
الرئيس أوباما لم ينأ بنفسه لا في الخطاب المتلفز ولا في أي مكان آخر عن هذا المزاج الحالي السائد في واشنطن.
أيا كان الأمر, إظهار التساهل تجاه نظام إيران سوف يكون كلاما زائدا ومضللا.
كلاما زائدا, لأن إيران ليست بحاجة لأن نستميلها لكي تقاتل داعش. هذه الجماعة السنية الإرهابية تشكل خطرا وجوديا على إيران نفسها التي يهيمن عليها الشيعة. ولهذا, فإن إيران سوف تقوم بكل ما في وسعها لقتال داعش بأي حال من الأحوال, مع وجود أو دون وجود التقارب مع أمريكا.
ومضلل, لأن الخطر الذي تمثله داعش لا يجب أن يلفت الانتباه عن حقيقة أن محور إيران- سوريا ليس أقل خطرا على السلام والأمن العالميين.
بصورة طبيعية, فإن ملالي إيران لديهم إحساس أنهم لاعبون لا يمكن لواشنطن الاستغناء عنهم في قتال داعش, ولهذا يشعرون بأن في وسعهم المماطلة في المفاوضات الدولية على برنامجهم النووي.
وبالتالي, وكما حدث مؤخرا في شهر أغسطس, رفضت إيران دخول مفتشي الأمم المتحدة إلى قاعدة بارشين العسكرية – مع أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية, يوكيا أمانو, أعلن أن الوصول إلى هذا الموقع ضروري لتقييم الطبيعة الحقيقية ونوايا البرنامج النووي الإيراني.
المخاطر عالية جدا. وكما أشار الكاتب زاكري غولدفاري في صحيفة واشنطن بوست, أنه سواء استطاعت إيران الحصول على السلاح النووي أو لا فإن هذا الأمر سوف يكون القضية الرئيسة في إرث الإدارة في مجال السياسة الخارجية.
هذا لا يعني أن على الولايات المتحد أن تخفف من شدة هجمتها ضد داعش. ما نسعى إلى قوله هنا هو أن الاستراتيجية المضادة لداعش يجب أن تكون مترافقة مع موقف أشد في مواجهة كل من طهران والنظام السوري.
يمكن للولايات المتحدى تحقيق هذه الهدف المزدوج – تدمير داعش والقضاء على محور إيرن- سوريا- من خلال ثلاثة وسائل مترابطة.
الوسيلة الأولى هي زيادة الضغط على إيران في مفاوضات البرنامج النووي – وإعادة فرض العقوبات إن لزم الأمر- والإيضاح لطهران أن وقت المراوغة انتهى.
الوسيلة الثانية هي عدم قصف منشآت داعش في سوريا فقط بل ومنشآت بشار الأسد أيضا. والأمر بوضوح هنا هو ضرب كل من داعش والأسد, كما دعا الكاتب المتخصص في السياسة الخارجية مايكل ويس.
وأخير وليس آخرا, يمكن للولايات المتحدة أن تختار أهدافا عسكرية وقصف داعش في المناطق التي تحارب فيها هذه الجماعة الإرهابية ضد البشمركة والجيش العراقي, إضافة إلى مواقع استراتيجية في سوريا (حيث توجد قيادة داعش), وفي نفس الوقت ترك الميدان حرا لكي تقوم داعش بتوجيه سلاحها ضد قوات الأسد والميليشيات الموالية لإيران.
بعبارة أوضح, دفع داعش ونظام الأسد لقتال بعضهم البعض.
في واقع الأمر, فإن دفع الأعداء لقتال بعضهم البعض هو الطريقة التي اعتمدها النظام السوري ليحافظ على بقائه. يقال إن هذا النظام اتخذ قرارا بإخلاء سبيل بعض الجهاديين, وترك داعش تحقق عددا من المكاسب, وبالتالي تمكينهم من قتال المعتدلين, الذين يحظون بدعم غربي.
وكما ورد في صحيفة وول ستريت جورنال, فإن السفير السوري في لبنان, علي عبد الكريم قال متفاخرا :" عندما تتصارع هذه الجماعات, فإن المستفيد هنا هو الحكومة السورية. وعندما يكون لديك الكثير من الأعداء يتقاتلو مع بعضهم البعض, فإن عليك أن تستفيد من ذلك. وفي هذه الحالة عليك أن تتراجع وترى من هو المنتصر وتقوم بالإجهاز عليه".
من خلال اختيار مناطق استهداف الضربات الجوية ضد موقع داعش, فإن بإمكان الولايات المتحدة أن تلعب نفس اللعبة التي يمارسها نظام الأسد للتشبث بالسلطة.
لن يتم حرمان إيران من البطاقات الاحتياطية التي تملكها. فهناك ميليشيا فيلق بدر التي ساهمت في طرد داعش من مدينة أميرلي الاستراتيجية والتي ربما تكون ذات فائدة مرة أخرى في أي عمل عسكري مدعوم أمريكيا ضد داعش. ولكن مسار العمل المقترح في هذه الورقة لن يمنع الميليشيات الموالية لإيران من المضي قدما في حربهم ضد داعش. على العكس من ذلك, فإنها سوف تجبرهم على القيام بذلك من أحل ضمان بقائهم.
هناك الكثير من العواقب الاستراتيجية سوف تتجسد هنا. ولكن للأسف, خطاب الرئيس أوباما المتلفز لم يجب على عدد من الأسئلة الحاسمة في هذا الصدد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق