منذ دخلوا صنعاء وحتى كتابة هذا المقال لم أجد أحداً يرحب بأنصار الله ، بل معظم الأراء تتوجس خيفة منهم او على أكثر تقدير هناك سكوت وصمت في انتظار ما ستتمخض عنه الأحداث وبعضهم ما زال تحت تأثير الصدمة لسرعة الحدث وغير قادر على استيعاب ما جرى، وقلة تتنبأ ببوادر حرب أهلية بدون تحديد هوية من سيحارب من.
لهذا اسمحوا لي ان ارحب بأنصار الله في صنعاء بخاصة وفي اليمن بعامة . ولكل هؤلاء الخائفين والمتوجسين والمنتظرين أقول:
أيها السادة بلغ السيل الزبى في اليمن السعيد الذي أصبح تعيساً بسبب هؤلاء الذين يتربعون على السلطة وهؤلاء المتكالبين عليها والدائرين حولها.
لننظر ونتأمل في الأرقام التالية، وهي أرقام الأمم المتحدة:
عدد سكان اليمن 23 مليون نسمة.
تبلغ نسبة البطالة 35% من عدد السكان، أي 8 ملايين عاطل عن العمل .
يترتب على نسبة البطالة العالية هذه أن 31% من عدد السكان يفتقرون الى الأمن الغذائي أي انهم يأكلون وجبة واحدة وعلى أقصى تقدير وجبتين من الفاصوليا والخبز.
وهناك 12% من عدد السكان يفتقرون الى الأمن الغذائي ، وهذا تعبير لطيف وخادع عن الجوع المزمن.
ويعني هذا أن 3 مليون نسمة يأكلون من المزابل أو حتى ورق الشجر أو حبة تمر أو ما تجود به نفوس الأغنياء وكرمهم.
ولا شك أن الجوع هو الذي يعزز سطوة شيوخ القبائل على أفراد القبيلة فهم الذين يستطيعون تأمين بعض الطعام لأفراد القبيلة الذين لا يجدونه ، ولكن في مناطق تهامة وهي الساحل الغربي لليمن ومناطق الساحل الجنوبي ابتداءً من عدن وحتى حضرموت حيث تقل سطوة القبيلة فإن هناك جوعاً حقيقياً.
تحجرت قلوب الطبقة الحاكمة وكان همها الوحيد تجميع الأموال بشراهة منقطعة النظير.
قامت ثورة الشباب في فبراير 2011 واستمرت عاماً كاملاً بسلمية تامة في بلد مدجج بالسلاح.
أعمل فيهم النظام تقتيلاً وتنكيلاً واستشهد كثير من خيرة شباب اليمن ولكن في نهاية المطاف تم إزاحة رأس النظام واستلم السلطة نائب الرئيس وتم تعيين باسندوة رئيساً للوزراء الذي شكل وزارة من أحزاب اللقاء المشترك وغيرهم.
مرت قرابة ثلاثين شهراً على الحكم الجديد وفي جردة حساب بسيطة للإنجازات التي قدمتها الحكومة نجد انها صفر كبير بل بالعكس مع رفع أسعار المشتقات النفطية نجد ان النتيجة سلبية.
أما السبب في ذلك فهو بسيط انهم لم يؤمنوا بالثورة التي سلمتهم السلطة ولم يحاولوا فهم أهدافها في التغيير رغم ان شباب اليمن قد بحت أصواتهم في ساحات التغيير.
وأثبتت المعارضة أنها الوجه الآخر للعملة الرديئة التي حكمت اليمن منذ زمن طويل.
مما لا شك فيه أن هناك شخصيات وطنية ونظيفة في المعارضة اليمنية ولكن القالب العام حكمه (العمل كالمعتاد) او بالتعبير الانكليزي
Business as usual
يعد اليمن في قائمة أكثر الدول فساداً في العالم ، فساد ينخر في كل أجهزة الدولة والمجتمع بحيث لا يمكن إصلاحه الا بهدم الدولة كلها وبناء دولة جديدة بوجوه شريفة ونظيفة لم تدخل في معمعة الصراع على المال والسلطة والنفوذ ، وأول خطوة في تحقيق هذا الهدف هو تجريد الدولة من قوتها وتحطيم هذه الأجهزة الأمنية التي خدمت بكفاءة النظام القديم ولم تكن أبداً في خدمة شعبها.
وهذا ما فعله أنصار الله الذين تم اتهامهم بانهم سرقوا دبابات الجيش اليمني وأسلحته ، وبالطبع لا أتوقع رؤيتها معروضة للبيع في سوق صعدة ، ولكنها منعت اي صراع مستقبلي سيستخدم فيها الجيش كأداة صراع.
وهذه أحسن خطوة قام بها أنصار الله فقد جنبوا اليمن حرباً أهلية دامية في المستقبل.
وربما من الضرورة هنا استذكار ما حدث بعد ثورة 25 يناير في مصر .
بعد الصدمة الاولى وانهيار قوات الأمن المركزي ثم حبس قيادات الداخلية، بقي جسم الأمن المركزي والذي يبلغ تعداده مليون ونصف المليون من الجنود متماسكاً يبحث عن قيادة جديدة وسرعان ما وجدها وتم استعماله بكفاءة في المهمة التي يتقنها قمع الجماهير وثورتها واصطياد قياداتها واحداً بعد الآخر، حتى وصلنا الى الوضع الحالي وهو انتصار الثورة المضادة.
كان عبدالملك الحوثي واضحاً في خططه وأهدافه فالتحالف مع الحراك الجنوبي أساس هام في بناء اليمن الجديد على اسس ديمقراطية بحيث لا يشعر أهل الجنوب انهم مستعمرون كما كان الوضع أيام النظام السابق.
ثم محاربة الفساد، مصيبة اليمن الكبرى.
وقد بشر أعداء اليمن بحرب أهلية فيها نتيجة استيلاء أنصار الله على السلطة ، سيصابون بخيبة أمل شديدة، زيود وشوافع اليمن هم جسم واحد.
لم يحدث أبداً في تاريخ اليمن اي صراع على أساس مذهبي ولن يحدث مستقبلاً إذ لا وجود لمقومات له. عاشت بكيل وحاشد في شمال اليمن جنباً الى جنب دائماً. وما يحدث الآن من وجود للقاعدة وأخواتها انما يُسأل عنه مموليهم ومشغليهم وبعضهم هرب الى أصدقائه وحلفائه في الرياض.
وربما من الضروري الآن تحذير النظام السعودي من مغبة استعمال سلاح الإرهاب وتذكيرهم بمعركة جبل الدخان وأن الطريق الى عسير مفتوحة دائماً.
من أغرب التشنيعات على أنصار الله ما يقال انهم في حلف مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. فهل يستقيم الأمر بعد أن خاض ضدهم ست حروب وقتل منهم الكثير.
ومن التشنيعات أيضاً أنهم سيعيدون حكم الإمامة.
تقع على عاتق الحكم الجديد مهام كبرى من أهمها تشغيل العاطلين عن العمل وذلك بإنشاء مشاريع كبرى مثل بناء السدود والطرق والجسور. ففي مجال بناء السدود مثلاً هناك خمسة سدود كبرى ومئات السدود الصغيرة لتجميع المياة التي تضيع هدراً ومثل هذه السدود يمكن ان تحول اليمن الى جنة كبرى في الجزيرة العربية.
كما ان تجار اليمن والصناعيين فيها قادرون على إنشاء المشاريع التي كان الفساد والبيروقراطية يقفان حجر عثرة في طريقها.
ومما لا شك فيه ان ارتفاع الأسعار والغلو فيها انما يرجع سببه الى الفساد ودخول المال الى جيوب المتنفذين الذين لا يشبعون.
أتمنى على أنصار الله ان يستمروا على نهجهم الذي رسموه وأن لا يدخلوا في متاهات السياسات القديمة فمصلحة الشعب اليمني الذي طالما تم إهماله وذبحه ، مع أن الجميع يرفع رايته، وأن يستعينوا بالكفاءات الجنوبية التي لم تعط فرصة لتثبت نفسها، هي المقياس والبوصلة.
نجاح الثورة اليمنية وتحقيق أهداف الشعب في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية هو أول خطوة في ربيع عربي حقيقي ، فلم تقم ثورات الشعوب من أجل تغيير الوجوه بل من أجل تحقيق مطالب مشروعة. وتثبت التجربة اليمنية أن الثورة بحاجة الى قوة تقف بجانبها وتساندها حتى تنتصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق