ربما لشعوري أنني لن أجد ذبحاً حقيقياً في المقاطع التي ينشرها تنظيم داعش؛ فقد تحفزت لمتابعتها، فكثيرون ـ أنا منهم ـ لا يتحملون تلك المشاهد المفزعة، قلما كنت تجد من تستهويه هذه المقاطع في العقد الماضي عندما كان تنظيم مخترق آخر يبثها مستهدفاً حينها مواطني دول ليست في حالة عداء مباشرة مع المقاومة العراقية، ككوريا والفلبين واليابان.
ومرد التحفز هذه المرة يعود لكوني لا أتوقع أن يقدم تنظيم داعش الذي يعد شوكة في خاصرة الأمة الإسلامية الآن على استهداف أمريكيين وبريطانيين على نحو مباشر، وإن فعل فعلى نحو محدود جداً يفيد خصوم الفصائل المقاومة، ولا يعلي من عدالة قضيتها، فهو إنما وجد لكي ينغص على المقاومتين السورية والعراقية ويستلبهما مشروعيتهما، ويعمل على تصفيتهما في النهاية مثلما نجح نظيره (الجيا) في الجزائر في تصفية الجبهة الإسلامية للإنقاذ جنباً إلى جنب مع السلطة العسكرية الغاصبة للسلطة هناك.. من هنا حاولت مراراً تأمل المقاطع التي تنسب إلى تنظيم داعش، والتي يتم فيها "ذبح" أمريكيين وبريطانيين فلاحظت فيها ما يلي:
- لا وجود لأي مشهد ذبح فيها؛ فجميعها تتناول مشهداً مطولاً لرسالة من "الرهينة" وأخرى من "الذابح"، لكنها تقفز على مشهد الذبح نفسه وتكتفي بنشر صورة لرأس المذبوح فوق ظهره، بما يفتح شهية المشككين في تركيبها من عدمه.
وهذا يطرح سؤالاً جوهرياً: هل تستنكف داعش عن بث مشهد الذبح "مراعاة لمشاعر المشاهدين"، أم أن وراء الأكمة ما وراءها.
- لماذا الحرص دوماً على أن ارتداء "الرهينة" ملابس الإعدام الاعتيادية التي يتعارف عليها أنظمة السجون في دول العالم، هل هذا "الالتزام" مقصود أم أنها "زلة" من "المخرج"؟!
- وضوح الصوت جيدا في الصحراء، هل مبعثه استخدام تقنية صوتية عالية، أم أن ثمة ما هو غامض في المقطع؟
- لماذا يحرص "المخرج" على إظهار الرهائن رابطي الجأش، يستقبلون الذبح بكل شجاعة وصمود؟! ولماذا لم نر أي تراجع أو توسل أو انهيار في تلك المشاهد؟! هذا مع العلم أن الرهائن يرسلون رسائل تنم عن خيبة أمل من دولهم وسياساتها، ولا تبوح بإصرار عقائدي قد يدفع صاحبه إلى التحدي والشجاعة.
- "الأناقة" الزائدة، حد المبالغة في تنظيف وكي ملابس الرهائن على نحو متميز، وكذا "الذابح"، وحتى القيود اللامعة، أثار شكوك البعض في كون ذلك، لا يتناسب لا مع ظروف "إعدام وذبح" ولا مع ظروف صحراء.
- ما الذي يجبر الرهينة على التحدث بهذا الخطاب، وإفادة خاطفيه، وهو يرى حد السكين بالقرب من رقبته، وهو موقن بالإعدام؟ أهو القناعة أم التلقين، وما التهديد الذي يدفعه لقول هذا وهو يرى أنه مذبوح على أية حال؟!
- في حين يبدو لدى الخاطفين حرصاً على "هندام" الرهينة، لا يتوفر لديهم الحرص ذاته على "الاقتداء بالسنة" عند الذبح، لا أقول ذبح البشر!، وإنما حتى ذبح الحيوان؛ فالإشارة بآلة الذبح أمام "الذبيحة" طوال هذا الوقت مخالف للسنة حيال الحيوان فضلاً عن الإنسان، والذبح باليسرى كذلك خلاف الأولى (هل عدمت داعش أن تأتي بأيمن بدلاً من أيسر يذبح؟!)، ولم تتم إراحة "الذبيحة"، وذبحته مرتكزاً على ركبتيه، مع كل ما يفترض من تنظيم يدعي أنه يطبق السنة بحذافيرها (وهو ليس كذلك بكل تأكيد، وإنما الحديث عن السنة هنا ليس إقراراً بمشروعية هذا الذبح، ولكن تنزلاً في النقاش للدلالة على عدم "حبكة الإخراج الفني" للمقطع)!
- يظهر الرهينة في بعض المقاطع بعد "الذبح" مقيداً من يديه فقط؛ فهل هذا كافٍ لجعل شخص يوشك على الذبح أن يستسلم لذابحيه، وهل من اعتادوا ذبح أسراهم كداعش مقتنعون بأن هذا يكفي لمنع مقاومته لعملية ذبح، تدفع حتى الخراف والدجاج على الانتفاض والمقاومة؟!
في الأخير، لو افترضنا جدلاً أن هذا التنظيم الذي اختار وقتاً قاتلاً لبث مقاطعه، التي تحث الدول الغربية، حكومات وشعوباً على الانخراط في الحملة الدولية للحرب على داعش، بحيث تمنح الأنظمة مشروعية للحرب ضدها (إن كانت!).. يبقى سؤالان قفزاً على إشكالية التوقيت، هما:
لماذا تخلو أي رسالة داعشية من أي هدي للمسلمين في قتال عدوهم؟! لماذا خلت تلك المقاطع التي يفترض أنها ستتم مشاهدتها على نطاق واسع من دعوة للإسلام، وإظهار "عدالة" قضية الخاطفين؟ أم أن الرسالة المطلوب إرسالها فقط هي أن هؤلاء هم قصابون يرتدون ملابس الننيجا؟!
ولماذا لم ترسل تلك المقاطع أي إشارة إلى خطايا ارتكبتها الرهينة تحمل المشاهد على عدم التعاطف معها، وإنما جعلت كل جريرته أن دولته تعتدي على المسلمين.. هل هذا مقصود أيضاً؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق