صنع النائب العام وتيار المكايدة مشهد استشهاده بناء على ادعاءات راجت فى السوق الإعلامية بأن المستشار الجليل حسام الغريانى رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمعية التأسيسية لوضع الدستور هدده فى مكالمة هاتفية إن لم يقبل بمنصب سفير مصر لدى الفاتيكان.
ولاكت الألسنة الحداد هراء مماثلا حين تحدثت عن دور للقاضيين الجليلين أحمد ومحمود مكى فى عملية خلع النائب العام بالاعتداء على السلطة القضائية.. وحاولت آلة الإعلام الكيدى أن تقنع الجماهير بأن ثالوث البسالة فى الدفاع عن استقلال القضاء (الغريانى والأخوان مكى) مارسا عدوانا على استقلال القضاء، لينفتح الستار عن مشهد مفرط فى الكوميديا، صار فيه الذين دفعوا ثمنا باهظا فى معركة الاستقلال معتدين جائرين، فيما تحول قضاة مبارك بقدرة قادر إلى ثوار ومغاوير.
تلك هى الرواية الكذوب التى جرى ترويجها وتثبيتها طوال الأيام الماضية التى شهدت نهشا غير مسبوق فى سمعة ثلاثى معركة الاستقلال، غير أن البيان الصادر عن لقاء النائب العام مع اللجنة الثلاثية التى ذهبت إليه أول أمس يدحض هذه التخرصات، وينفى تماما كذبة مكالمة الغريانى التهديدية، وذلك باعتراف النائب العام نفسه، وحسب النص الحرفى للبيان «استمعت اللجنة بكل اهتمام إلى ما سرده النائب العام، حيث أخبر اللجنة أنه بعد مغادرته قصر الرئاسة بعد ظهر يوم السبت 13 أكتوبر الحالى، أجرى اتصالين هاتفيين بكل من وزير العدل، ورئيس الجمعية التأسيسية لتصفية ما قد يكون فى نفسيهما بسبب انفعاله وقتئذ، حرصًا منه على علاقات الزمالة الطويلة معهما والصلات الطيبة بينهما، وأنه لم تتناول هاتان المكالمتان أى حديث عن موضوع الأزمة أو استرجاع أى من أحداثها فى اليومين السابقين».
ومن غير المتصور أن تكون اللجنة قد مارست إرهابا معنويا أو ماديا على النائب العام لكى يتراجع عن حدوتة تهديد الغريانى له، ومن ثم فإن النائب العام مطالب بالاعتذار للرأى العام عن تصريحاته الاستشهادية المبنية على أنه تم تهديده، فتلك هى أبسط قواعد احترام الحقيقة التى هى من المفترض أن تكون ديدن كل مشتغل بمهنة القضاء المقدسة.
وللذكرى فقط فإنه فور صدور أحكام سجن مبارك وحبيب العادلى فى شهر يونيو الماضى كانت الملايين من المصريين قد احتشدت فى ميادين التحرير بكل محافظات مصر تطالب بإزاحة النائب العام وإعادة المحاكمة كى يقع القصاص العادل، ولذا يبدو غريبا وصادما أن الغضب الشعبى بعد مهرجان براءات المتهمين فى موقعة الجمل لم يكن بالقدر ذاته من السطوع والقوة
ويمكن القول إن التوقع كان أن تزحف الملايين مرة أخرى للميادين والشوارع مطالبة بالقصاص الذى لن يتحقق إلا بإعادة المحاكمات فى القضية التى وصلت مهلهلة من النائب العام إلى القضاء.
وربما دفع هذا التوقع مؤسسة الحكم إلى البحث عن مخرج من أزمة عنيفة فى الطريق، غير أن الذى حدث أن السحرة حولوا مجرى نهر الغضب من المطالبة بحق الشهداء إلى قنوات أخرى، بعضها يستحق والبعض الآخر تم اصطناعه ليلحق النائب العام وقضاة مبارك بركب الشهداء فجأة.
والسؤال الآن: هل ستجد قضية القصاص للثورة وشهدائها مكانا لها فى مظاهرات ومسيرات اليوم، أم أنها سقطت ــ سهوا أو عمدا ــ وتراجعت إلى الخلف فى جدول أعمال الغضب؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق