أولا يجب أن ننظر للأيام الـ 100
الأولى لمرسي في السلطة كفرصة له وللشعب، فرصة للرئيس لتطوير سياساته، وفرصة للشعب
لفهم سياسات الرئيس وبرنامجه، وليس لإصدار حكم نهائي، فالحكم النهائي يكون يوم
الانتخابات بعد انتهاء ولاية الرئيس.
الديمقراطية عملية طبيعية قدر
الإمكان تعطي للمسئولين فرصا وتصبر عليهم، وتسمح لهم بالتعلم والتطوير، ولا تعترف
بالحدود المفاجئة أو المصطنعة إلا في
حالات نادرة كالعجز أو الخيانة العظمى لا قدر الله.
فالرئيس سيتم تقييمه الأن وبعد مرور
ستة أشهر وعام وعامين وثلاثة وفي نهاية فترته الأولى، وفي النهاية سيكون هناك كشف
حساب لعوامل كثيرة بين الخطأ والصواب، والناس ستحكم، لذا لا داعي للتشدد في أي
اتجاه.
الديمقراطية تعلم الناس التواضع
والهدوء والتخلي عن الأحكام السريعة والنهائية والعدل في الوقوف على جوانب الصورة
المختلفة فللرئيس ولأي مسئول مزايا كثيرة وعيوب، ومن يتشدد مع رئيس يعارضه اليوم
سيشتكي غدا من تشدد الناس ضد رئيس يسانده، لذا علينا جميعا إرساء قواعد إيجابية
تتخطى الفوارق الحزبية الضيقة وتضع نصب عينيها مصلحة الجميع.
إيجابيا قام الرئيس بالتالي:
1) التخلص من قيادات المجلس العسكري
وإعادة تركيز السلطات في يد الحاكم المدني، وذلك بسرعة أذهلت المتابعين في مصر
وخارجها، ومازال مرسي في حاجة للقيام بمزيد من الجهد لإعادة بناء العلاقات المدنية
العسكرية، وهو جهد يحتاج سنوات من العمل الجاد والصعب من مرسي ومختلف المسئولين
المنتخبين على كافة المستويات.
2) تحقيق قدر لا بأس به من الاستقرار
السياسي والاقتصادي انعكس إيجابيا على مؤشرات البورصة والاستثمارات الأجنبية
والدعم الدولي.
3) السعي لتغيير بعض ملامح السياسة
الخارجية المصرية خلال فترة قصيرة للغاية وبسرعة كبيرة، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة
مع الولايات المتحدة والتوجه شرقا نحو الصين وزيارة إيران فيما عرف بسياسة
الاستقلال والتوازن.
4) السعي لتطبيق عدد مختلف من
السياسات الإصلاحية، مثل مكافحة الفساد والدفع بمسئولين جدد، ومحاولة تقديم بعض
العلاج لمشكلات صعبة ومزمنة كالمرور والأمن والطاقة ورغيف العيش.
وذلك في ظل ظروف صعبة للغاية لم
يتسبب فيها مرسي، بل ورثها من حكم مبارك والفترة الانتقالية الصعبة، ويحسب لمرسي
العبور بالبلاد في ظروف صعبة محافظا على قدر لا بأس به من الاستقرار السياسي
والاقتصادي والأمني دفع الناس للتفكير في المستقبل والمطالبة بالمزيد، وبالطبع
الفضل في الإيجابيات السابقة لا يعود لمرسي وحده ولكن للشعب وللثوار ولمختلف
المسئولين الجدد والبقايا الأنسجة الحية من مؤسسات الدولة المصرية.
سلبيا، عانى مرسي من مشكلتين بالأساس:
1) ظهر جليا حاجة إدارة مرسي لبرنامج
سياسي أكثر تفصيلا ووضوحا، فأهداف الـ 100 يوم الأولى التي فرضها مرسي على نفسه
ظهرت طبيعتها الدعائية الانتخابية بوضوح، حتى باتت قيدا على مرسي أكثر منها مكسبا
له، فمشاكل مصر كثيرة ومترابطة ومحاولة علاج أي منها يحتاج فترة وخطة وعلاج مشاكل
أخرى عديدة.
لذا أعتقد أن مساعي مرسي وحزبه
وجماعته للدفاع عن أهداف الـ 100 يوم الأولى هي تأكيد لخطأ دعائي وسياسي ليس أكثر،
والأفضل أن يعتمد مرسي سياسة أكثر مصارحة ويقول أن إدارته تحتاج لإعادة تعديل
أهدافها، وهو يبدو أن مرسي يحاول فعل ذلك حاليا خاصة مع حديثه في خطابه الأخير
بإستاد القاهرة عن خطر عجز الموازنة والديون وقلة التمويل واهتمام إدارته بمواجهة
الدعم.
نفس الشيء ينطبق على مشروع النهضة
والذي أثار الإخوان حوله ضجة انتخابية كبيرة ليتضح فيما بعد أنه مشروع أولي يتضمن
أهدافا طموحة ولكنه يفتقر حتى الآن لخطط تفصيلية لكيفية تحقيق هذه الأهداف.
لذا أعتقد أن قضية غياب الخطط
الواضحة تمثل أكبر تحديا لإدارة مرسي، فالعالم والمصريون ينتظرون خططه الاقتصادية
المفصلة، والناس تبحث عن سياسات جادة لعلاج مختلف مشاكلها، لذا تقدم أحد مستشاري
مرسي – وهو الصحفي الأستاذ أيمن الصياد – بنصيحة تنادي ضمنيا بتبني سياسة أكثر
شفافية مع الناس، ومواجهتهم بالتحديات الرئيسية وبما ينبغي عليهم تحمله لتخطيها.
2) يرتبط بالعيب السابق مشكلة أخرى
تتعلق بافتقار إدارة مرسي آلية واضحة للحوار مع القوى السياسية الرئيسية، فالحوار
مطلوب على كافة الأصعدة سياسيا واقتصاديا وطائفيا ... ألخ، ومصر عانت من الاستبداد
لعقود وعاشت ثورة هائلة وفترة انتقالية صعبة، لذا الناس تريد أن تطمئن والقوى
السياسية في حالة تأهب ومرسي يحكم من خلال تحالف يعتمد على جماعته السياسية
بالأساس ودائرة ضيقة من الحلفاء السياسيين غير واضحي الأدوار.
فأدوار مساعدي ومستشاري مرسي غير
واضحة حتى الآن وهم في النهاية مساعدين ومستشارين لا شركاء، ولا يعبرون عن قوى
سياسية يعتبر بها سوى السلفيين، وبعض تيارات وسط التيار الديني.
وقد نصح كثيرون مرسي بعقد مؤتمرات
للحوار الاقتصادي والسياسي ولكن الإخوان مازالوا يتهربون من الفكرة وسط حالة استقطاب
متزايدة، ولن يزداد الأمر إلا صعوبة لو استمر الوضع القائم، فمواجهة المشاكل
الصعبة لا يكون بالتأهب والاستقطاب وغياب الحوار، وافتقار الدولة للبرلمان ومرورها
بمرحلة انتقاليه صعبة يزيد الحاجة لجهود أكبر للحوار المجتمع والسياسي حول الدستور
وخطط النهوض بالبلاد، وقد بدأنا في الأيام الأخيرة نشهد بوادر لهذا الحوار على
المستوى الاقتصادي ينبغي تعميقها وتطبيقها على مختلف المستويات.
ولا ننسى التأكيد على أن ما يحدث هو
اختبار لمختلف القوى السياسية، فالصعوبات التي تواجه مرسي وهو أول رئيس مدني منتخب
لن تختفي وستواجه من يأتي بعده ومختلف القوى السياسية، لذا لا داعي للتمترس
السياسي، والسعيد من اتعظ، وغدا لناظره قريب، والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق