14 أكتوبر 2012

بيان القيادة القومية لحزب البعث حول الأوضاع العربية الراهنة




أيها الرفاق
يا جماهير أمتنا العربية المناضلة
طرح حزب البعث العربي الاشتراكي منذ إرهاصات نشوئه في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، والذي تُوِّجَ بانعقاد مؤتمر التأسيس في 7 نيسان (أبريل) 1947 رؤية شاملة عميقة، مشخصاً الواقع العربي بكل تعقيداته وتحدياته، ووضع منهاجاً فكرياً ونضالياً لمجابهة الواقع الفاسد الموروث من عهود التبعية والاستعمار، لإحداث التغيير الجذري المنشود. لقد استمرت حالة التخلف والتبعية في الوطن العربي بعد استقلال الأقطار العربية بسبب ابتعاد الأنظمة القطرية المتعاقبة عن المشروع القومي النهضوي التقدمي الذي طرحه البعث والذي يطالب بالوحدة والحرية والاشتراكية، ويربط بين الأصالة والمعاصرة والتفاعل الإيجابي مع قواه الطليعية الثورية، وفشلت تلك الأنظمة أيضاً في صيانة الاستقلال السياسي وحماية السيادة الوطنية، وتعالت على الشعب، وصادرت إرادته الحرة، وأمعنت غالبيتها في التبعية للغرب الاستعماري والإمبريالي الأطلسي الصهيوني، ومطامع القوى الإقليمية كتركيا التي أصبحت تستغل الحركات الإسلامية التي تمكنت من السلطة في العديد من الأقطار العربية، وأثيوبيا والسنغال، سيما إيران الملالي التي كشفت عن أطماعها التوسعية في الوطن العربي، وخاصة في الخليج انطلاقاً مما فعلته في العراق حيث تحالفت مع الاستعمار والإمبريالية والصهيونية علناً ضد البعث ونظامه الوطني التقدمي التحرري، وما تخطط له اليوم في البحرين.
كما مكَّن هذا الفشل للأنظمة القطرية العربية العصابات الصهيونية من اغتصاب فلسطين وبعض الأراضي العربية الأخرى واحتلال إيران للجزر العربية الثلاث بعد اغتصابها إمارة عربستان عام 1925 بالتواطؤ مع الاستعمار الإنجليزي، وشاركت الاستعمار والإمبريالية والصهيونية، في العدوان على العراق عام  1991 وفي احتلاله عام 2003، بهدف تصفية قاعدة النهوض الحضاري والقومي التقدمي التي كان يمثلها العراق في عهد النظام الوطني، وتدميره وتصفية قيادته الحزبية والعلمية والعسكرية، ومحاصرة قوى الثورة العربية، والسعي لاجتثاثها لتكريس واقع التبعية والتجزئة والتخلف، ولتجزئة المجزأ، كما حدث في السودان وما يخطط له في أقطار عربية أخرى. والعمل على تمزيق النسيج الوطني العربي بإثارة النعرات والعصبيات الدينية والطائفية والجهوية والقبلية.

إن هذه السياسات هي نتاج اعتماد الأنظمة العربية في حكمها على الإسناد والدعم الأجنبي/ الإقليمي والدولي عوضاً عن الاعتماد على التأييد الشعبي، لذا فقد عملت على تغييب الإرادة الحرة للجماهير ومصادرة حقوقها والتسلط عليها وفرض وصاية مقيدة على الشعب عن طريق الإرهاب والقمع والإفساد المالي والأخلاقي، ومحاصرة وإضعاف قواه السياسية والاجتماعية الوطنية والقومية التقدمية، ونشر ثقافة الهزيمة والاستسلام وإضفاء المشروعية والقدسية عليه، بفتح الطريق أمام الأحزاب والقوى الانتهازية والمتخلفة فكرياً وسياسياً واجتماعياً.

أيها الرفاق

يا جماهير أمتنا العربية المناضلة

إن الانتفاضة الشعبية العربية المتصاعدة والمنتصرة بعون الله قد جاءت رداً على هذا الواقع المتردي، وتتويجاً لجهود البعثيين والقوميين والوطنيين والشرفاء من أبناء أمتنا وهي حلقة من حلقات النضال في كل أقطار الوطن العربي منذ القرن التاسع عشر في مقاومة المشاريع الاستعمارية والاستيطانية وفى مواجهة واقع التجزئة والتبعية والتخلف وما أفرزه هذه الواقع من أنظمة أثبتت عجزها وفشلها وإفلاسها، وجاءت من أجل استعادة الشعب لزمام أموره على طريق الوحدة والحرية والديمقراطية والتنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية، وبناء الدولة المدنية الحديثة التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات، بعيداً عن المحاصصات التي تفضي إلى التفتيت والتشرذم، الذي يُضعف وحدة النضال وإرادة التغيير الجذري للواقع القائم، وللتحرر من الاستعمار وكل أنواع الهيمنة والسيطرة، والتطلع إلى وحدة الأمة وحريتها وتقدمها الحضاري والإنساني واستعادة دورها الطليعي الرائد بين الأمم.

وكما ان صمود المقاومة الوطنية في فلسطين وبخاصة في العراق، بعد الغزو الإمبريالي الصهيوني الفارسي، كان عاملاً مهماً في تحفيز وانطلاق الانتفاضة الشعبية العربية، فإنها تشكل مدداً لشعبنا في مقاومته للاحتلال والاستيطان، ولجماهيرنا على امتداد الوطن العربي في التحرر والانعتاق والتقدم، ولذا فإننا ندعو البعثيين والقوميين والوطنيين وكل الشرفاء لتوحيد صفوفهم ولتصعيد دورهم في الانتفاضة الشعبية العربية، وللمحافظة على الطابع السلمي للانتفاضات، وقطع الطريق أمام محاولات القوى المشبوهة المحلية والأجنبية لتشويهها واحتوائها وحرفها عن مسارها، ومقاومة كل أنواع التدخل الخارجي.

أيها المناضلون

لقد حسم إخوانكم العراقيون الأشاوس، وفي طليعتهم رجال المقاومة الأبطال بقيادة المجاهد البطل عزت إبراهيم الدوري الصفحة الأولى من حربهم وجهادهم المقدس لتحرير العراق من الغزاة الأمريكان الذين انسحبوا عسكرياً نهاية العام المنصرم، مهزومين مدحورين بعد ان تكبدوا خسائر بشرية ومادية فادحة خلال ملحمة بطولية دامت تسع سنوات قدم فيها أبناء شعبنا العراقي الأبي، وفي طليعتهم المناضلون البعثيون قوافل من الشهداء والتضحيات السخية يتقدمهم شهيد الحزب والأمة الرئيس صدام حسين وعدد من رفاقه في القيادة. وبعد ان حققوا هذا الإنجاز التاريخي نيابة عن الأمة العربية والإنسانية بهزيمة جيش القطب الأوحد، ها هم يتصدون الآن لما تبقى من ذيول الأمريكان بأوجهها وأغطيتها المختلفة وللوجود الإيراني العنصري الفارسي والطائفي الذي أوكلت له أمريكا مهمة استكمال المشروع الإمبريالي الصهيوني لتدمير العراق وتفتيته، بعد أن هيأت له كل مستلزمات ذلك سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وأوكلت له إدارة ما يسمى بالعملية السياسية الاستخباراتية.
 ونحن على يقين ثابت من أن الانتصار الذي تحقق بهزيمة المحتلين عسكرياً، سيُكّلل بهزيمة مشروعهم الإمبريالي الصهيوني الإيراني، وسيعود العراق موحداً معافى ليستأنف دوره الوطني والقومي.

أيها الرفاق

وفي سوريا، فإن النظام يتحمل المسؤولية الأولى عما يجري في هذا القطر من قتل وتدمير وتخريب، إذ انه لم يأبه بما كان يجري في عدد من الأقطار العربية من ثورات وانتفاضات، افتتحت بداية مرحلة جديدة من نضال الجماهير العربية، ووضعت حداً لاستمرار الأنظمة الاستبدادية المتخلفة التي تجاوزها الزمن، حيث لم يحرك ساكناً، ولم يتخذ خطوات جدية لتحقيق ما تتطلع إليه الجماهير في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، وعندما انطلقت تباشير الانتفاضة الجماهيرية السلمية في بعض مناطق القطر السوري، جابهها بعنف مفرط، مما زادها لهيباً واتساعاً حتى شملت كل أنحاء القطر ودفعت بالكثيرين لحمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم وعن الانتفاضة، وهذا مما سهل دخول قوى وأطراف متعددة، الصراع، منها الوطني والقومي والمستقل، ومنها من يرتبط بقوى خارجية تسعى لتحقيق أهداف خاصة، سيكون الشعب السوري هو الخاسر الوحيد من جرائها.

ورغم كل ما حصل، فإننا نعتقد ان فرصة الحل لم تتلاشى تماماً إذا ما تخلى النظام والقوى المعارضة الأخرى عن العنف والعنف المضاد، وعلى المراهنة على القوى الخارجية والتعويل على الإسناد الإقليمي، واتخذوا قراراً وطنياً ينطلق من مرجعية واحدة هي الشعب السوري، بما يستجيب لتطلعات الجماهير في التغيير الوطني والديمقراطي، ويحفظ لسوريا مقوماتها الوطنية في وحدة أراضيها وشعبها ومؤسساتها ويحصنها كموقع عربي مفصلي وأساسي في الصراع العربي الصهيوني، ومن كل أشكال التدخل الأجنبي، ويعيد الاعتبار لسوريا الحاضنة للقضايا الوطنية والقومية، وفي طليعتها في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ أمتنا قضية تحرير العراق من مخلفات الاحتلال الأمريكي والتدخل الفارسي، والقضية الفلسطينية التي لا تزال تتبوأ موقعها في النضال العربي، ليقرر الشعب شكل وطبيعة النظام الذي يريد قبل أن يُدمَّر كل شيء، ويتفكك الجيش السوري ويتفتت الكيان الوطني إلى دويلات مذهبية وعرقية وتصبح سوريا فضاءً مفتوحاً أمام العدو الصهيوني.
أيها الرفاق
يا جماهير أمتنا العربية المجيدة
إن أصالة البحرين تمتد إلى فجر التاريخ ، حيث تقاطعت عندها الإمبراطوريات مثل البابلية والفرعونية وغيرها. وتصادمت داخلها عقائد الفرق الإسلامية، وفى عصرنا هذا كانت رائدة في حركة النهوض القومي العربي الذي برز الرعيل القومي الأول فيها مع مطلع القرن العشرين، وتوج جهوده بإقامة نادي العروبة عام1939م. وبحكم موقعها واستنارة أهلها، فقد كانت ولا تزال محط أطماع القوى الخارجية الغربية والإيرانية بوجود أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة فيها. ومن الناحية الأخرى تواجه الادعاء الزائف منذ عهد الشاه بتبعيتها لإيران، ولتفاعلها مع محيطها القومي العربي، كان من الطبيعي ان تمتد إليها الانتفاضة الشعبية العربية التي تأثرت بعاملين: الأول بروز الاصطفاف الطائفي، والثاني محاولة إيران للتدخل بهدف احتواء الانتفاضة وحرفها عن مسارها متستر ة بشعارات دينية ومذهبية.
إن الانتفاضة في كل الأقطار العربية في مواجهة أنظمة التبعية والتخلف هي حق مشروع، كما ان مطالب شعب البحرين في الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، هي مطالب محقة. فالأزمة هي في المقام الأول أزمة سياسية ودستورية وحقوقية، ولن تجدي معها الحلول الأمنية مهما طال أمدها واشتدت قسوتها، ويطالب شعبنا في البحرين بتصحيح المعادلة السياسية والاجتماعية غير المتوازنة. لذا فإن الحزب يدعو كل القوى بمختلف توجهاتها موالاة ومعارضة وطنية غير مرتبطة بالخارج، بأن تتوافق على الحل السياسي الوطني، بما يحقق المطالب الشعبية العادلة والمشروعة، وبما يحافظ على وحدة البحرين وسيادتها وعروبتها، لأن إطالة أمد الصراع سوف يحوٍّل البحرين إلى ساحة مكشوفة لكل أشكال التدخل الأجنبي، سيما الإيراني الطائفي الرجعي, وإن حزبنا إذ يدعو جماهير شعبنا في الخليج عامة والبحرين بشكل خاص، لفضح ومواجهة محاولة النظام الإيراني التوسعية، فإنه يدعوها إلى تصعيد النضال ضد الوجود العسكري الأمريكي ومحاولات إغراق دول الخليج بعمالة أجنبية لطمس هويته الوطنية والقومية.
أيها الرفاق
يا جماهير أمتنا العربية المجيدة
يدعو حزبنا المجاهد، حزب البعث العربي الاشتراكي، مناضليه وكل القوى الوطنية والقومية التقدمية إلى الوعي بخصوصيات المرحلة وتحدياتها الجديدة والارتفاع إلى المستوى النضالي الذي يُمكنِّهم من التعامل معها بما يخدم مصالح الأمة ومشروعها الحضاري المنشود عبر المشاركة الفعالة في هذه الثورات والانتفاضات وحمايتها من التراجع والانحراف.
- الرحمة لشهداء الأمة في كل أقطارها.
- الرحمة لشهداء الحزب ورموزه الكبار وفي مقدمتهم الشهيد الرمز صدام حسين المجيد.
- تحية إكبار وإجلال للأسرى والمعتقلين الصامدين في معتقلات المحتلين وعملائهم وفى مقدمتهم الرفيق المناضل طارق عزيز عضو القيادة القومية.
- تحية إكبار واعتزاز لأبطال المقاومة في العراق وفي مقدمتهم عزت إبراهيم ورفاقه.

12 تشرين الأول (أكتوبر) 2012

ليست هناك تعليقات: