إن المجتمعات الإنسانية عامة والعربية منها خاصة ، كثيرا ما تركن إلى ما هو شائع على كونه صحيح مما يجعل العامة يتلقون الشائع بدون تحقيق أو مراجعة ومن ثم تثبت المغالطات في الأذهان وتصبح المفاهيم الخاطئة كما ولو هى جزء من الموروث المعرفي الذى لا يجب إنتقاده ولا يستحق الدقيق فيه ، وأنا أرى إنه في ظل التوترات السياسية والصراعات الإقليمية والحروب ولا سيما بلادنا العربية لم تتوقف الإعتداءات عليها من المحتلين و قلما نجد من يصحح مثل تلك المفاهيم وهكذا نجد أنفسنا أمام هذا اللفظ الغريب وهو ( محو الأمية ) , إن لفظ الأمية كمصطلح شائع يفهم على نحو خاطئ وقد رسخ في العقول بأن كلمة أمية تشير إلى الجهل بالقراءة والكتابة ! وعندما بدأنا البحث والتنقيب في الكتب والمراجع لاحظنا شيئ غريب وهو غياب هذه الكلمة المسماة بـ ( محو ) من جميع أمهات الكتب وعدم إقترانها بكلمة الأمية في أى وجه من الأوجه بحيث تثبتنا وتأكدنا بإن هذا اللفظ المسمى ( بمحو الأمية ) لم يكن متداول على الإطلاق في الوثائق القديمة و لم يظهر وينتشر هذا التعبير إلا إبان حكم الملك فؤاد الأول في مصر حينما كان مستشاروه من اليهود ( الصهاينة ) هم من كانوا يسيطرون على المطابع والنشر و كان مستشاري وزارة المعارف والسينما والإذاعة في العشرينيات من القرن الماضى هم أنفسهم من ملؤا الكتب بهذه التعبيرات ، والشائع حينها إن الكثيرين من اليهود المصريين يحملون بأسماء عربية مما يدفعك لتصديقهم . وكان أحدهم اليهودي دنلوب: مبشرا إنجليزي عمل مستشارا في وزارة المعارف المصرية ، و هو كان ممن يعنون بالمناهج التعليمية في مصر وأشرف علي تنفيذها بنفسه وكان من بين الأعضاء المصريين حبر اليهود في مصر حاييم ناحوم ، وهو تركي أستقر في مصر وتجنس بجنسيتها ، وكان علي حظ وافر من معرفة الألسن الشرقية والغربية ومنذ ذالك الوقت بدأ نشر تلك المفاهيم التي تربط لفظ الأمية بعدم معرفة القراءة والكتابة أو بالجهل و بينما كان بنى إسرائيل وفي وقت الأنبياء يحصرون مفهوم أميين وحتى وقت مجيئ الرسالة الإسلامية في معني محدد وهو الأمم الأخرى أى قويم ( جويم ) ممن لا يستحقون تعلم الكتاب أي الرسالة الموسوية ولذلك ظلت التعاليم التوراتية حكرا علي اليهود دون الأقوام الأخرى من غير بني إسرائيل ، وبعدما تيقنوا بأن النبي الخاتم من أبناء إسماعيل أي من الأميين أى من أمة من غير بني إسرائيل أثارة غضبتهم وحقدهم وهكذا بدأوا ينفثون أفكارهم السامة وأشاعوها بين البشر بأن القويم ٠ الأميين ) ليسوا فقط جهلاء بل هم مثل الكلاب وكذلك ألصقوا مفهوم الجهل بالأميين , والمتتبع لسيرة المسيح إبن مريم سوف يتعرف علي السر الدفين الذي بسببه كان عداء اليهود له وهو حرصه عليه السلام على نشره للتعاليم التوراتية الصحيحة بين أقوام الأخرى من غير بني إسرائيل ، وهذا ما جعل أحبار اليهود حاخاماتهم حانقين عليه وكارهين له وأنكروا عليه أن يكون مسيحهم وما لبسوا أن دبروا له الكثير من المكائد للخلاص منه. من هذا يتضح أن محور الصراع بين بني إسرائيل والأقوام الأُخري ( الأميين ) هو الكتاب أي الرسالة ( التوراة ) التي احتكرها ( اليهود ) ولم يرغبوا في نشر تعاليمها و أحتكروا الشريعة لأنفسهم وحرموا الجويم من إتباعها و لذا عاتبهم وعاقبهم الله بأن نزع منهم الرسالة ، وأعطاها لنبي من قوم من غير بني إسرائيل أي نبي من الأميين فكان كلام القرآن قطعياً في أن الله أعطي الرسالة للنبي الخاتم كي يُعلم الأقوام الأخري ، لأن اليهود كانوا يخفون التعاليم عن كل من يرغب في تعلم الرسالة الموسوية أو رسالة النبي موسي و كانوا يضلونهم عن التعاليم الحقيقية و لهذا نجد إن ( الأميين ) لا يعرفون من الكتاب إلا اليسير وليس من حق الأميين ولا آباءهم من الأقوام الأخري تعلم الكتاب أى ( التوراة ) . ومن هنا يتضح أن الإعلام الصهيوني يتعمد نشر تلك المصطلحات التي كررها بمفهوم خاطئ وأشاعها ودسها في الكتب ، واستخدمها العرب بدون تحليلها أو إدراك مغزاها الحقيقي الذي يكمن في تحقير الشعوب من غير بني إسرائيل وأصبحت من التعبيرات الشائعة في مجتمعاتنا, ومن أشهر الكلمات سيئة السمعة ذلك المصطلح والتعبير المسمي بـــ ( محو الأمية) ومثل تلك المصطلحات من أدبيات اليهود التي نشروها بيننا لتحقير بني إسماعيل, ولا تجد هذا التعبير إلا في كتب العرب الحديثة فقط وفي جميع ( لغات) العالم تستخدم تعبيرات أخري تفيد تعلم القراءة والكتابة و حتي في اللغات الأخري لا يقال عنها ( محو الامية) ولكن يقال عنها تعلم الحروف أو تعلم القراءة والكتابة أو الذين لا يجيدون حروف الهجاء ( Literacy ) ، ونجد من اليهود ممن أشاعوا في بلاد العرب بأن كلمة أمي تساوي جاهل كذلك تساوي عدم معرفة القراءة والكتابة كما لو أن تلك الكلمة ليست بعربية ، فإن كان مخترع هذا المصطلح من أصل عربي أو مسلم لكان أجدر به أن يستخدم تعبيرات تدل علي البلاغة في استقامة المعني وتناسق التعبير وجمال التركيب, فمثلا اللسان العربي الذي تعلم من رسول الإسلام الذي كان يدعو بالحسنى ويقول ( إن الدين النصيحة ) , فبالتالي يصبح التعبير هكذا ( اطلبوا العلم من المهد إلي اللحد) , وحتي إن لم نقدر علي إيجاد تعبير بليغ كهذا لكان علي الأقل القول في هذا الشأن مثلا : ( حملة القراءة والكتابة ، هيا نتعلم الكتابة ، أو القراءة مفتاح العلم أو القراءة باب العلم أو العلم مدخل الإيمان ، أو تعلموا حروف لسانكم العربي أو حملة النور والمعرفة ) وغير ذلك الكثير من التعبيرات البديلة, فمن واجب العرب ألا يسقطوا في وحل التقليد الأعمى الذي مع مرور الوقت يصبح كما لو كان جزءا من التقليد والعادة والواقع المفروض ويجب علينا ألا نستعمل تلك التعبيرات المغرضة المحقرة للإنسان فكلمة محو الأمية تعبير غير مفيد وجملته ليست من لسان العرب ولابد أن نرسخ التفسيرات الصحيحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق